مجتمع

عاطف الطيب... مخرج الناس "الغلابة" الذي مات مهموما

"لكل امرئ من اسمه نصيب"، هذا ما قاله العرب قديما، وهكذا كان لعاطف الطيب نصيبا من اسمه، فقاموس المعاني يعرف معنى عاطف بأنه المشفق، العطوف على الناس، والطيب بأنه كل ما خلا من الأذى، فكان الرجل منحازا بالدرجة الأول للناس ينقلهم من موقع المشاهد للبطل.
Sputnik

المخرج عاطف الطيب الذي ولد في 26 ديسمبر عام 1947، لأسرة بسيطة تعيش في حي باب الشعرية أحد أقدم الأحياء الشعبية بالقاهرة، وعائلة تعود أصولها لجنوب مصر نزحت إلى المحروسة بحثا عن باب رزق مفتوح، لذلك تنقلوا في عدد من الأحياء الشعبية، جمع من كل حي حكاية سنراها بعد ذلك في أفلامه الـ 21 التي أخرجها.

بعد ولادته بعام واحد هزمت الجيوش العربية في أول مواجهة مباشرة بينها وبين دولة إسرائيل الناشئة، وقبل أن يتم عامه الخامس وقع انقلاب الضباط الأحرار في 1952، فتفتح وعيه على الأفكار القومية والاشتراكية والشعارات التي رفعتها تلك الفترة بداية من العدالة الاجتماعية حتى "سنرمي إسرائيل في البحر" هذا الشعار الستيناتي الشهير، واستيقظ ابن الـ20 عاما على حرب 1967 ليتذوق مرارة الهزيمة والضياع والقهر، قبل هذه الحرب بأشهر كان قد انضم بالفعل إلى المعهد العالي للسينما، وسط اعتراضات أسرته.

​قبل حرب أكتوبر 1973 بثلاث سنوات تخرج الطيب من المعهد العالي للسينما، فانضم إلى الجيش المصري واستمر به لمدة 5 سنوات حتى جاء النصر، فكان شاهدا على انتصار يزيل أثار الهزيمة ويعيد الروح إلى الجسد العليل، لكنه كذلك كان شاهدا على التغيرات التي أحدثها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، في بنية الاقتصاد المصري وانتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي وما تبعها من تغيرات في أفكار وثقافات الشعب المصري، وظهور طبقات اجتماعية تحاصر وتحارب الطبقة الوسطى التي جاء منها عاطف الطيب، إذ أجبرت تلك السياسات والد عاطف الطيب إلى إغلاق محل ألبان خاص به كان مصدر الرزق الوحيد للأسرة وفجأة أصبحت الأسرة بلا مصدر رزق.

خلال 13 عاما فقط، قدم عاطف الطيب 21 فيلما طرح خلالها رؤيته النقدية الجذرية لنظام الحكم والمجتمع ومعارضته لسياسات الانفتاح الاقتصادي والفساد والقمع، معبرا عن نفسه وجيله وعالمه، هذا ما حدث في "سواق الأتوبيس" أول فيلم أخرجه عاطف الطيب، فما حدث مع حسن (بطل الفيلم) هو في الحقيقة نفس ما حدث مع عاطف، والأزمة التي تعرض لها والد البطل في الفيلم هي نفسها التي عانى منها عاطف الطيب في الحقيقة، والفيلم ذاته مرثية لفترة الستينات في مصر، وما أعقبها من خلل في التركيبة الاجتماعية والاقتصادية بعد تطبيق نظام الانفتاح الاقتصادي "البريء" صور جانيا مما كان يحدث في السجون في فترة السبعينيات، واعتقال مجموعة من السياسيين في سجون السادات، وفي انتفاضة الخبز عام 1977 وتعذيبهم على يد جنود بسطاء مؤمنين بأنهم يعاقبون أعداء الوطن، وفي اللحظة التي يعي فيها "بطل الفيلم" الخديعة، يصوّب بندقيته باتجاه الضباط، وهي النهاية التي حذّفتها الرقابة ولم يرفض الطيب وقتها فكان كل ما يهدف إليه هو زيادة وعي المواطن.

​وهكذا فعل عاطف الطيب في أفلامه الـ 21 يبحث بدقة عن موضوعاته وشخوصه وحتى الأماكن التي يصور بها، فكان واقعيا يعبر عن المجتمع المصري بصدق الفكرة والصورة، معتمدا على السرد الخطي البسيط بأعماله دون تعقيدات إخراجية، لا يفهمها المواطن البسيط.

مناقشة