ظاهرة زيارة "الأوروبيات" للـ"أضرحة الصوفية" في مصر.. ما القصة؟
© Sputnik . MOHAMED HEMEDA
تابعنا عبر
حصري
بوشاح أخضر وجلباب أبيض، وبين آلاف المصريين الذي يحتشدون كل عام عند "الأضرحة"، تحرص سيدات أوروبيات على التواجد في هذه الأماكن لأيام طويلة ليتعرفن عن قرب على الطقوس والعادات، بل يقمن بها أيضا.
وبرزت خلال السنوات الأخيرة، مؤشرات مهمة بشأن زيادة أعداد الأوروبيات القاصدات للـ"أضرحة الصوفية" في مصر، وفي المقدمة منها مقام "أبو الحسن الشاذلي".
باحثون في الشؤون الصوفية والتراث الشعبي، أوضحوا أن "زيارة الأجانب بشكل عام للأضرحة الصوفية مستمرة منذ عقود، غير أنها برزت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، حيث يتردد المئات سنويا على زيارة المقاصد الصوفية، الأمر الذي طرح العديد من التساؤلات".
وتشير دراسة تحت عنوان "سياحة المقامات الصوفية في مصر"، للباحثة الدكتورة ولاء محمد أحمد نجيب، أستاذة الجغرافيا البشرية في جامعة أسيوط، والمنشورة بمجلة "الأدب بقنا" عام 2024، إلى أن "قطاع السياحة الصوفية يساهم بنسبة 2% من الدخل القومي".
في النتائج التي توصلت لها الدراسة، تشير الباحثة إلى "تشابه خصائص وافدي سياحة المقامات في مصر بالنسبة للجانب العقائدي والروحي، مع اختلافات بينية في كل منطقة، وهو ما يعكس التصوف بين الماضي والحاضر".
وعلى مدار العقود الأخيرة، ارتفعت نسبة إقبال الأجانب على زيارة "المقامات الصوفية" في مصر، وفي المقدمة منهم مقام "أبو الحسن الشاذلي" بمرسى علم، وفق الباحثين في الشؤون الصوفية، رغم عدم وجود أرقام أو إحصاءات دقيقة.
ظاهرة زيارة "الأوروبيات" لـ"الأضرحة الصوفية"
© Sputnik . MOHAMED HEMEDA
من هو أبو الحسن الشاذلي؟
أبو الحسن الشاذلي هو مغربي الأصل، شُيّد مسجده بمنطقة حميثرة جنوب غرب مرسى علم بالبحر الأحمر، إذ أجمع المؤرخون والعلماء والباحثون على أن الشيخ الإمام أبوالحسن الشاذلي، وهو في طريقه إلى أداء فريضة الحج ثقل عليه المرض في وادي "حميثرة" من صحراء "عيزاب"، حيث لقى ربه في نهاية شهر شوال من عام 656هـ - 1258 م.
ظاهرة توافد الأوروبيات
وفق مصطفى زايد، الباحث في الشؤون الصوفية، فإن "توافد السائحات الأجنبيات وخاصة من أوروبا على زيارة مقامات الأولياء، أصبحت عادة سنوية، تتنامى بشكل ملحوظ من عام لآخر".
وأضاف زايد في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "الظاهرة بدأت في التنامي منذ التسعينيات، ولوحظ أن أعداد السيدات أعلى بكثير من أعداد الرجال، من النسبة الكلية للذين يأتون مصر خصيصا لزيارة المقامات الصوفية".
وأوضح زايد أن "النسبة الأكبر من السائحات يزرن مقام "أبو الحسن الشاذلي"، استنادًا للفلسفة الخاصة به، وعادة يأتين إما بعد قراءة واطلاع على منهجه وفلسفته أو عن طريق مرافقة من جاءوا سابقا لزيارة المقام".
وأشار زايد إلى أن "عشرات الإيطاليات يتوافدن لزيارة مقام الشاذلي، إذ تأتي نسبة منهن لمعايشة الأجواء الروحية رفقة المصريين خلال فترة المولد، الذي يقام سنويا، فيما تأتي نسبة أخرى منهن لالتقاط الصور والتعرف عن قرب على الحالة التي شاعت بينهم هناك، إثر نشر الكثير منهن عن خصوصية وجمال الرحلة إلى هناك".
وأكد الباحث المصري أن "الإيطاليات يملن إلى الحالة الروحية بشكل كبير، لذلك يحرصن على البقاء طوال فترة الاحتفال بالمولد في قرية الشاذلي، حتى أنهن يقمن بنفس الطقوس ويعيشن نفس الأجواء".
ووفقا للباحث المصري، فإن "بعض الباحثين والباحثات من الدول الأوروبية، قدموا مؤخرا لمصر لإعداد أبحاث دكتوراة عن الطرق الصوفية، وبعضها أيضا في الموسيقى والألحان الصوفية".
يذكر زايد أن "إحدى السائحات تدعى سارة، جاءت إلى مصر في العام 2002، وكانت لديها الكثير من الأزمات النفسية حينها، وبعد زيارة مقام أبو الحسن الشاذلي، فضّلت البقاء لنحو 3 أيام بعد انتهاء المدة، وأصرّت على البقاء بجوار المقام، غير أنها اضطرت للمغاردة فيما بعد، بعد انتهاء فترة تواجدها في مصر، لكنها حرصت على تكرار الزيارة بشكل سنوي".
ويرى زايد أن "حالة التصوف لدى الأوروبيات لا ترتبط بالديانة، بل بحالة وجدانية، رغم أن أغلبهن من ديانات أخرى، لكن الحالة الوجدانية والروحانية في المقامات، تجعلهن يكررن الزيارات مرات عديدة".
ويقام الاحتفال بـ"مولد الشاذلي" في الوقت الراهن، في العشر الأواخر من شهر شوال، في حين أن النسبة الأكبر تصرّ على الذهاب إلى هناك في الموعد السابق، من 1 إلى 9 ذي الحجة من كل عام.
في الإطار، يقول الباحث في التراث الشعبي المصري مسعود شومان، إن "زيارة الأجنبيات للأضرحة لا يمكن اعتبارها ظاهرة، لكنها تأتي في إطار التعرف على الملامح الأنثروبولوجية الخاصة بالمصريين، مع الأخذ بالاعتبار العلاقة بين البناء المعبدي والأضرحة، وبين الآلهة المحلية في مصر القديمة، وفكرة المقامات".
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "مجموعة من الباحين والباحثات الأجانب، عملوا منذ عقود طويلة على تناول الملامح الإثنوغرافية، الخاصة بالمقامات والأوليات وعمارة والأضرحة، إذ قدّموا وصفا دقيقا للأضرحة، الأمر الذي ساهم في تعرف الأجانب على الطقوس والعمارة والعادات والتقاليد، وهو ما دفع نسبة كبيرة من الأجانب حاليا لزيارتها، إذ تعتبر رغبة في المعرفة".
ظاهرة زيارة "الأوروبيات" لـ"الأضرحة الصوفية"
© Sputnik . MOHAMED HEMEDA
الطرق الصوفية في مصر
برزت الطرق الصوفية في مراحلها الأولى خلال القرنين الثالث والرابع من الهجرة، وأصبحت كلمة "طريقة" في هذين القرنين، تشير إلى مجموعة الآداب والأخلاق التي تتمسك بها طائفة الصوفية.
وظهرت في القرنين الثالث والرابع الهجريين طرق صوفية منها الملاتية أو القصاربة والطيقورية والخرازية والحلاجية والنورية والجنيدية. وفي القرن الخامس الهجري، ظهرت الطريقة الغزالية، نسبة إلى الإمام محمد بن محمد الغزالي. أما الطرق التي ظهرت في القرنين السادس والسابع الهجريين، فكان من أهمها القادرية والأكبرية والرفاعية والشاذلية والأحمدية والبرهامية والبدوية، وفق مركز "الأهرام" للدراسات.
وتتضمن الطرق الصوفية في مصر 4 مدارس أو طرق رئيسية هي الطريقة الرفاعية، التي أسسها الإمام أحمد الرفاعي، وكان تعدادها حين توفي 100.000 مريد، وما يقرب من 64 حزبًا ووردًا في مكتبته. والطريقة البدوية نسبة إلى مؤسسها السيد أحمد البدوي في مدينة طنطا، والطريقة الشاذلية، التي أقام صرحها أبو الحسن الشاذلي الحسيني بن عبد الله، وتعد هذه المدرسة من أكبر المدارس الصوفية في مصر، وقد لعبت دورًا مهمًا في حياة المصريين الروحية وعنها نقلت كل المدارس الصوفية الأخرى كل المبادئ والقيم والمناهج الصوفية. أما المدرسة الرئيسية الرابعة، فهي القنائية، والتي أنشأها عبد الرحيم القنائي بمحافظة قنا، وقد اهتمت هذه المدرسة بدراسة ماهية الفرق بين الروح والنفس وضرورة الفصل فيها، وفق المركز ذاته.
