وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين: نعول كثيرا على المبادرة الروسية بشأن تنسيق العودة

اعتبر وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين، معين المرعبي، أن المبادرة الروسية الأخيرة بشأن إنشاء مركز لتنسيق عودة اللاجئين السوريين يمثل خطوة مهمة من شأنها أن "تخفف من مأساة الشعب السوري"، مشيرا إلى أنها قد تكون "بداية للحلول العملية" في هذا الإطار.
Sputnik

وقال المرعبي، في مقابلة مع وكالة "سبوتنيك"، إن المبادرة الروسية "نعتبرها استكمالا للمرحلة السابقة من مناطق خفض التصعيد، وهي مبادرة جيدة جدا، ونعول عليها كثيرا، خصوصا أن ضمان الأمن للعائدين من قبل قوى عظمى مثل روسيا والولايات المتحدة يطمئن النازحين كثيرا"، لافتا إلى أنها تشكل مصدر طمأنينة للدولة اللبنانية أيضا بشأن ضمان أمر العائدين.

وفي الآتي النص الكامل للحوار:

أعلنت روسيا قبل أيام عن تشكيل مركز خاص في سوريا لتنسيق عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، وطلبت التعاون مع الدول المعنية بهذا الملف. كيف تنظرون إلى هذه الخطوة؟

مستشار الحريري لـ"سبوتنيك": نرحب بجهود موسكو لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم
حين بدأ العمل على إنشاء مناطق خفض التصعيد، اعتبرنا أن هذا الأمر طيب، ويخفف من مأساة الشعب السوري، ورأينا أن هذه بداية للحلول العملية. سبق أن توقعت في ذلك الوقت أن نشهد بين شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز، عودة كبيرة للنازحين السوريين، وكان لي تصريح قلت فيه إن النازحين السوريين سيستبقون أية مبادرة بمجرّد توقف الحرب في سوريا، بمعنى أن السوريين سيعودون من دون إذن من أحد، ما إن تتوافر له إمكانية العيش بأمان، وحين يطمئن النازح إلى أنه قادر على مواصلة حياته في بلده من دون أن يكون أمنه مهدد.

المبادرة الروسية نعتبرها استكمالا للمرحلة السابقة من مناطق خفض التصعيد، وهي مبادرة جيدة جدا، ونعول عليها كثيرا، خصوصا أن ضمان الأمن للعائدين من قبل قوى عظمى مثل روسيا والولايات المتحدة يطمئن النازحين كثيرا، كما أنه يبعث الطمأنينة لدينا، كدولة لبنانية، إلى أن هؤلاء النازحين لن يتعرضوا لاعتداءات من قبل النظام (السوري) أو أية مجموعات مسلحة إرهابية أو غير إرهابية. إذا، نحن نشجع هذه الخطوة، ولكن يبقى هناك أمر واحد مهم، ويتمثل في ضرورة مشاركة المفوضية العليا للاجئين في العملية بهدف متابعة النازحين داخل سوريا وتأمين مستلزمات العيش لكي يستطيعوا استكمال حياتهم ولكي يكونوا قادرين على التأسيس لبداية جديدة.

على المستوى الشخصي، أعتبر أن أية مساعدة تقدم في الداخل السوري ستكون أفضل مساعدة للنازحين، وللعالم أجمع عموما، بهدف التوصل إلى حل عملي لأزمة اللجوء التي باتت تهدد حتى الولايات المتحدة في عقر دارها.

نأمل خيرا في أن تتكلل هذه الخطوات بالنجاح، ونحن نعلم أن الرئيس سعد الحريري سبق أن أثار هذا الموضوع مع الرئيس فلاديمير بوتين وطلب منه المساعدة، وقد رد الرئيس بوتين مشكورا بشكل إيجابي. الرئيس الحريري كما تعلمون يشجع أية خطوات في هذا السياق، ومستشاره في روسيا جورج شعبان يقوم بعمل دبلوماسي جبّار لمتابعة هذا الملف مع السيد [نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل] بوغدانوف ومسؤولين آخرين، ونأمل في أن نصل إلى الاهداف المرجوة.

هل تلقى لبنان أية توضيحات بشأن الإجراءات العملية لهذه الخطة المطروحة، وهل طُلب من المسؤولين اللبنانيين اقتراحات عملية لتسهيل هذه المهمة؟

"سبوتنيك" تكشف آلية عمل "حزب الله" لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم
بشكل عام، فإن الخطوات العملية تتمثل في تشكيل لجنة أمنية أو فنية روسية — أميركية — لبنانية، وقد يشارك فيها أحد ممثلي النظام السوري، وأعتقد أنه سيكون هناك تمثيل للمفوضية العليا (للاجئين). نحن كلبنانيين جاهزون لتقديم كل جهد لتسريع هذه العملية بكل ما اوتينا من امكانات، وكل الشعب اللبناني متحد في هذا السياق، لتخفيف المعاناة عن الشعب السوري.

يبقى أن لدينا مشكلة داخلية تتمثل في عدم تسجيل مئات الآلاف من النازحين السوريين نتيجة تعنّت (وزير الخارجية) جبران باسيل، وبالتالي فإننا لا نمتلك معلومات كافية بشأن الأشخاص الموجود في لبنان. هذا الأمر يحتاج إلى متابعة مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والمنظمات الأخرى، لكي نحاول الحصول، قدر الامكان، على المعلومات الضرورية. ثمة عمل تقوم به وزارة الداخلية في هذا الإطار، وهناك جهد أيضا يجري على مستوى (جهاز) الأمن العام لإحصاء السوريين المتواجدين على الاراضي اللبنانية. من المؤسف أن الموقف الذي اتخذه جبران باسيل يمكن أن يشكل سبباً لتأخير عودة عدد من الأخوة السوريين، لأن الأمر سيحتاج وقتاً إلى بعضهم، إذ ينبغي تحديد ما إذا كانت اوراقهم الثبوتية متوافرة أم لا، خصوصا أن كثيرين خرجوا من بيوتهم تاركين اشلاء ابنائهم وعائلاتهم، وبطبيعة الحال اشلاء مستنداتهم، ولذلك فإنّ ثمة حاجة إلى بذل جهد كبير لحل هذه المشكلة.

لا بد من الإشارة إلى أن دورنا في هذه الخطة محدود جدا، وهو يقتصر على المساعدة اللوجستية داخل لبنان، خاصة أننا لا نملك أية سلطة فعلية في الخارج، وبالتالي فإن تنفيذ الخطة المطروحة يفترض أن يكون من قبل الروس أو الاميركيين بحسب المناطق التي سيعود إليها النازحون. وفي العموم، فإننا جاهزون للمساعدة ليلاً نهارا لكل من يريد العودة.

أشير في هذا السياق إلى أن المبادرة التي قامت بها روسيا والولايات المتحدة خففت كثيرا من الضغوط النفسية على الاخوة السوريين والمجتمعات الحاضنة لهم، وقد تبين على الملأ بأن لا جهود "حزب الله" أو "التيار الوطني الحر" أو "حزب البعث" أو أي طرف آخر، يمكنها تشجيع عودة السوريين إلا في حال وجود ضمانة، وهذه الضمانة لا يستطيع أن يقدمها كل من شارك في الحرب السورية أو كانت له مواقف من بعض الاخوة اللاجئين. اليوم، فإن وجود قوى دولية كبرى ضامنة يمثل دعماً قوياً لعملية العودة.

بالحديث عن المبادرات الداخلية في لبنان، كان ملفتا أن ثمة لجان للعودة تم تشكيلها من قبل "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"… ألا تنظرون بإيجابية إلى هذا الأمر؟

بالفيديو والصور...ما أسباب رفض النازحين السوريين في لبنان العودة إلى سوريا
أنا أرى أن هذه اللجان هي لجان لإفشال العودة. "حزب الله"، كما تعلمون، شارك في الحرب السورية وهجر قسما كبيرا من اللاجئين من قراهم، وبالتالي لا يمكن للنازح في لبنان، أو أي مكان آخر، أن يكون مطمئنا إذا كان من يريد تشجيعه على العودة هو نفسه من قام بتهجيره وقتله وتدمير منازلهم، لا بل لا يزال حتى الآن يحتل منازله. من هنا، فإننا نظرنا بإيجابية كبيرة إلى ما قاله الجانب الروسي بأن النازحين سيعودون إلى مكان سكنهم الأصلي، وهذا الأمر يُحتسب بشكل كبير جدا للروس لجهة منعهم أي تغيير ديموغرافي، ومحافظتهم على مكونات الشعب السوري وجذورها ومكان تواجدها وتنوّعها. ومع ذلك، فإن العبرة تبقى في التطبيق خصوصاً أننا لاحظنا على سبيل المثال أن عدداً كبيراً من سكان الغوطة غادروا إلى إدلب، وهو ما حصل في القنيطرة أيضا، في ما يعدّ قطعاً للجذور وتغييرا ديموغرافيا. كل ما نتمناه أن يعود الأخوة السوريون إلى أماكن سكنهم الأصلي. كذلك، فإننا نأمل من الدولة السورية في أن تساهم في وقف القانون رقم 10، الخاص بممتلكات السوريين، والذي يمنحهم مهل بسيطة لتسوية أوضاعهم.

هناك دائما مواقف متناقضة في لبنان بشأن ملف النازحين، حتى على المستوى الرسمي في لبنان، حيث تبدو المقاربة مختلفة على سبيل المثال بين وزارة شؤون النازحين ووزارة الخارجية. هل هناك من حل لهذه المشكلة التي غالبا من تثار من باب المناكفات السياسية، والتي تؤثر سلبا على ملف العودة؟

الحل ليس في يد اللبنانيين، فاللاجئون السوريون سيسبقون أية مبادرة ولا يحتاجون إلى خطة من قبلنا للعودة، فهم مستعدون أصلا للعودة، وقد عاد عدد كبير منهم بالفعل، فقد كان عدد المسجلين لدينا (من النازحين) مليون و210 آلاف، فتناقص عددهم إلى أقل من مليون، أي ان عدداً كبيراً خرج إمّا إلى الخارج، أو عاد إلى سوريا. كل ذلك حصل من دون أية خطة من قبلنا، برغم كل هذه الخلافات والتناقضات. كما قلت فإن بعض المقاربات المقترحة في لبنان لا تشجع على العودة، وهذا ما ينسحب على ما اسميته "مكاتب (لجان) إفشال العودة"، لكونها لا تشجّع اللاجئ على اتخاذ القرار بالعودة. بكل تأكيد فإن اللاجئ سيتشجع بالعودة إذا ما كانت من خلال الأمن العام، وهو جهة حكومية شرعية ورسمية، وليس من خلال اللجان التابعة للعونيين (التيار الوطني الحر) أو "حزب الله"، لأنه سيكون مضطرا، في هذه الحالة، إلى أخذ الضمانة من "حزب الله" أو "حزب البعث" أو "العونيين"، وكل هؤلاء لا ثقة للاجئ السوري بهم.

لا بد من الإشارة إلى أن التناقض الذي نشهده اليوم في لبنان يجري في الوقت الضائع، أي في الوقت الذي لدينا فيه حكومة تصريف أعمال، ومن المعروف بأنه لا يمكن لأي وزير، سواء كان معين المرعبي أو جبران باسيل أو أحد غيرهما، أن يقول أن لديه خطة خاصة به، فالأمر منوط بمجلس الوزراء مجتمعاً لاتخاذ القرار المناسب بشأن أية خطة أو إجراءات عملية محددة. كل ما نسمعه اليوم هو كلام سياسي لن يؤدي إلى أية نتيجة، سوى إخافة النازح السوري، وجعله يختفي عن الأنظار، تحسبا لاحتمالات العودة القسرية واحتمالات التنكيل به في سوريا.

في إطار الاستقطاب السياسي داخل لبنان، ثمة خلاف حاد حول مسألة التنسيق مع الحكومة السورية. وحين طرحت المبادرة الروسية الأخيرة، برز ارتياح ما بشأن احتمال تجاوز هذه العقدة، أو التوصل إلى مخرج يمكن من خلاله أن يكون التنسيق مباشر مع الجانب الروسي. ومع ذلك، فإن ثمة تسريبات إعلامية تشير إلى إصرار بعض القوى على مسألة التنسيق المباشر، في وقت تردّد أن رئيس الجمهورية كلّف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بهذه المهمة فعلاً. هل سيشكل ذلك عرقلة للمبادرات المطروحة حاليا؟

لبنان: عشرات اللاجئين السوريين يستعدون للعودة إلى ديارهم
من حق أي مسؤول، بما في ذلك رئيس الجمهورية، القيام بما يريد، ولكن هذا الأمر لا يلزم الحكومة التي يفترض أن يصدر عنها الموقف الرسمي للدولة اللبنانية. ولكن لا بد من التوضيح بأن لا أحد يمانع في أن تكون هناك إجراءات واتصالات بالحد الأدنى لتسهيل امور اللبنانيين والسوريين، وكما تعلمون فإن ثمة إجراءات كثيرة تتخذ في هذا الإطار، ولا نخفي سرا حين نقول أن هناك مليونا و800 ألف سوري قد دخلوا وخرجوا من لبنان العام الماضي، بحسب ما كشف عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق. إذا لا يمكن الحديث عن قطيعة مع سوريا، لأن ذلك سيعدّ إغلاقا للحدود، وبالتالي فإن هناك مستويات متعددة يتحرك على أساسها كبار المسؤولين اللبنانيين، كاللواء عباس ابراهيم، خصوصاً أنه على رأس جهاز من مهماته الطبيعية والمنطقية التعامل مع الاجانب، وبالتالي فإن لا مشكلة لدينا في هذا الأمر، خصوصا أنه يتعلق بإجراءات روتينية وبديهية، ولكننا لن نعطي الشرعية لمجرم قتل وهجر شعبه ودمر بلده.

من المعروف أن ثمة حديث عن أعباء اقتصادية ومخاطر أمنية ترتبت على وجود النازحين السوريين في لبنان، ولكن في المقابل فإنّ الرأي الآخر يشير إلى أن هناك تضخيماً لهذه الأعباء، خصوصاً أن الاقتصاد اللبناني لم يكن متعافيا قبل الأزمة السورية، لا بل أن البعض يعتقد بأن وجود مليون ونصف مليون نازح سوري كان العامل الذي وفر الغطاء الدولي للاستقرار الأمني في لبنان حتى لا يصبح العالم أمام قنبلة لجوء جديدة… أي رأي توافقون؟ وما هو استشرافكم للمستقبل؟

هناك تجن بالفعل في الحديث عن الأعباء الاقتصادية للنزوح السوري، ومبالغات كبيرة في هذا الخصوص. البعض يكتفي بالنظر إلى بعض الجوانب السلبية ويهمل الجوانب الإيجابية، ومن بينها أن البلد كان يضخ إليه ما يقارب الملياري دولار، لتأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين، علاوة على أن الموظفين القائمين على خدمة النازحين هم لبنانيون، ويتجاوز عدد 12 ألف شخص، ويضاف إليهم الأساتذة الذين يتولون تعليم حوالي 300 ألف طالب سوري.

لا شك أن هناك ضغوط كبيرة على البنية التحتية، ولكن المثير للاهتمام في هذا الإطار، أن مناطق الأطراف هي التي تتحمل هذا العبء، وليس بيروت على سبيل المثال، أو بقية المدن التي لا يستطيع النازح تحمل كلفة المعيشة فيها أصلا. مناطق الأطراف التي تتحمّل هذا العبء، هي نفسها تلك المناطق المهمّشة منذ الاستقلال، وحتى يومنا هذا.

أعتقد أن الأيام ستكشف عن كل الحقائق، وستظهر ما كانت إيجابية النزوح، وما كانت سلبياته، ولكن كل ما يحكى عن مشاكل اقتصادية واجتماعية لا يوازي أهمية المحافظة على المجتمع السوري، ووقف هذه المأساة، خصوصا أن ثمة مأساة أخرى ما زالت ماثلة أمامنا، وهي مأساة الشعب الفلسطيني، الذي تغيّب قضيته بشكل كامل، في الوقت الذي يجري فيه تغيير هوية الأرض الفلسطينية إلى هوية إسرائيلية، لا بل إلى هوية دينية يهودية.

أجرى الحوار/ وسام متى

مناقشة