ويتنامى الدور الروسي مع مرور الوقت، ويتزايد حضور روسيا بشكل ملحوظ، ولم يعد هذه الحضور يقتصر على التعاون العسكري مع بلدان المنطقة، بل أصبح يمتد إلى العديد من المجالات الأخرى.
الاهتمام الروسي بالخليج
وحول أهمية الدور الروسي في منطقة الخليج العربي يقول الدكتور عمرو الديب، المحاضر في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي في جامعة نيجني نوفغورد الروسية، في حديث لـ"سبوتنيك":روسيا لديها اهتمام كبير في منطقة الخليج وخصوصا مع الدول الكبيرة كالسعودية والإمارات وقطر، ولدى روسيا اتصالات وعلاقات على مستوى عالي في هذا الخصوص، وهي تحاول استخدام هذه الصلات وهذه العلاقات لمحاولة لعب دور واضح في المنطقة المهمة والغنية بالنفط والغاز.
وأضاف بأن "روسيا تريد التوسط في الأزمة الخليجية مستخدمة علاقاتها الاقتصادية مع قطر التي تملك استثمارات كبيرة في الداخل الروسي، والتطور الكبير في العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، والتي وصلت إلى مستويات غير طبيعية".
وتتابع الديب: روسيا تريد أن تثبت للعالم أنها تستطيع أن تلعب دورا هاما في المنطقة، لكن هناك عوامل عديدة قد تمنع هذا الدور، أهمها العامل الأمريكي لأنها (أمريكا) لا تريد أي حل في المنطقة، لكي تبيع المزيد من الأسلحة، ومن أجل الاعتماد بشكل أكثر على الولايات المتحدة.
وهناك زيارة مهمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السعودية، وهذه الزيارة إن تمت ستكون خطوة مهمة لتقديم روسيا بشكل أفضل وفعال في الخليج.
فيما يرى المحلل سياسي وعضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد آل زلفى في لقاء مع "سبوتنيك": "روسيا دولة عظمى ولها مصالح مع كثير من الدول، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وهي لم تعد الاتحاد السوفيتي الذي يتدخل في شؤون الدول الأخرى، ويعمل على تصدير الأفكار الثورية والاشتراكية وغيرها".
وتابع: روسيا تهتم الآن ببناء روسيا الاتحادية وبالاقتصاد والتنمية، وهي تعرف أن الاقتصاد والتنمية لا يمكن أن يتم إلا في بيئة آمنة ومطمئنة.
العوامل المساعدة والعوائق
وعن العوامل التي تساعد الدور الروسي على أن يكون أنجح وأقوى في الخليج وعن العوائق التي يمكن أن تعطل هذا الدور يتحدث المحاضر عمر الديب: أظن أن المعدات والأسلحة الروسية ستلعب دورا مهما في المنطقة، كما يمكن أن تلعب دورا سلبيا أيضا، في حال أعطت روسيا منظومة سلاح معين كـ"إس 400" لدولة معينة على حساب أخرى، كما أن روسيا لا تقف بكل قوة مع إيران حاليا، وهو موقف جيد جدا بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات.
واستدرك: من ناحية أخرى روسيا لن يكون لها دور ناجح كثيرا في الخليج، لان المنطقة لديها الكثير من العوامل كالإيراني والتركي، وأهمها الأوروبي والأمريكي، بالإضافة إلى القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج.
وتابع الديب: أكثر من يهم روسيا من هذه المنطقة هو الحفاظ على أسعار النفط بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية، وجذب عدد أكبر من الاستثمارات القطرية والإماراتية إلى داخل الاقتصاد الروسي، والذي يواجه عقوبات أمريكية وغربية.
أما الدكتور آل زلفى فيرى أن الدور الروسي يتوقف على قدرة روسيا على الوقوف في وجه حلفائها إيران وقطر، ويبين: إيران تلعب دورا شريرا في المنطقة، من خلال تسلحها والتهديدات التي تصدر عنها، والخطر الذي تشكله في المنطقة، سواء في سوريا أو العراق أو اليمن، وهذه الأمور تدركها روسيا كما ندركها نحن، فإن كانت روسيا ستتدخل وتعمل شيء، فعليها أن تنطلق من مبدأ تحجيم دور إيران، وأن تمنعها من التدخل في شؤون الآخرين، وإلغاء مشاريعها التسلحية التي تستخدمها ضد الآخرين.
ويتابع: كذلك قطر الواقعة في ورطة حاليا، التي يجب أن تتخلى عن كل الأعمال الإرهابية التي تدعمها، وأن تراعي ما طلب منها كعدم إيواء وتشجيع الإرهابيين، وروسيا تعرف ذلك، فقطر تساند جبهة النصرة في الشام، والتي تعد خطرا على الوجود الروسي هناك، وإذا ما استطاعت روسيا لجم قطر وتحجيم الدور الإيراني، فيمكن لروسيا أن تنجح في تهدئة الامور ولعب دور مهم في المنطقة.
مزاحمة الولايات المتحدة
ولطالما كانت الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي في منطقة الخليج العربي، وعن إمكانية إزاحة روسيا للنفوذ الأمريكي من المنطقة يقول الديب: موقف وقوة الولايات المتحدة هو نتاج 70 عاما، من سيطرة فردية تقريبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وروسيا برزت على الساحة الدولية بعد عام 2008 فقط، وفي منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2015، فلا يمكن مقارنة تاريخ الوجود الأمريكي الذي بدأ فعليا في الخليج عام 1990، مع الوجود الروسي.
وأضاف بأن: "روسيا لا تعتبر هذه المنطقة كأولوية لها، لأن الأولويات المعروفة لروسيا هي الشام بشكل عام وسوريا بشكل خاص، والشمال الإفريقي كمصر وليبيا والجزائر، ومنطقة بحر قزوين وآسيا الصغرى والوسطى، بالإضافة إلى بحر البلطيق والقطب الشمالي".
وأكمل أن "الأزمة اليمنية أمر لا تهتم به روسيا بشكل كبير، لأنها تملك الكثير من الملفات الأخرى، وهي لا تسطيع لعب دور كبير في كل الملفات، وهي كقوة اقتصادية لا تضاهي الولايات المتحدة، لذلك هي تركز على بضع ملفات وتترك باقي الأمور لتسير على حالها دون التركيز عليها بشكل كبير".
أما آل زلفى فيرى إمكانية ذلك ويؤكد: إذا استطاعت روسيا الضغط على إيران وإقناعها بالانسحاب ووقف التدخل من كافة المناطق العربية، أعتقد أن روسيا ستحظى بكل الاحترام والمحبة والتقدير بين سكان المنطقة، الراغبين في بناء بلدانهم وتطوير الاقتصاد والقضاء على الإرهاب، وربما تصبح صاحبة كلمة مقبولة من كل سكان المنطقة.
وأضاف: الولايات المتحدة برغم كل ما تملكه من قوة لا تحظى بمحبة واحترام كبير من قبل السكان هنا، بسبب الميل المطلق نحو إسرائيل عدو المنطقة الأول، حيث أن روسيا تستطيع أن تلعب دورا أيضا في الوساطة بين الفلسطينين والإسرائيليين.
واختتم عضو مجلس الشورى السابق: نعلق آمالا كبيرة على زيارة الرئيس بوتين إلى الرياض في شهر أكتوبر، لتعزيز التعاون السعودي الروسي، ولكي تلعب الدولتان دورا أكبر في تهدئة المنطقة، وإيجاد حلول شاملة لكل القضايا.