لم يأت تفوق نتنياهو في الاستمرار في الحكم، منذ العام 2009، وقبلها ولاية أولى منذ العام 1996 وحتى العام 1999، من فراغ، إذ يضع لنفسه تكتيكا واضحا، عبر خطط وضعها بنفسه ومساعديه، ومن قبلها استراتيجيات إسرائيلية عامة يسير على نهجها وخطاها.
ومن بين تلك العوامل، أسباب ثابتة وأخرى متغيرة.
ومن بين الأسباب الثابتة لنجاح أي رئيس وزراء في تل أبيب، خاصة لنتنياهو نفسه ومن وجهة نظر الناخب الإسرائيلي، هي الاستمرار في بناء المستوطنات، ومعاداة إيران، والسير وراء قوة عظمى، وترسيخ الوجود الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
المستوطنات
استطاع بنيامين نتنياهو في إسراع وتيرة بناء المستوطنات، خاصة في المستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية، والجولان السوري المحتل، إذ لم يهتم بأي قرارات دولية بهذا الخصوص، بل زاد طمعا في بناء مستوطنات بمدينة القدس المحتلة، بغرض ترسيخ الوجود الإسرائيلي فيها، ولعدم دخولها في أي مفاوضات مقبلة مع الجانب الفلسطيني، باعتبار كل من ملفي القدس والمستوطنات من القضايا الخمس الرئيسة بين الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي.
معاداة إيران
ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومن خلفه الإدارة الأمريكية إلى عقد مؤتمر دولي لمناهضة السياسات الإيرانية، حيث تمكن من ذلك فعليا.
فقد عقد بالعاصمة البولندية، وارسو، يومي 13 و14 فبراير/شباط الماضي، مؤتمرا لبحث تعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط، ومناهضة إيران، والمسمى ب"مؤتمر وارسو"، بمشاركة عربية وغربية، لكن عدة أطراف في مقدمتها روسيا والصين ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، لم تشارك في هذا المؤتمر الذي شهد لقاءات وزراء خارجية عرب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وعمد نتنياهو على كشف بعض المنشآت النووية الإيرانية، واستغل هذا الأمر دوليا، حتى أن كل اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يعقد في سبتمبر/أيلول من كل عام، يهاجم فيه إيران، وكأنه نهج ثابت لإسرائيل في معاداة طرف، لاستقطاب آخرين.
السير وراء قوة عظمى
ومن ثوابت السياسة الإسرائيلية الخارجية، السير وراء قوة عظمى، بهدف توطيد أركان الدولة الإسرائيلية، وتثبيت أوتادها في فلسطين المحتلة، فقد اعتمدت على بريطانيا، في تدشين الدولة، قبل إنشائها، في العام 1948، ثم فرنسا في تسليحها، طوال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
متغيرات سياسة نتنياهو
برع نتنياهو في نسج خيوط كثيرة في السياسات الداخلية والخارجية خلال ولايات حكمه الأربع السابقة، أهمها عدم إبراز شخصيات سياسية أخرى سواه، والعمل على صعود تيار اليمين على حساب تياري اليسار والوسط، وإقامة علاقات قوية مع الرؤساء والزعماء حول العالم، والدخول في علاقات تطبيعية مع بعض الدول العربية والإسلامية.
منافسون
لم يرغب نتنياهو في وجود منافسين له في الحلبة السياسية الإسرائيلية الداخلية، إذ يرتكن رئيس الوزراء إلى مساعدين ومؤيدين أقوياء، يتمكن من خلالهم من إقصاء أي منافس أو غريم، إذ لكل من تلك الشخصيات ملفات تظهر في الوقت المناسب، خاصة مع وجود وسائل إعلامية قوية ومعروفة تسانده وتؤيد خطاه اليمينية.
سبق أن دحر نتنياهو منافسة سابقة، وهي وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيفي ليفني، في الانتخابات الإسرائيلية في العام 2008، حينما فشلت الأخيرة في تكوين ائتلاف حكومي، آنذاك، مقابل تشعب علاقات نتنياهو السياسية، حينئذ، مع قوي يمينية ويسارية ودينية، على حد سواء.
قرارات ترامب
ساهم تولي الرئيس دونالد ترامب، الحكم في البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني 2017، في ترسيخ أقدامه في الحكم في تل أبيب، خاصة مع دعمه لاستمرار وتيرة بناء المستوطنات، ومساعدته في الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وهو ما أعلنه في السادس من ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
وزاد ترامب على ذلك في وقف دعم وكالة دعم وغوث اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بشكل نهائي، بل وغلق القنصلية الفلسطينية في واشنطن.
صفقة القرن
وعلى الرغم من الإفصاح عن بنود الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، والمعروفة إعلاميا باسم "صفقة القرن"، فإن تلك الخطة يتردد أن إسرائيل ساهمت في وضع الخطوط العريضة لها، وهي الخطة التي تؤكد بقاء إسرائيل، وترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، وترفض تقسيم مدينة القدس.
التطبيع
يعد ملف التطبيع أحد الملفات والقضايا المهمة التي ساعدت نتنياهو في نجاحه بالانتخابات البرلمانية، إذ وطد علاقاته بدول عربية وإسلامية عدة، وزار بعضها للمرة الأولى، أهمها سلطنة عمان، التي زارها، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويتردد أن هناك زيارة لدولة خليجية أخرى، يزعم أنها البحرين، وكذلك زيارة مرتقبة للمغرب، رغم نفي الرباط الدائم.
فيما زار نتنياهو دولة تشاد الإسلامية، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سبقها زيارة إدريس ديبي، الرئيس التشادي لتل أبيب.
وافتتح نتنياهو سفارات لبلاده في أكثر من دولة حول العالم، خاصة دول آسيوية وأفريقية، أهمها رواندا، وهي السفارة ال 11 لإسرائيل في أفريقيا، على سبيل المثال. وهو ما يمكن اعتباره تحسنا في تصويت الدول الأفريقية والآسيوية في الهيئات الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة، بشأن إسرائيل.
نهاية، فإن هذه القرارات الدولية وتلك المخططات الثابتة والمتغيرة من قبل نتنياهو، قد ساهمت في توجه المزاج الإسرائيلي ناحية اليمين، وهي التي وضعت أسس وقواعد نجاح نتنياهو في الانتخابات، خاصة أن إسرائيل أمام تحول استراتيجي، يتجه، وبقوة، ناحية اليمين.