يحتفل المسؤولون التنفيذيون وموظفو "غوغل" بعيد الميلاد الـ20 للشركة الأمريكية، اليوم الخميس 27 سبتمبر/ أيلول، رغم أنه ليس عيد الميلاد الرسمي للشركة، حيث أنه من المفترض أن تاريخ تأسيس "غوغل" الرسمي 4 سبتمبر.
دوامة الصمت
لكن المشكلة الأبرز بالنسبة لـ"غوغل"، هو خضوع معظم المنظمات الإخبارية لما يعرف بـ"دوامة الصمت"، فالجميع يكتفي بالتصفيق لهذه الإنجازات، متجاوزا الخلافات والانتقادات والفضائح العديدة، التي ضربت الشركة منذ إنشائها، والتي ظل الكثير منها طي الكتمان بصورة كاملة.
"لا تكن شريرا"، ذلك كان الشعار غير الرسمي، الذي تبنته "غوغل"، لكنه تم إسقاط ذلك الشعار بهدوء في مدونة السلوك المنشورة في أبريل/ نيسان 2018.
لكن أبرز ما يجعل هذا الشعار واقعيا، هو دورها الخبيث في كبح الأبحاث العلمية التي تربط بين التدخين والإصابة بالسرطان، بالإضافة إلى دورها الخبيث أيضا في كبح الأبحاث الأكاديمية التي تتحدث عن تغير المناخ لصالح عمالقة شركات الطاقة.
في يوليو/ تموز 2017، تم نشر دراسة متعمقة أعدتها حملة المساءلة حول توجيه "غوغل" لمؤسسات أكاديمية معروفة مثل "ستانفورد، وهارفارد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأكسفورد، وكامبريدج، وكلية برلين للاقتصاد، التي فضحت مدى خضوع "غوغل" لمكافحة الاحتكار والخصوصية وحياد الشبكة وحياد البحث والبراءات وحق المؤلف.
وأوضحت الدراسة أن 54% من الأكاديمين يتم تمويلهم مباشرة من "غوغل" لنشر دراسات تصب في مصلحة الشركة الأمريكية العملاقة.
مثلا في 2011، مولت "غوغل" دراسات لقضايا مكافحة الاحتكار، عندما بدأت جهات تنظيمية أمريكية في التحقيق حول اتهامات باحتكار "غوغل" لسوق الإنترنت، وبالطبع برأت تلك الدراسات "غوغل" من الاحتكار، والتي أثرت بدورها على قرار الجهات التنظيمية.
وبالفعل كانت "غوغل" تمارس تلك اللعبة في أية مشكلة تواجهها للتأثير على أي قرار سياسي يمكن أن يمارس ضدها، ولتوجيه الآراء بعيدا عنها.
فقاعات الحقيقة
"غوغل" استثمرت الكثير من الوقت والمال في عمليات إنشاء لتخلق حرفيا كل ثانية من كل يوم عددا هائلا من البرماج والشركات والمنتجات للتواصل والعمل والاستهلاك، كما يمكن أن تمنح "غوغل" قوة كبيرة في التحكم بالإنترنت.
ودعمت "غوغل" ذلك، بما أطلقت عليه "فقاعات التصفية" أو خوارزميات غوغل، والتي تتبع ما يبحث عنه المستخدم ويتصفحه، واستنادا على تلك البيانات، وتعمل غوغل على تخصيص نتائج البحث والإعلانات عبر الإنترنت للمستخدمين وفقا لما تتوقعه الخوارزميات التي يرغبون في مشاهدتها.
وقالت إحدى أبرز مسؤولي تنفيذي التكنولوجيا الصاعدين، إيلي باريزي، إنه نظريا، تلك النظرية "غير خبيثة"، لكن عمليا، يمكن أن يكون هذا له تأثير مدمر وضار على عقول العامة.
وتابعت "تتطلب الديمقراطية من المواطنين رؤية الأشياء من وجهة نظر الأخرين، لكننا بدلا من ذلك نقف أكثر فأكثر داخل فقاعات. الديمقراطية تتطلب الاعتماد على الحقائق المشتركة، لكن بدلا من ذلك نحن نقدم أكوان متوازية لكن منفصلة، وهو نوع من الدعاية الذاتية غير المرئية، فمن الأرجح أن يستغل الحزبيون مثلا مصادر الأخبار لتأكيد معتقداتهم الأيديولوجية، ومن المرجح أن يتبع الناس الذين لديهم المزيد من التعليم الأخبار السياسية، وهذا في الواقع تعليما خاطئا".
ومكنت "فقاعات الترشيح" تلك غوغل من منحها قدرة أكبر في تشكيل الآراء والمعتقدات، والتأثير على السلوك أكثر من أي شركة أخرى في التاريخ.
وقال دكتور روبرت إيبستين، كبير علماء علم النفس في المعهد الأمريكي للبحوث السلوكية والتكنولوجية: "تصنيفات البحث يمكن أن تؤدي إلى تغيير تفضيلات التصويت للناخبين المترددين بنحو 20% أو أكثر، ويمكن أن تحول بعض المجموعات الديموغرافية بنحو 80% ما يجعله نوع من أنواع التلاعب".
نفذت غوغل مجموعة من الإجراءات الصارمة والبروتوكولات والخوارزميات، لما وصفته بالحد من "المعلومات المضللة والنتائج الهجومية غير المتوقعة والمعلومات المزيفة ونظيفات المؤامرة غير المدعومة بحقائق"، بدءا من أبريل 2017.
وفي الواقع، كان الضحايا الأساسيون لتلك التغييرات مواقع إخبارية عديدة ذات ميول مناهضة لسياسات "غوغل"، وفي غضون 6 أشهر انخفضت حركة المرور "ترافيك" مواقع عديدة بنسب تتراوح ما بين 67% إلى 25%.
كما أعلنت "غوغل" نوفمبر/تشرين الثاني 2017، على لسان إريك شميدت، الرئيس التنفيذي للشركة، أنها عينت مهندس خوارزميات مخصص لضمان أن المحتوى المنشور على قناة RT ووكالة سبوتنيك يفقد الظهور على تيارات الأخبار الرئيسية على محرك البحث "غوغل".
والمعروف أن شميدت صديق منذ فترة طويلة لهيلاري كلينتون، وكان ضمن حملة انتخاباتها الرئاسية في 2012 و2016.
وأوضح شميدت قائلا "نعمل على اكتشاف هذه الأنواع من المواقع ونسعى لتغيير ترتيبها، وفي الأساس نضع في أعين الاعتبار RT وسبوتنيك، ونحن نحاول تصميم أنظمة لمنع ذلك (المحتوى من أن يظهر إلى جمهور عريض)، لكننا لا نريد حظره، فهذه ليست الطريقة التي نعمل بها".
وتلا ذلك إعلان غوغل عن مبادرة في مارس/آذار 2018، بشراكة مع 12 مؤسسة إعلامية رئيسية، تشمل صحف مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وفايننشيال تايمز، لزيادة منع ظهور مصادر المعلومات البديلة.
وقال آلان ماكلويد، أكاديمي متخصص في النظريات والتحليلات الإعلامية، وعضو في مجموعة الإعلام بجامعة غلاسكو: "الهجوم على حرية التعبير والتدفق الحر للمعلومات، الذي تخوضه غوغل وغيرها من شركات التكنولوجيا العلامقة تهدف رفض التحديات وضياعها وإعادة تأسيس سيطرة المؤسسة على وسائل الاتصال السائدة".
وتابع
يشير هذا إلى مستقبل مظلم لحرية المعلومات، بتلك الطريقة يمكن لشركة خاصة بدون إشراف وبعلاقات وثيقة مع الشخصيات والمنظمات السياسية القوية أن تقرر ما يمكننا أن نراه وما لا نراه، وما هو بخبر وما هو ليس بخبر، وما هو حقيقي وما هو مزيف، بتلك الطريقة لقد أصبحنا عبيدا للخوارزميات التي وضعوها دون أن ندرك ذلك.
ومضى "يمكن أن ترى كيف أن مثلا يوتيوب (المملوك لغوغل) يحظر أي فيديوهات تتحدث عن موضوعات تتحدث مكافحة التسلح أو الحرب أو روسيا مثلا على القنوات الخاصة بروسيا، فيما لم يتم معاقبة شبكة سي إن إن مثلا على فيديوهات مماثلة".
وقالت مارغريتا سيمونيان، رئيس تحرير روسيا اليوم وسبوتنيك، في بيان: "من الجيد أن نجد غوغل يتحدى علنًا العقل والمنطق: الحقائق غير مسموح بها إذا كانت قادمة من روسيا اليوم، بسبب روسيا، حتى لو كان عندنا سجل معلن لغوغل يقول فيه إنهم لم يجدوا تلاعبًا في منصتهم، أو انتهاكات لسياساتهم من جانب روسيا اليوم".