لبنان... براءة المخرج زياد عيتاني تثير انتقادات لأجهزة الأمن

اتخذت قضية المخرج اللبناني زياد عيتاني منحى جديدا، بعد إعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق براءته من تهمة التعامل مع إسرائيل، والحديث عن تورّط ضابطة بارزة في جهاز أمني لبناني في "فبركة الاتهام" بالتعاون مع قرصان معلوماتي.
Sputnik

جدل سياسي كبير بعد تبرئة ممثل لبناني متهم بالعمالة لإسرائيل
بيروت- سبوتنيك. وأثار انقلاب المشهد في قضية عيتاني موجة انتقادات كبرى في لبنان طالت الأجهزة الأمنية، وسط مطالبات باستقالة المسؤولين السياسيين والأمنيين عن هذه "الفضيحة".

وكانت أجهزة الأمن اللبنانية أوقفت عيتاني، وهو مخرج مسرحي شاب، ينتمي إلى إحدى عائلات بيروت العريقة، في 26 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بـشبهة التعامل مع إسرائيل، مشيرة إلى أنه أدلى باعترافات بشأن هذه التهمة، بعد مواجهته بأدلة.

وأشارت المديرية العامة لأمن الدولة، حينها، إلى أن ضابطة في جهاز "الموساد" الإسرائيلي كلفت عيتاني بمهمات عدّة من بينها "رصد مجموعة من الشخصيات السياسية رفيعة المستوى، وتوطيد العلاقات مع معاونيهم المقربين، بغية الاستحصال منهم على أكبر كم من التفاصيل المتعلقة بحياتهم ووظائفهم والتركيز على تحركاتهم"،  وتزويد "مشغّليه" بمعلومات موسعة عن شخصيتين سياسيتين بارزتين، إلى جانب "العمل على تأسيس نواة لبنانية تمهد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقفين".

وفي وقت لاحق، سرّبت أجهزة الأمن اللبنانية معلومات متعددة عن سير التحقيقات المفترضة مع عيتاني، وقد أفادت بأن "عيتاني يحتمل أن يكون قد تعرض لابتزاز الضابطة الإسرائيلية، من خلال تهديده بنشر تسجيلات أو أشرطة إباحية خاصة به، واستحصلت عليها، من خلال علاقة بينهما سابقة على تجنيده".

ولكن وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق فاجأ الرأي العام اللبناني مساء أمس بتغريدة نشرها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" جاء فيها "كل اللبنانيين يعتذرون من زياد عيتاني.. البراءة ليست كافية، الفخر به وبوطنيته هو الحقيقة الثابتة الوحيدة" واصفاً المخرج المسرحي الشاب بأنه "البيروتي الأصيل العربي الذي لم يتخل عن عروبته وبيروتيته يوما واحداً".

في المقابل، قال وزير العدل اللبناني سليم جريصاتي إن "الشعب اللبناني لا يعتذر من أحد، ولا يليق بأي مسؤول تقديم أوراق الاعتماد الانتخابية من طريق طلب مثل هذا الاعتذار"، مشدداً على أن "إعلان البراءة أو الإدانة من اختصاص القضاء وحده، الذي يلفظ أحكامه وحيداً باسم الشعب اللبناني".

وبالتزامن، أوقفت السلطات اللبنانية المقدم سوزان الحاج، التي كانت تشغل سابقاً منصب مديرة مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي، بتهمة التورط في تلفيق التهم لعيتاني.

وقالت مصادر أمنية إن التحقيقات الأولية مع المقدم سوزان الحاج "استعانت بقرصان معلوماتية لتلفيق تهمة التواصل مع فتاة إسرائيلية للممثل زياد عيتاني" الذي ما زال قيد التوقيف".

وفي وقت يتوقع أن يصدر  قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا حكماً في قضية زياد عيتاني الاثنين المقبل، رجّحت مصادر قضائية أن يكون القرار بـ"إغلاق القضية" وبالتالي "تثبيت البراءة"، ما لم يطرأ أي تطوّر جديد في القضية، خصوصاً في ظل تشكيك ببعض ملابسات الاتهام والبراءة.

وما زاد من منسوب التشكيك هو بيان أصدرته المديرية العامة لأمن الدولة، قالت فيه إن "بعض الوسائل والمواقع الإلكترونية، نشرت أخبارا مغلوطة عن قضية توقيف المدّعى عليه ​زياد عيتاني، وحاولت الأقلام المأجورة التشكيك بصدقية التحقيقات الّتي أجرتها المديرية مع الموقوف، قبل إحالته إلى ​القضاء العسكري​ بتاريخ 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2017".

وأضاف البيان أن "السجالات الإعلامية بلغت حدّاً متدنّياً من المناقبيات الّتي تخالف ميثاق الشرف الإعلامي، وهي تروّج لتبرئة من ثبت عليهم جرم التواصل والتخابر مع العدو بهدف التطبيع، خصوصا أن ​القانون اللبناني​ يجرّم العميل، ويحاسب من يتستر عنه".

وذكرت المديرية العامة لأمن الدولة أن "التحقيقات الّتي أجريت مع المدعى عليه (عيتاني) تمت بإشراف القضاء، وفي حضور مفوّض الحكومة لدى ​المحكمة العسكرية​، الذي قام شخصيا باستجوابه، قبل الادعاء عليه، استنادا إلى اعترافاته الموثقة بالصوت والصورة"، مؤكدة أن عيتاني "لم يتعرض خلال التحقيق لأي نوع من التعذيب الجسدي أو النفسي، خلافاً لما يشاع".

وزاد بيان المديرية العامة لأمن الدولة مزيداً من التكهنات والالتباسات التي تدعم موقف المشككين، إذ أشارت إلى أنه "لا يخفى على أحد أنّ إثارة قضية عيتاني من جديد، في هذا التوقيت المتزامن مع اقتراب الاستحقاقات النيابية، هي خدمة كبرى لإسرائيل​ تسديها لها جهات مشكوك بانتمائها الوطني وبثقتها بالمديريات الأمنية".

وأثار هذا التطور في قضية زياد عيتاني انتقادات حادة لأجهزة الدولة اللبنانية، إذ اعتبر الإعلامي جو معلوف، وهو أحد الذين واكبوا القضية إعلاميا منذ بداياتها، أن "الاعتذار من زياد عيتاني يقع على عاتق من فبرك الملف وألصق به التهمة".

وأضاف معلوف "لا ذنب للشعب اللبناني إذا وضع ثقته بأجهزته الأمنية وضباطها والضرر ليس من مسؤولية الناس، لم نعد نثق بسهولة بما يَصِلُنا خاصة أن ملف العيتاني الذي سرب كان محكَم ومفصل".

بدورها، تساءلت الإعلامية ريما عساف "هل تكون قصة زياد عيتاني درساً للإعلاميين الذين يكزون (ينسخون) معلومات المصادر الأمنية؟!".

في حين كتبت الإعلامية ديما صادق عبر حسابها على "توتير" أن "السياسيين يتسابقون على تهنئة زياد عيتاني على البراءة، فيما المفترض أن يستقيلوا بعد هذه الفضيحة".

وتساءل الإعلامي جمال فياض "هل الفبركة كانت ضد زياد عيتاني؟ أم ضد سوزان الحاج؟ الخبر اليوم بفلوس، وغداً يصير ببلاش… موضوع وطني حسّاس جداً، والمطلوب شفافية ووضوح ويجب أن يعرف الرأي العام كل الحقيقة! من المذنب الحقيقي؟ ومن يحمي من ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من؟".

بدوره، كتب النائب وليد جنبلاط عبر حسابه على "تويتر" أنه "لا علاقة للبنانيين بالاعتذار من زياد عيتاني وما من احد فوّض وزير الداخلية بالتحدث باسمهم"، مؤكدا "على السلطة الاعتذار من اللبنانيين لكثرة الفساد والفوضى في مطبخها الممغنط".

أما الإعلامي غسان جواد فأشار إلى أن "كل ما سمعناه حول زياد عيتاني هو كلام سياسي، وليس كلاماً قضائياً… القضاء أوقف عيتاني والقضاء سيكشف إذا كان جهاز أمن الدولة قد تعامل مع مستندات مفبركة وبنى عليها تحقيقاته"، معتبراً أن "الاحتفال ببراءة زياد المفترضة مفهوم لمن يحبه.. أما استهداف الجهاز بعينه ففيه نكهة سياسية أو طفولية! فلننتظر القضاء".

واتخذت بعض التعليقات منحى ساخراً، إذ قال الإعلامي فراس حاطوم "هل يُفترض أن يتوقع الناس أن تكون مديرة مكتب مكافحة الجرائم المعلومات خارقة لحساب مواطن ملفقة له ملف؟ هل هذا بلد أم فيلم هوليوودي؟".

فيما رسم الإعلامي جاد غصن "سيناريو ساخراً لـمسلسل لبناني رخيص"، من خلاله "تغرم سوزان الحاج بزياد عيتاني بعدما ظلمته، وتكتشف لاحقاً أنها أخته… وينتهي المسلسل".

وعيتاني من الشخصيات المعروفة في الوسط الثقافي والصحافي في لبنان، وهو مسرحي وكاتب، عمل في الصحافة الورقية والالكترونية والمرئية، ومن أعماله: مسرحية "بيروت طريق الجديدة"، "بيروت فوق الشجرة".

واشترك عيتاني في مهرجانات بيت الدين عام 2015 بعمل استعراضي غنائي موسيقي بعنوان "بار فاروق"، وسجل أكثر من 200 عرض لمسرحية "بيروت طريق الجديدة" التي تخطى عدد مشاهديها 35 ألفا، وشارك مؤخّراً في برنامج "بي بي شي" الساخر، على قناة "إل بي سي"، ليحل مكان شخصية شعبية ساخرة باسم "أبو طلال"، قبل أن يغادره بعد فترة قصيرة.

مناقشة