تعتبر الملكية الفكرية أحد أكثر العوامل حسما في المنافسة والنشاط التجاري في العصر الحديث، وتلعب دورا مهما في الحقوق الحصرية للمنتجات وحماية الحقوق التجارية، لكن العالم العربي لم يحقق بعد المستوى المأمول والاستفادة القصوى من الحقوق الفكرية وبراءات الاختراع.
حماية الملكية في العالم العربي
تواصلت "سبوتنيك" مع مكتب براءات الاختراع لمجلس دول الخليج، للتعرف على ماهية براءة الاختراع وآلية منحها والفوائد التي يجنيها المخترع من الحصول عليها.
وأفاد المكتب بأن الاختراع هو الفكرة التي يتوصل إليها المخترع وينتج عنها حل لمشكلة معينة أو اضافة ميزة جديدة في مجال التقنية.
وأن براءة الاختراع هي الوثيقة التي يمنحها المكتب لمالك الاختراع ليتمتع اختراعه بالحماية النظامية (القانونية)، حيث تكون سارية المفعول في جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
أما عن شروط الحصول على براءة الاختراع، فأكد المكتب على أن يكون الاختراع خطوة ابتكارية جديدة وقابلة للتطبيق الصناعي، وألا يتعارض مع أحكام الشريعة، وألا يخل بالنظام أو الآداب العامة في دول مجلس التعاون، كما يشترط بأن يكون جديدا كليا من حيث التقنية الصناعية.
ويمكن منح البراءة إلى أكثر من مخترع في حال كان نتيجة عمل مشترك بين عدة أشخاص، ويكون لهم الحق في البراءة بالتساوي، ما لم يختلفوا على غير ذلك، وفي حال كان هناك أكثر من طلب على اختراع واحد، فإن صاحب الطلب الأول يحمل الأولوية في التاريخ.
حقوق مالك البراءة
يحق لصاحب براءة الاختراع وفقا لمكتب مجلس التعاون الخليجي استغلال اختراعه في مجال صناعته واستخدامه واستيراده وبيعه وعرضه للعمل في حال كان موضوع البراءة منتجا، أما في حال كان عملية صناعية أو طريقة لصنع منتج معين، فأن لصاحب البراءة بنسبة مما ينتج باستخدام هذه الطريقة أو العملية، وهي صالحة لمدة عشرين عاما من تاريخ إيداع الطلب.
كما يمكن لصاحب الاختراع منع الغير من الاستخدام الفعلي لطريقته أو منتجه إذا لم يحصل على موافقته، ويستثنى من ذلك استغلال الاختراع في الأعمال الخاصة بالبحث العلمي، أو استعمال موضوع البراءة في وسائل النقل التي تدخل أقاليم دول مجلس التعاون بصورة مؤقتة أو عرضية.
ويمكن الحصول على براءة الاختراع للمقيم في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، وحتى لغير المقيم يمكنه التقدم بطلب للحصول على البراءة عن طريق وكيل معتمد ومقيم في إحدى دول مجلس التعاون، لممارسة الأعمال المخولة له من مقدم الطلب أمام المكتب.
على أرض الواقع
المخترع السوري محمد فارس السقا تحدث عن الاختراعات والمخترعين وتجربته في هذا المجال، حيث بدأ مع عالم البحث العلمي والاختراعات في عمر الـ15 عاما، مذكرا بأن الأفكار الجديدة طالما لاقت معارضة من قبل الناس، ووصف أصحابها بالمجانين، ويقول السقا حول تسجيل اختراعاته: سجلت اختراعاتي في لبنان بسبب الأوضاع الأمنية في بلدي سوريا، عن طريق وكالة لأحد الأشخاص هناك، حاولت لأكثر من 4 أشهر أن أعرف شروط كل دولة لتسجيل الاختراعات، حيث كانت صعبة في بعض الدول، وتتطلب اكتمال جميع نواحي الاختراع، حيث قد يصيبك اليأس بعد المحاولة أكثر من مرة، لكن البلاد العربية تعتبر أسهل نسبيا من هذه الناحية.
براءة الاختراع لم تقدم لي أي فائدة حقيقية حتى الآن، سوى الناحية المعنوية بأني استطعت تقديم شيء ما إلى البشرية، اخترعت مدفأة تعمل على الماء، وأردت أن تكون متاحة لجميع الناس، وفي حال استخدمها أحدهم دون إذني، فلن أشعر بأي انزعاج، لأني أريد أن يشعر الجميع بالدفئ.
في خارج البلاد العربية يوجد مصداقية أكبر فيما يخص الملكية الفكرية، لكن الصعوبات فيما يخص التسجيل جعلتني ألجأ إلى لبنان، حيث تخوفت من التسجيل عن طريق الإنترنت، وهناك بعض الدول التي تحتاج أن تكون هناك شخصيا للتسجيل، وهو ما يشكل أعباء كبيرة على المخترع.
الاختلاف عن المكاتب الخارجية
يرى أستاذ قانون دولي من لندن أمجد السلفيتي أن الملكية الفكرية أصبحت في العصر الحالي الوسيلة التي تنظم أغلب الأدوات التجارية، فالتجارة اليوم تغيرت، وأصبحت معظمها على الشبكة العنكبوتية، بعكس ما كانت سابقا حينما كانت ملموسة في الأسواق، ولأنها أدواتها اختلفت عما قبل، بالتالي يجب أن تجدد التشريعات بما يتناسب مع العصر الرقمي.
ويؤكد الخبير: في الدول العربية خاصة والنامية عامة، وفي أغلب الأحيان يتم التقليد والاقتباس والتزوير واستخدام الأسماء العالمية، لغياب التشريعات وسهولة اختراق القوانين، ما يؤثر على التحاق هذه الدول بالتطور التجاري، فالتجارة تكون أكثر نجاحا في الأماكن التي يسود فيها القانون، ما يوفر للأطراف المتعاقدة الطمأنينة والحقوق والتنظيم، وفي غياب هذه التشريعات، تسود الفوضى وجو من عدم الارتياح، لذلك يجب أن تكون واضحة ومطبقة، والمحاكم التي تنفذ هذه القوانين يجب أن تقوم بالدور المنوط بها.
ضعف التطبيق في الدول العربية
يوضح السلفيتي: الدول العربية بشكل عام تملك التشريعات، ولو أنها غير محدثة، أو لم يتم ترميمها أو إصلاحها، ولكن النظام القانوني ليس مسألة كلمات في الكتب، بل هي عبارة عن منظومة كاملة متكاملة، ابتداء من توفير مراكز التحكيم والمحاكم، إلى تدريب كادر كامل وطاقم إداري، قادر على المتابعة وتقديم الدعم اللوجستي للقضاء، وأعتقد أن الدول العربية ليست جاهزة للتنفيذ، وذلك بسبب تدخل السلطات الأخرى في عمل السلطات القضائية، ما يعني أن هناك نوع من الواسطة السياسية، بالإضافة إلى الفساد والرشاوي في المنظومة القضائية العربية، والتي تفسد جودة التشريعات حتى تكون جاهزة لتنفيذ الأحكام بالجودة المطلوبة.
عدم اللجوء إلى المؤسسات العربية
يشرح الأستاذ أمجد السلفيتي سبب اللجوء إلى المؤسسات الأجنبية وتفضيلها على مثيلاتها العربية، ويقول: أكاد أجزم بأن هناك عدد كبير من المخترعين والمبتكرين العرب لا يعرفون بوجود مثل هذه المؤسسات في العالم العربي، والثقة بمثل هذه المؤسسات معدومة تقريبا، والتي يمكن أن تسجل هذه البراءات كما في المنابر العالمية، وانا موجود هنا في لندن، وأقوم بالكثير من الطلبات لشركات في بريطانيا ومناطق الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب عدم علمهم بالمؤسسات العربية أولا، ولاعتقادهم بأن التسجيل الحقيقي لن يكون إلا عبر مؤسسات عريقة، ويجب أن تكون خارج المنطقة العربية.