وعن رحلة العودة إلى السودان روت الباقر في مقالها بـ"فاينانشال تايمز" أن "الهتافات الثورية اندلعت على متن الطائرة عندما بدأنا نزولنا. كلنا دخلنا السودان بعد البشير لأول مرة. بالنسبة لي، هو الوحيد الذي عرفته يحكم السودان على الإطلاق".
وتقول الباقر في مقالها: "تميز عهد البشير بالحكم العسكري الإسلامي، مع عزم الأوتوقراطية على تحويل الدولة الواقعة في شمال شرق إفريقيا إلى دولة عربية. من خلال استبداده، تمكن من التمسك بالسلطة لمدة ثلاثة عقود، وفي نهاية المطاف مزق البلد في عقدين".
وتضيف: "ربما كان انفصال جنوب السودان في عام 2011 تتويجا لسيادة نظام البشير الثقافي والديني القمعي — ولكنه كان أيضا لسقوطه. فما يقرب من ثلاثة أرباع احتياطياتها النفطية، في الجنوب، فقدت عند الاقتراع والانفصال".
وقالت إنه "على مدى السنوات الخمس الماضية، اخترقت الصراعات الاجتماعية والاقتصادية حتى الطبقات المتوسطة في الخرطوم، وأصبحت عيوب النظام أكثر وضوحًا من الإخفاء. سنوات من جرائم الحرب في دارفور، في الغرب، وجبال النوبة، في الجنوب، كانت حقيقة بعيدة ويمكن تجاهلها بسهولة لأولئك الذين يعيشون في العاصمة. ولكن مع ارتفاع التضخم وتزايد ندرة السلع الأساسية مثل البنزين والخبز في المدن في جميع أنحاء البلاد، زاد الغضب".
وتابعت الباقر قائلة: "لمست طائرتنا المدرج واجتاحت موجة من النشوة المتجددة المقصورة. وقد شهدت أربعة أشهر طويلة من الاحتجاجات المستمرة مقتل 75 شخصًا وجرح المئات واعتقال الآلاف. هتف الركاب، "الحرية والسلام والمساواة"، وفي لمحة، بدت تلك المفاهيم أقرب من أي وقت مضى".
وتضيف: "لم تكن عودتي إلى الخرطوم لتغطية هذه اللحظة التاريخية كصحفية فحسب، بل لأرى بنفسي ما إذا كانت بذور التغيير قد تم زرعها حقًا. جلب رحيل الرئيس معه مجلسًا عسكريًا — يتكون من حلفائه القدامى وعزم على حكم البلاد لفترة انتقالية تصل إلى عامين".
وقالت: "البديل المباشر للبشير، نائب الرئيس السابق ووزير الدفاع الفريق أول بن عوف أمضى يوماً واحداً في السلطة على جوقة سخرية من الهتافات من المتظاهرين قبل التنحي. وقد حل محله اللواء عبد الفتاح البرهان، المفتش العام للقوات المسلحة، ونائبه محمد حمدان. وكلاهما يشتهر بالمجازر في دارفور ونشر القوات السودانية في اليمن".
وتضيف الكاتبة: "قدم هذا المجلس العسكري "الملطخ" العديد من التنازلات. وتم إصدار تأشيرات صحفية جماعية للصحفيين الأجانب لأول مرة منذ انتخابات 2015. لقد تبخرت قوانين النظام العام الإسلامي التي تم تطبيقها منذ التسعينيات، وكانت احتفالات الشوارع تنفجر ليلاً. في تناقض صارخ مع القوة المميتة التي استخدمت في الأيام القليلة الأولى بعد بدء الاعتصام أمام المقر العسكري، كانت هناك محاولات خافتة من قبل المجلس لتفريق الجماهير التي كانت موجودة منذ 6 أبريل/ نيسان".
وتشير الباقر إلى أنه "ومع ذلك، فقد رفض الشعب كل هذه التنازلات ولم تؤجج سوى مطالب بنقل السلطة إلى حكومة مدنية. ويوم الخميس، بعد أسبوع من تنحي البشير، تدفق الآلاف من الناس على موقع الاعتصام في أكبر مظاهرة شهدها السودان على الإطلاق".
واختتمت الكاتبة السودانية مقالها مؤكدة أن "السودان لم يفصل نفسه عن الحكم العسكري، لكن المحتجين لديهم الآن مساحة آمنة — وأداة التفاوض الأكثر قوة حتى الآن".
وقالت:
"أصبحت منطقة الاعتصام ملاذاً وساحة معركة رمزية في الكفاح من أجل الحرية الشخصية والسياسية. مركز ثقافي من الشعر والموسيقى والفن — يتم الحفاظ عليه من قبل المتطوعين الذين يقدمون الطعام والماء مجانًا، ويتخذون نوبات لحماية المحيط في جميع الأوقات. يلخص الهتاف المدوي الذي يتردد في جميع أنحاء المنطقة الوضع الحالي: "سقط، لم سقط — نحن محصنون".
وكانت يسرا الباقر قد أعلنت في يناير/ كانون الأول الماضي تفاصيل "اعتداء قوات الأمن عليها خلال تغطيتها للتظاهرات في العاصمة الخرطوم.
وقالت الباقر على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" (وقتها) إن عناصر من الشرطة اعتدوا عليها بالضرب، ومزقوا ثيابها خلال تغطيتها للتظاهرات، بالقرب من ميدان القندول بالعاصمة الخرطوم.
وقالت إنها "وخلال تصويرها بطريقة سرية لشاحنات الأمن، قام أفراد بمهاجمتها وبدأوا بالضرب على السيارة، التي كانت بداخلها بالهراوات وهم يصرخون أعطونا الكاميرات، وبعد أن فتحت الباب أمسك أحدهم بالقميص وصرخ لتسليم الهاتف".
كما نشرت الباقر صورة لقميصها الممزق بفعل الاعتداء عليها، من قبل عناصر الشرطة السودانية.