لكن داخل بوابات المقر العسكري، كما تقول الصحيفة، فلا يزال أفراد نظام حكم البشير يتولون المسؤولية. وينخرط الجنرالات الذين يمتلكون القوة ويعرفون بالحرب والفساد، في محادثات حساسة مع قادة غير معروفين حتى الآن لهذه الانتفاضة الشابة والنادرة.
وتضيف الصحيفة أنه "لا يبدو أي من الطرفين متأكداً من هو الحليف أو العدو، ويزداد انعدام الثقة — وخاصة بين المحتجين الذين يخشون أن يخدعهم الجنرالات في النهاية بالوعود بالحكم المدني.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن سلمى علي، المعلمة التي انضمت إلى الاحتجاجات، قولها "لقد قطعوا الرأس"، في إشارة إلى نظام البشير. "لكن الجسم لا يزال هناك".
وقالت الصحيفة أصر الجنود، يوم الاثنين، على قيام المتظاهرين بتطهير المنطقة حتى يتمكن الجنود، على حد زعمهم، من اجتياز الشارع، ورأى المتظاهرون القلقون أنها خدعة لتفريقهم. وهتف المتظاهرون وهم يصرخون "الثورة".
وأضافت "مرة أخرى، انتهت المواجهة بين الجيش والمدنيين — القوات التي تقاتل من أجل صياغة مستقبل السودان — إلى طريق مسدود".
كما قالت الصحيفة إن "شبح الثورات الماضية معلق على انتفاضة السودان. إذ يشعر البعض بالقلق من أن البلد، أحد أكبر وأفقر بلدان إفريقيا، يمكن أن يلحق بمصير ليبيا، حيث أدى سقوط معمر القذافي بعد 40 عامًا من الحكم إلى دخول البلاد في دوامة فوضوية لم تنته منها بعد".
بينما "يرى آخرون المعادل الأكثر تشجيعًا في جنوب إفريقيا، حيث وضعت نهاية للفصل العنصري في التسعينيات من خلال مفاوضات سلمية بين نظام تفوق البيض والمعارضة بقيادة نيلسون مانديلا التي سعت إلى هدمها".
وترى الصحيفة الأمريكية أنه في السودان، بدا الأمر في كثير من الأحيان وكأن الأحداث تسير على طريق المتظاهرين منذ سقوط السيد البشير الدراماتيكي. إذ كانت الطغمة العسكرية التي أطاحت به تبدو في كثير من الأحيان مترددة وقلقة، وتراجعت عن قراراتها الخاصة (أقالت أول قائد مؤقت لها بعد يوم واحد)، وقدمت سلسلة من التنازلات لإرضاء المتظاهرين المعسكرين خارج مقرهم.
وتشير إلى أنه خلال عطلة نهاية الأسبوع، قال المجلس العسكري الانتقالي، الذي يسيطر اسمياً على البلاد، إنه ألغى حظر التجول الذي تم الإعلان عنه قبل أيام وإطلق سراح جميع السجناء السياسيين. كما أن رئيس المخابرات "المخيف" صلاح قوش، الذي اعتبره المتظاهرون غير مقبول، سيتنحى.
وتقول الصحيفة الأمريكية" إنه "في بعض الأحيان، بدا الأمر وكأنه انقلاب، حيث كان المتظاهرون يمررون يسارًا أو يمينًا على المرشحين المقدمين من قبل الجيش، في حين ساد جو كرنفالي في موقع الاحتجاج الرئيسي".
وأضافت: في الليل، يحضر الموسيقيون عروضهم، بما في ذلك جندي ملفوف بالعلم السوداني يعزف على الساكسفون. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أقيمت شاشات كبيرة حتى يتمكن المتظاهرون من مشاهدة كرة القدم الأوروبية. وألقت شابات خطب مثيرة وسط تصفيق حاد".
وتابعت الصحيفة "في إحدى الأمسيات، جاءت عروس ورفعت فوق حشد من الرجال وهم يهتفون، "سوف يسقط، وسوف نتزوج" — في إشارة إلى عدد الرجال السودانيين الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة حفل زفاف بسبب الأزمة الاقتصادية الرهيبة في البلاد".
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلن المجلس العسكري نائبا لرئيسه الفريق محمد حمدان، وبحسب ما تزعم الصحيفة الأمريكية، هو "قائد شبه عسكري اكتسب سمعة سيئة باعتباره قائد ميليشيا ارتكبت سلسلة من الفظائع ضد المدنيين في منطقة دارفور بغرب السودان".
وأصدرت المملكة العربية السعودية، التي تعتبر حليفاً قوياً للجنرال حمدان، بياناً عبرت فيه عن موافقتها على هذا الاختيار. بعد ذلك بيوم، تم تصوير الجنرال السوداني وهو يتبادل المصافحة القيّمة مع القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، ستيفن كوتيس.
وبحسب الصحيفة فإن للواء عبد الفتاح البرهان، رئيس الحكومة المؤقتة، علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية، التي تزود السودان بإمدادات حيوية من النفط المدعوم. كان أن الجنرال البرهان، حتى وقت قريب، كان يقود فرقة من القوات السودانية التي تقاتل في اليمن في ظل التحالف الذي تقوده السعودية.
وتقول "نيويورك تايمز" في تقريرها "إذا كان أعضاء الطغمة العسكرية معروفين في السودان، فإن قادة المظاهرة خارج أسوارهم ليسوا كذلك. على مدى ثلاثة عقود من الحكم القاسي، قام البشير بحظر أو تهميش العديد من النقابات ومنظمات المجتمع المدني. وتم سجن المعارضين أو فروا إلى المنفى. ومات بعضهم في زنازين التعذيب".
وتضيف "لكن حركة الاحتجاج التي أجبرت البشير في النهاية على السقوط كانت بقيادة مجموعة جديدة، هي تجمع المهنيين السودانيين، الذي ولد من الطبقات الوسطى السودانية المحبطة".
وقامت مجموعة من المتخصصين بقيادة أطباء ومهندسين، بتسخير موجة الغضب التي اندلعت خلال احتجاج على ارتفاع سعر الخبز في ديسمبر/ كانون الأول، وجعلته حركة جماعية مستدامة.
وساعد تجمع المهنيين السودانيين في تشكيل تحالف واسع يضم نشطاء من زوايا مزقتها الحرب مثل دارفور، ولجنة من الصيادلة ومع ذلك، ظل زعماءها سريين لتجنب الاعتقال.
ويقول مصعب عبد الناصر، 19 عاماً ، وهو مصور ومحتج: "لقد قادونا إلى الحرية، لكننا لا نعرف شيئًا عنهم".
وتقول الصحيف إن "هذا الحجاب من السرية قد ارتفع تدريجيا في الأيام الأخيرة، حيث تفاوض الجيش والمتظاهرون على شكل حكومة مؤقتة لتوجيه البلاد حتى يمكن إجراء الانتخابات".
وتضيف "لا يتفق الطرفان على طول الفترة الانتقالية، لكن الجيش وافق على أن يدير المدنيون جميع الوزارات باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية".
وتتابع "يريد المدنيون فترة انتقالية أطول لإتاحة الوقت الكافي للثقافة السياسية في البلاد، المتخلفة بعد سنوات من الاستبداد، حتى تنضج وحتى تنجح الانتخابات. ويمكن القول إن مصر وليبيا مثالان لبلدان أجريت فيها الانتخابات بسرعة كبيرة بعد الثورة، وانتهى الأمر بتقويض الديمقراطية بدلاً من تقويتها".
وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن "النقطة الشائكة الرئيسية هي من سيكون مسؤولاً بالفعل — ما إذا كان المجلس العسكري سوف يتمتع بحق النقض، وبالتالي السيطرة الفعالة على رئيس وزراء مدني". "ستختبر المحادثات أيضًا وحدة المحتجين. إذ استبعد الجيش الأحزاب الإسلامية وأداة البشير السياسية، حزب المؤتمر الوطني، من المحادثات. كما أن الجماعات المتمردة من دارفور وغيرها من المناطق النائية غير ممثلة".
وقال مجدي الجزولي، وهو خبير سوداني في معهد ريفت فالي، وهو مركز أبحاث، إن المحتجين يحتاجون إلى التوصل إلى موقف موحد قبل أن يفوقهم العسكريون. وأضاف: "هناك الآن انفجار في النشاط السياسي في الخرطوم". لكن النافذة قد لا تكون مفتوحة لفترة طويلة. يحتاج المتظاهرون إلى معرفة ما يريدون الاستفادة منه قبل إغلاقه".
وقال عبد المتعال غيربش من المركز الإقليمي لتدريب وتنمية المجتمع المدني في السودان للصحيفة أيضا، إن الشعب السوداني يدرك جيدًا كيف خرجت حركات الاحتجاجات الجماهيرية عن مسارها كما حدث في مصر في عام 2011. هذه المرة ، مصممون على تحقيق نتائج مختلفة". وأضاف "لقد رأينا ما حدث، ونعتقد أننا سنكون قادرين على تجنب تكرار ذلك مرة أخرى".