أبو عبدو الصعب.. "بائع البسمات" يروي لـ"سبوتنيك" كيف انهارت الضحكات في حلب... فيديو
© Sputnik . Suhaib Omaraya
تابعنا عبر
لا أحد يدرك ما لمدينة حلب من مكانة في عشق الحياة سوى أهلها من عاشوا في كنف هذه المدينة المضمخة بالحضارات المتعاقبة، هو فقط من قد يلمح الخيوط الخفية التي نسجت منها تلك الجدران الصلدة لمملكة الفرح والقبول.
وبين فناءاتها التي لطالما احتضنت الخائفين الهاربين من ويلات العالمين القديم والحديث، يسيل ينضح شغف الحياة من شقوق جدرانها، وبين جنباتها، تتخفّى بوجل، آلاف رموز الفرح التي تمرّست بكنه الحياة وعمقها.
ويجسد "أبو عبدو الصعب".. بائع القهوة الشهير في هذه المدينة التي ضربها الزلزال كصخرة ارتمت على زهر بيلسان قلّة من رموز الفرح التي تفصح عن نفسها جهارا.
اليوم، وعلى سور قلعة حلب التي عاش في كنفها وأزهرت في كنفه، يجلس بائع البسمات كليما، وقد طوى سنوات قضاها في نحت البسمات على وجوه الحلبيين المتعبة بعدما نالت ما نالته من حقد الإرهاب وحربه الدموية.
وحوّلت عشرات السنين قضاها أبو عبدو جوّالا أمام أسوار قلعة حلب، يوزع القهوة ويزرع البسمات على وجوه العشاق والتواقين إلى رحابة المكان مهنته إلى ما يشبه بائعا للفرح في هذا الفناء الأكثر انكشافا من المدينة.
يتبدى اليوم بوضوح أن حدثا جللا أصاب مدينة البسمات، فأبو عبدو يجلس وحيدا مطأطئ الرأس، وكفه في راحة الكف الأخرى، فقد نفد مخزون "سيد البسمات" الحلبي من البسمات.
وانقلب من لم تستطع الحرب تحطيم شفتيه حتى لحظة وصل الإرهاب إلى العنق اليوم حزينا حتى أكثر خلايا جسده مسافة من قلبه.
وفي حديثه لـ "سبوتنيك"، تظهر في صوت الرجل الستيني نبرة الشكوى من العجز، وبحروف متهدجة، يروي لمحدثه ما عاينه أثناء الزلزال الذي ضرب المدينة.
نجح أبو عبدو في إنقاذ زوجته وأولاده والخروج من منزله قبل انهياره في حي "الصالحين".
حيث وصل بعائلته إلى مكان آمن، إلا أن الزلزال لم يلبث أن خطف منه أخيه واثنتين من بناته ممن كانوا يقطنون ضمن الحي ذاته، في بناء ليس ببعيد.
ويتابع الرجل الذي تكاد المأساة تكسر ظهر ذكرياته: كنت متفائلا، فقد أسمع ندءات أخي أثناء محاولة إنقاذه.. خبى الأمل شيئا فشيئا.
وتصيب الحلبيين الدهشة وهم يعاينون تقاسيم أبو عبدو وهو يروي مأساته، إذ لطالما كان هذا الوجه الصاخب، مفعما بالابتسام.
في حيّه، كما كل الأحياء المنكوبة، لا تتقن الجدران اليوم سوى لغة "النعوات"، بعدما علت صفحاتها المكمدّة أوراق بيضاء، يروي كل منها قصة موت حزينة، مذيلة باسم صاحبها.
ويتنهد أبو عبدو في تلك اللحظة التي تستجمع فيها ذاكرته مجاميع اللحظات الرهيبة التي راكمها الزلزال بطريقة فوضوية خلال الأيام الأولى للكارثة.
أبو عبدو الصعب.. "بائع البسمات" يروي لـ"سبوتنيك" كيف انهارت الضحكات في حلب
© Sputnik . Suhaib Omaraya
في لحظة استعادة لما كانه يوما، يتوجه بالشكر إلى الجيش السوري والأصدقاء الروس والجزائريين ممن سارعوا للمشاركة في عمليات الإنقاذ.
وأطفأ أبو عبدو بوابة الكلام، ليعود مجددا إلى عالمه المكلوم.. يا لهول ما مرّ على حلب.
