ماذا ينتظر العراق بعد منح البرلمان الثقة لحكومة السوداني؟
21:41 GMT 27.10.2022 (تم التحديث: 05:42 GMT 28.10.2022)
© AP Photo / photo from the Iraqi parliamentرئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني
رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني
© AP Photo / photo from the Iraqi parliament
تابعنا عبر
بعد أكثر من عام على الانتخابات المبكرة في العراق ما بين صراع سياسي دموي، نالت حكومة محمد شياع السوداني، اليوم الخميس، ثقة البرلمان، ليبدأ العراق مرحلة جديدة غير واضحة المعالم نظرا لتعقد وتشابك الملفات التي تنتظر القادم الجديد.
هل يدخل العراق مرحلة الاستقرار ويعمل على حلحلة الملفات العالقة ويقضي على الفساد المالي والاقتصادي والانفلات الأمني بعد تشكيل الحكومة... أم أن هناك ملفات وأوراق ضغط قد تقلب الأوضاع وتعيد البلاد إلى المربع الأول؟
بداية، تقول الباحثة في مركز بابل للدراسات المستقبلية في العراق، د. آلاء العزاوي: "من وجهة نظري هي حكومة لا تمتلك الأدوات، وإن امتلك شخص رئيسها غير المستقل النية لتصحيح مسار ما خربوه طيلة الـ20 عاما المنصرمة، لكي أكون منصفة بحقه، فهو في وضع لا يُحسد عليه، ووقع بين مطرقة سفارة الاحتلال الأمريكي وشريكتها البريطانية وسندان أحزاب الفساد التي تتخذ منه واجهة لتنفيذ إراداتها، وأهمها النفود وتمويل الميليشيات التي تتحكم بأرض الواقع".
استفزاز صارخ
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "ربما يعتقد البعض أن أعضاءها مهنيون لكن محركات توجيههم بيد الأحزاب التي رشحتهم للمناصب، حقيقية تشكيل هذه الحكومة، ومنحها الثقة هو استفزاز صارخ للشعب أن تعود نفس الجهات التي خرجوا ضدها في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، واتهموها بقتل وخطف وإعاقة أعداد لا يُستهان بها من الشباب الأحرار الباحثين عن كرامة وطنهم، الرافضين أن يكون ألعوبة بيد سفارات دول الاحتلال، وطن منهوب وشعب تتقاذفه المصائب، وحكومات عميلة لا هم لها سوى البقاء في السلطة واستمرار لصوصها بنفوذهم".
وتابعت العزاوي: "لا أتوقع أن حكومة السوداني ستصمد طويلا، إذ أن الفئة التي اختارت الوطن هي الآن في مرحلة مراجعة و تقييم للتجربة للاستعداد لاستئناف المرحلة الثانية من رحلة تحرير الوطن".
تساؤلات مشروعة
من جانبه، يقول مسؤول المكتب السياسي - البديل الثوري للتغيير في العراق، علي عزيز أمين: "لم يتغير شيء في البلاد هى نفس الوجوه الفاسدة التي تحميها سفارة الشر المزروعة وسط المنطقة الخضراء وفي أربيل أكبر قنصلية أميركية في العالم".
وتساءل أمين في حديثه لـ"سبوتنيك": "هل ستسمح أحزاب السلطة وزعماءها للسيد السوداني بتنفيذ ما كتبه في وثيقة برنامجه الحكومي، ولو افترضنا جدلا أن هذه الزعامات قد استوعبت الدرس الذي عاقبتها به جموع الشعب بمقاطعتهم للانتخابات، وأدركوا بشكل جيد أن هذه فرصتهم الأخيرة لإعادة جزء من قواعدهم الشعبية.. فهل سيسمح لهم الأمريكان الذين أتوا بهم إلى السلطة أن يصححوا ولو الجزء اليسير".
وشدد مسؤول المكتب السياسي على أن "عمر هذه الحكومة سيكون قصير وفرحتهم لن تدوم و هم يعلمون ذلك"، منوها إلى أن "تبادل الأدوار بين الحكومتين قد أضاع العراق".
عمرها قصير
أما الكاتب والمحلل السياسي العراقي، عبد الجبار الجبوري، فيقول: "بعد موافقة البرلمان على حكومة السوداني، هناك تساؤلات كثيرة تطرح حول إمكانية استمرار تلك الحكومة التي ولدت من رحم الأحزاب الطائفية، وبمباركة إيران وأمريكا، بكل تأكيد هكذا وزارة لن تدوم لشهرين أو أقل، لسبب بسيط، لأن الشارع العراقي، يرفض حكومة محاصصة طائفية، لا تمثله، ولم يشترك في انتخابها، وهي سبب ما جرى ويجري للعراق، وقد خرج الشعب بتظاهرات غاضبة لإسقاطها في العام الماضي، لولا تدخل إيران وفصائلها".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الحكومة الجديدة لن يسكت عليها التيار الصدري، الذي سحب (73)من أعضاء البرلمان، ليتركها تعيث فسادا في العراق، لأن من يدير الحكومة من وراء الستار هى الدولة العميقة التي يمثلها العدو اللدود للتيار ومقتدى الصدر، وهو نوري المالكي، إذا عمر هذه الحكومة سيكون قصير رغم شعاراتها البراقة والدعم اللامحدود، الذي تقدمه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وبلاسخارت وإيران، فإدارة بايدن وضعت شروطها لدعم حكومة السوداني، واجتماعات ولقاءات سفيرتها ببغداد لجميع رموز الكتل السياسية وأحزابها، دليل على ذلك، ومن شروطها، إعلان موعد انتخابات مبكرة، والقضاء على الفساد، وعدم قصف السفارة وأربيل، وعدم تولي الفصائل مناصب حساسة كالمخابرات والأمن الوطني وغيرها".
المربع الأول
وأشار الجبوري إلى أن "أجندة السوداني وبرنامجه الحكومي سوف لن يتحقق، والعراق يعيش عودته إلى المربع الأول بحكومة تحاصصية يشرف عليها ويقودها السلاح المنفلت، ينخر فيها الفساد والطائفية والصراع على المناصب والمكاسب الحزبية الضيقة، وحكومة السوداني شكلتها أحزابا لمصالحها وليس لإنقاذ الشعب العراقي، الذي يعاني من ملفات اقتصادية وأمنية وسياسية وطائفية، وفشل جميع الحكومات في مغادرة المحاصصة الطائفية، بما فيها حكومة السوداني، يعني بقاء العراق في صراع الأحزاب على النفوذ والهيمنة، ولاسيما هناك الراعي الأكبر لهذه الأحزاب والفصائل وهو إيران، إذا لا أمل للعراقيين من حكومة لن تقضي على الفساد، ولا تسيطر على السلاح المنفلت، وتنزع سلاح الفصائل الولائية المسلحة التابعة لإيران، لأن حكومة السوداني يدعمها ويحميها السلاح المنفلت، الخارج عن القانون، والذي يستلم أوامره من خارج الحدود".
الحكومة الاستثنائية
بدوره، يقول أمين عام تيار "بناة العراق"، د. رياض الإسماعيلي: "بعد المخاضات العسيرة والطويلة من صراعات الوصول للسلطة والرقص على جراح الشعب العراقي، وانتهاز الفرص والصدفة السياسية، جاءت هذه الحكومة الإطارية بإمتياز لانسحاب التيار الصدري وملئ الفراغ من الخاسرين بعد محاصصة واضحة ومفضوحة وتقاسم مخجل".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "وُلدت حكومة السوداني التي يروج لها البعض حكومة خدمات ويسبغ عليها صفة الوطنية والمهنية، ولكن النتائج المعلنة لتشكيل الحكومة إلى الآن تؤشر أنها حكومة حزبية محاصصاتية، ما عدا بعض الوزراء المهنيين الذين جاءوا لذر الرماد بالعيون، و لإقناع جزء من الذين يعارضون بلا وعي وإدراك حقيقي لما يجري، ومن المرجح والمشاع أن تكون هذه الحكومة خدمية وتقرر انتخابات مبكرة لتلبية مطالب الشعب المحتج، وأن تعدل بعض القوانين الخاصة بالانتخابات والتعديلات الدستورية وتحاسب الفاسدين، لكن يبدو أنها ستكمل دورتها وتتحدى كل المطالب طالما هناك طرف يهدد ويراقب الآن وهو التيار الصدري".
فتيل الأزمة
وقال الإسماعيلي: "أعتقد أن فتيل الأزمة سيبقى مستعرا مع وجود سياسة تقليم أظافر الخصوم، وبدأت الاتهامات بالفساد وتقديم الفاسدين بإنتقائية واضحة، والمفترض الجميع على طاولة المحاسبة، لذا تنتظر السيد السوداني ملفات كبيرة وعالقة تحتاج للحل، فهل يستطيع حلها ضمن دائرة التجاذبات والاملاءات للكتل التي خرج من عباءته،ا وشروط الشركاء ودول الجوار واستمراريتها مرتبطة بحالة التوازن التي ينتهجها السوداني، وسياسة الترضية للجميع بما فيها الولايات المتحدة وإيران ومراكز الضغط الداخلي، وخاصة الشعب الذي يتهيأ لموجة احتجاجات تشخص الخلل وتطالب بالتغيير".
أدوات السوداني
في نفس السياق، يرى الباحث والخبير الأمني العراقي، د. خالد النعيمي، أن "تمرير البرلمان اليوم لحكومة السوداني كان يسيرا، بعد أن توافقت الكتل السياسية على تشكيل الحكومة برئاسة السوداني على خلفية أزمة استمرت لأكثر من عام".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الأمر المهم الذي ينتظره الشعب العراقي هو مدى قدرة تلك الحكومة الفعلية على إخراج البلد من الوضع المأساوي الذي يعانيه في الجوانب الاقتصادية والمعيشية والخدمات المعطلة، خاصة في قطاع الماء والكهرباء والصحة والتعليم، إضافة إلى الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة وتردي الوضع الأمني بوجود السلاح المنفلت والمليشيات التي تحتمي بمظلة الدولة، وتستخدم العجلات الحكومية وأسلحة ومعدات الحشد الشعبي، ولكنها لا تأتمر بأوامر رئيس الحكومة الذي يعتبر القائد العام للقوات المسلحة".
التيار الصدري
وتابع النعيمي: "كل الملفات السابقة وأخرى لا تقل عنها أهمية.. هل باستطاعة محمد شياع السوداني أن يقوم بإتخاذ إجراءات وقرارات فعلية لمعالجتها، كل المؤشرات تقول بأن هذه الحكومة قد تكون أسوأ من سابقاتها فهي نتاج توافق بين أطراف المحاصصة، بعد خروج التيار الصدري وانفراد الإطار التنسيقي كممثل للمكون الشيعي، وهنا سيكون مكمن الخطر أو التهديد الذي يواجه حكومة السوداني خلال الأشهر القليلة القادمة، لأن التيار الصدري يراقب ويتابع وينتظر الفرصة والمبررات للانقضاض على خصومه في الإطار التنسيقي الذي استحوذ على استحقاقهم الانتخابي في البرلمان وكذلك في الحكومة".
وختم بقوله: "كان واضحا أن المبعوثة الأممية (بلاسخارت) والسفيرة الامريكية في بغداد، قد قدموا تطمينات ومساندة لتولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة، وقد أعلن الطرفان في تصريحات علنية عبر وسائل الاعلام المختلفة لتأكيد ذلك".
ونالت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني ثقة البرلمان في الجلسة المخصصة لذلك اليوم الخميس، حيث ضمت العديد من الوجوه الجديدة فيما تم الإبقاء على فؤاد حسين وزيرا للخارجية.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، في بيان "حكومة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني تنال ثقة مجلس النواب".
وكتب السوداني عبر "تويتر": "بعد الاتكال على الله، نالت كابينتنا الوزارية ثقة مجلس النواب".
وكان مجلس النواب قد صوت بالموافقة على المنهاج الوزاري الجديد لحكومة السوداني.
ونشرت وكالة الأنباء العراقية تشكيل الحكومة الجديدة التي ضمت 21 وزيرا، من بينهم فؤاد حسين وزيرا للخارجية وثابت سعيد وزيرا للدفاع وحيان عبد الغني وزيرا للنفط، وعبد الأمير الشمري الداخلية.
وتعهد السوداني، بالانفتاح على جميع القوى السياسية، سواء التي شاركت أم لم تشارك في التشكيلة الوزارية، في إشارة إلى التيار الصدري ومناصريه الذين رفضوا المشاركة في الحكومة.