بحسب ما أجمع الأهالي، تواجه الصناعة في الوقت الراهن تحديات كبيرة على الرغم من أهميتها، حسب ما أكد أهالي القرية الواقعة بمحافظة الشرقية، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الصناعة، وتراجع حركة البيع، نظرا لانخفاض أعداد السائحين في السنوات الأخيرة.
تمر الصناعة بمراحل عدة، بداية من الزراعة حتى الطباعة، وهي المرحلة الأخيرة التي تباع بعدها أوراق البردي في المعارض والبازارات وتصدر لخارج مصر.
تقول سمية أحمد إحدى نساء القرية لـ"سبوتنيك"، إن نحو 90% من السيدات يعملن في المهنة منذ صغرهن، وحتى بعد الزواج من أجل عدم اندثار المهنة، وكذلك المساعدة في دخل الأسرة، خاصة أن معظم أهالي القرية كانوا يعتمدون على زراعة نبات البردي وكانت المساحة المزروعة تفوق 600 فدان.
الزراعة
تضيف سمية أن المرحلة الأولى هي الزراعة، والتي تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب قلة الطلب على المنتج.
وبحسب سمية يحتاج البردي إلى مياه وفيرة طوال فترة زراعته، وأن بعض النبات يمكن قصه بعد 4 أشهر وبعضه بعد عام حسب جودة الأرض والأطوال المطلوبة، وتبقى الجذور في الأرض طيلة 6 سنوات، تنبت فيها عيدان البردي كل عام، وتصل للمستوى الذي يمكن فيه قصها للطباعة عليها، حيث يصل طولها في بعض الأحيان إلى 4 أمتار فأكثر.
بعد مرور 6 سنوات يتم اقتلاع الجذور القديمة، ويتم زراعة نبات جديد يظل لـ6 سنوات أخرى في الأرض.
مرحلة القص
بحسب حديث أهل القرية، يمر البردي بعد قصه من الأرض بالمرحلة الثانية وهي قصه بأطوال معينة حسب مقاس اللوحة 50سم أو 100سم و 40 سم، الطول والعرض، إذ تزال القشرة الخضراء، ثم يحول لشرائح رقيقة، باستخدام خيط مخصص لتقطيع البردي على أداة بدائية.
مرحلة التخمير
يضيف محمد عمر لـ"سبوتنيك"، أنه يقوم بعد ذلك بوضع كل مقاس في برميل أو حوض كبير ويضاف إليه مادة "البوتاس" ويترك لنحو 6 أو 8 ساعات، ثم يضع بعد ذلك في مادة الكلور ليأخذ اللون الأبيض نظرا لتحوله للون الداكن بعد وضعه في "البوتاس"، ويلف بعد ذلك في القماش حتى يجف من الماء، ويصبح جاهزا للرص قبل عملية "الكبس"، وتضع الشرائح بالطول وأخرى بالعرض، ومن ثم تغطى بالقماش من الجهتين وترص على المكبس الحديدي المستخدم حديثا، حيث كان يستخدم المكبس الخشبي قديما.
بعد وضع المقاسات في قطع القماش يتم تغطيتها بنفس المقاسات من الكرتون، وتجفف لتضع بعد ذلك على المكبس، ويتم ضغطها 4 مرات بفترات زمنية مختلفة، حتى تتداخل فيما بينها وتصبح كورقة واحدة، تخرج من المكبس وتجفف في الشمس، لتصبح جاهزة للبيع للمطابع.
مرحلة الطباعة والألوان
يقول سعيد طرخان صاحب مطبعة ورق البردي في القرية لـ"سبوتنيك"، إنه يتم وضع التصميم على "الشبلونات، وهي أداة يتم طباعة الورق عليها، وبعد وضع الورق عليها تمرر الألوان فوقها، فتطبع نفس الشكل على الورق، ويتم تجفيها تمهيدا للبيع للفنادق والبازارات.
تحديات
يضيف سعيد أن الأسعار مثلت تحديات كبرى في السنوات الأخيرة، حيث تضاعفت أسعار كافة الخامات المستخدمة في الصناعة، فيما تراجعت نسب التوزيع المرتبطة بعملية انتعاش السياحة وتراجعها، إلا أنها مؤخرا عادت للانتعاش مرة أخرى.
ويوضح أن سعر "البوتاس" وصل إلى 12 جنيها للقارورة الواحدة، بعدما كانت بـ"جنيه ونصف الجنيه"، فيما وصل سعر قارورة الكلور إلى 200 جنيه، ووصل سعر بالة الكرتون إلى 270 جنيها، وكانت في السنوات الماضية تصل إلى 50 جنيها.
ويوضح أن الورقة تباع بـ7 أو 8 جنيهات قبل الرسم أو الطباعة، وتضع عليها بعد ذلك أشكال مختلفة تعتمد جميعها على الوجوه الفرعونية، والآلهة والملوك والخراطيش الملكية والأهرامات وأبو الهول.
ويؤكد أن الورق الحالي ليس بجودة البرديات التي يعثر عليها منذ عهد الفراعنة، حيث تختلف جودة الورق نظرا لوجود بعض المواد الكيميائية، التي لم يتم التعرف عليها حتى الآن، وهي التي تحافظ على متانة الورق حتى اليوم، وأن الفراعنة كانوا يقومون بالرسم اليدوي عليها، وكبسها من خلال الأحجار.
ويوضح سعيد، أن زراعة النبات بالقرية بدأت عام 1977 على يد الدكتور أنس مصطفى، الذي عاد إلى قريته ومعه شتلة نبات البردى من إحدى الدول الأوربية بعد دراسته في كلية الفنون الجميلة، ثم أصبحت القرية بأكملها تزرع هذا النبات.
تولى الدكتور مصطفى تدريب أهالي القرية بداية من الزراعة حتى الطباعة والرسم على الورق في مراحله النهائية.
ويضيف محمد عاشور أمين، من أهالي المحافظة، أن القرية تعد وجهة لطلبة كليات الفنون الجميلة، حيث يذهبون لشراء الأوراق للرسم عليها، وبيعها للمصدرين، حيث يتم تصدير بعض الأوراق إلى الخارج، وعادة ما تكون بمقاسات ورسومات محددة مسبقا.
وتعد صناعة البردي من أهم الصناعات الفرعونية التي نقشت عليها العديد من المشاهد الجمالية، وكتبت عليها باللغة الهيروغليفية الموجودة في المعابد والمتاحف المصرية حتى الآن.