وكشف نائب المدير العام لتطوير العلوم والتكنولوجيا، سيرغي دروزين، في حديث لوكالة "سبوتنيك" تفاصيل تطور وإنشاء نظام الدفاع الجوي الروسي، وأسباب تطوير منظومات "إس- 400" ومزايا منظومة صواريخ "إس —500" الروسية الجديدة.
سبوتنيك: سيرغي فالنتينوفيتش، ما أسباب إنشاء أنظمة دفاعية جوية؟
شهد القرن العشرين تطورا ملحوظا في النظام الدفاعي الجوي. وقد انعكس ذلك في زيادة حمولة الصواريخ والقنابل، وسرعة الطائرات، وتطور تكنولوجيا الطائرات الحربية، فمهمة النظام الدفاعي الجوي في الحرب العالمية الأولى كان يقتصر على دور الاستطلاع الجوي، ولكن مالبث وأن تحول خلال الحرب العالمية الثانية إلى قوة ضاربة رئيسية الأمر الذي زاد من أهمية وفعالية مكون الطيران، وتطلب اعتماد تدابير خاصة كافية لمواجهة هذه التهديدات المتزايدة.
سبوتنيك: ما دور الألمان في تصنيع نظام الدفاع الجوي الروسي؟
لابد من الاعتراف بأن الخبراء العسكريون الألمان كانوا رواد في مجال صناعة الأسلحة، فهم أول من قام بتصنيع صواريخ "زينيت"، وعندما قامت دول الحلفاء بقصف المدن الألمانية كان لابد لهم من اتخاذ تدابير جذرية لمواجهة هذه التهديدات، لذلك ابتكر الخبراء الألمان خلال سنوات الحرب، عدة أنواع من الصواريخ المضادة للطائرات إلا أنهم فشلوا في تصميم دقة تحديد الإحداثيات، وبعد سنوات عدة استطاع الخبراء السوفيت التغلب على هذا العيب في الصواريخ. وطوروا نظام تحديد الإحداثيات تسمح للصارخ اعتراض الهدف بدقة.
في الاتحاد السوفيتي، تم إنشاء ميدان لاختبار الأسلحة والمعدات العسكرية الحديثة "كابوستين يار"، حيث تم إجراء العديد من الدراسات من قبل المتخصصين الألمان في مجال الدفاع الجوي.
ومع ذلك، يجب الاعتراف أنه مع الأسف النتيجة المرجوة لم يتم تحقيقها، فالنظام الصاروخي لم يسمح بذلك. وفي سبتمبر/أيلول 1947، تم إنشاء مؤسسة (SB-1) المتخصصة في تطوير أنظمة الصواريخ من طراز جو — بحر. كان مديره حينذاك بافل نيكولاييفيتش كوكنكو، ونائبه سيرغي بيريا. وبعد ثلاث سنوات، كلفت المؤسسة بتطوير نظام صاروخي مضاد للطائرات مخصص للمدن الكبرى والأهداف الاستراتيجية.
بحلول ذلك الوقت، تراكمت ترسانة كاملة من الأسلحة الذرية في الولايات المتحدة وكانت هناك خطط لقصف موسكو وغيرها من المراكز الإدارية المهمة في الاتحاد السوفيتي، والتي كات يتم تعديلها كل عامين أو ثلاث. لذلك كان من الصعب تحديد ما الأهم إما تطوير إنشاء قنبلة ذرية أو نظام الدفاع الجوي.
سبوتنيك: هل هذا يعني أن القصف الذري على هيروشيما وناغازاكي هو عمل تخويف وإرهاب نوعا ما؟
بالطبع. فقد قامت الولايات المتحدة بتبادل المعلوماتحول نوايا واشنطن قصف المدن اليابانية مع ستالين ليعلم الاتحاد السوفيتي مع من يتعامل. لكن حتى من دون تبادل المعلومات حول القصف الذري على هيروشيما وناغازاكي، كان لدى الاستخبارات السوفيتية معلومات حول خطط الأمريكيين. وكانت الولايات المتحدة مستعدة لضرب المدن السوفيتية، لذلك كانت الحاجة ملحة لإنشاء نظام موثوق لحماية المجال الجوي السوفيتي.
كان قرار إنشاء منظومة للدفاع الجوي مرتبطا بألكسندر أندريفيتش راسبليتن، الذي كان لديه عقلية وشخصية فريدة من نوعها، تمكن من حشد فريق من الأشخاص المتشابهين في التفكير والذين قاموا لاحقا بإنشاء نظام "إس-25"، والذي كان متقدما لعشرات السنوات.
يسمح نظام "إس-25" بإطلاق النار على 20 هدفا في وقت واحد، كانت فريدة من نوعها في وقتها، لم يتم قياس الإحداثيات بواسطة رادارين مختلفين، ولكن بواسطة رادار واحد، وبالتالي تم حل مهمة ضمان دقة التوجيه.
وبالتالي تم حل المهمة الشاقة المتمثلة في بناء نظام دفاع جوي حول العاصمة. ونتيجة لذلك، تم تشكيل حلقتين حول موسكو، مما وفر الاتصالات اللازمة لتشغيل نظام "إس-25"، حيث تم تزويد الحلقة الخارجية بـ 34 منظومة والحلقة الداخلية بـ22 منظومة، ليكون المجموع 56 منظومة بدلا من 300، والتي كان يجب أن تكون مثبتة في مثل هذه الكمية، وبالتالي تم حل مهمة تقليل الأموال اللازمة لإنشاء مثل هذه الأنظمة.
في أواخر عام 1954 — أوائل عام 1955 ، تم الانتهاء من اختبار للنظام، لا أحد في العالم قد اخترع أي شيء مثل هذا.
سبوتنيك: كيف ولد مفهوم"إس-75"؟
العيب الرئيسي لنظام "إس-25" هو ثباته، لا يمكن نقله بسرعة إذا لزم الأمر لتغطية أشياء أخرى. لذلك تطلب الأمر منظومة دفاع جوي محمول بالإضافة إلى ذلك، أثناء عملية التطوير، وُلدت حلول تقنية أكثر تقدما، مما أتاح إنشاء نظام محمول. حيث كان من الممكن وضع مركز الهوائي بالكامل لمحطة توجيه الصواريخ على مقطورة واحدة — وهي تتكون من هوائيين يوفران التتبع للأهداف والصواريخ في قطاع أضيق (زائد أو ناقص 10 درجات)، وهوائي إرسال الأوامر وأجهزة الإرسال المقابلة.
لقد كانت خطوة كبيرة للأمام لتكنولوجيا الهوائي في ذلك الوقت. سمح بإنشاء نظام محمول له نفس الخصائص تقريبا في المدى مثل "إس-25" (30-35).
وبعدها وصل المدى في نظام "إس-75" إلى 56 كم. مما جعل مسألة إنشاء نظام دفاع جوي يمكن نقله إلى المكان المطلوب لتقوية أو إنشاء نظام للدفاع الجوي أمرا ممكنا، إذا لم يكن ذلك ممكن من قبل.
السبب الأول هو التشغيل. في شمال بلادنا في ذلك الوقت كانت هناك مشكلة تواصل جدية. كما هو معروف، تتطلب صيانة نظام الدفاع الجوي إمدادات منتظمة من الوقود. ويتم تحديد موضع المنظومات من بعضها البعض حسب حجم المدى المجدي، حيث كان إنشاء منطقة محمية في بعض الحالات شبه مستحيل.
وكانت مهمة لزيادة نطاق الأنظمة من أجل تقليل العدد الإجمالي للمنشآت، بالإضافة إلى ذلك، ظهرت صواريخ كروز للطيران التي تم إطلاقها خارج المدى المجدي في منظومة "إس-75"، لذلك نشأت ضرورة لإنشاء منظومة بنطاق أكبر.
في البداية استطاعت الصواريخ التي تم إنشاؤها أصلا تغطية 160- 180 كم، حيث أظهرت التجربة المكتسبة في ذلك الوقت في تطوير أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات أنه كان من الصعب للغاية ضمان الدقة المطلوبة للصاروخ أثناء التحكم عن بعد على مسافة تزيد عن 50 كم، وهذا يتطلب زيادة جذرية في الرأس الحربي، وكذلك تحسين في خصائص معدات الرادار، وتوفير التوجيه الصاروخي.
لقد كان تحديا هائلا، ضمان تشغيل مستقبل حساس للغاية بينما كان يعمل جهاز إرسال قوي في مكان قريب، وتم حل هذه المهمة بنجاح، تم إنشاء مثل هذا الموقع. ونتيجة لذلك، فإن التعديل الأخير من نظام الصواريخ يتيح تغطية مسافة تصل إلى 300 كيلومتر، وبدأت في الواقع من 180.
سبوتنيك: ما هي التغييرات في "إس-300"؟
إن السبب وراء تطوير أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات هو تطوير وسائل الهجوم الجوي، وزيادة كثافة نشاطها، وكذلك ظهور صواريخ كروز (عابرة للقارات)، فعندما يمكن أن يكون هناك أكثر من مائة هدف في السماء بدلاً من 15-20 هدفًا، فإن هذا موضوعيا يتطلب زيادة عدد القذائف التي تطلقها المدفعية في كل وحدة زمنية.
وأدى حل المهام المتضاربة — توفير سهولة التنقل وقصف عدد كبير من الأهداف في وقت واحد — إلى الحاجة إلى بناء رادارات توجيه الصواريخ من مبدأ مختلف.
هذا هو الاختلاف الأساسي في مجمعات "إس-300"عن جميع الأجيال السابقة، فالمجمع قادر على الدوران وبالتالي جاهز للهجوم عند الزحف خلال خمس دقائق. وهناك اختلاف آخر، عدم وجود اتصالات كبلية بين رادار إطلاق النار والقاذفات، يتم نقل جميع المعلومات عبرخط راديو خاص. وشارك المصمم الرئيسي للمجمع بوريس فاسيليفيتش بونكين، في اختبار وتحديث هذا المجمع.
لم يكن نظام "إس-400" محظوظا، كغيره من المشاريع الأخرى التي تم تنفيذها من قبل صناعة الدفاع (الروسية) لدينا في التسعينيات، ففي ذلك الوقت عانت صناعة الدفاع المحلية من أضرار جسيمة، فقدنا بعض الكوادر الخبيرة، ولم يكن هناك تمويل جيد، ما أدى إلى توقف العمل على المجمع. لنفس الأسباب، أخذ تطوير صواريخ لهذا النظام أيضا وقتا طويلا. ومع ذلك، استمر العمل، وبحلول عام 2007 تم تسليم أول قسم من "إس-400" إلى وزارة الدفاع ووضعه في حالة تأهب.
والاختلاف الرئيسي لنظام "إس-400"عن المجمعات السابقة هو القدرة على تخفيف التداخل الكهرومغناطيسي و عدد القذائف التي تطلقها المدفعية في كل وحدة زمنية، فعدد الأهداف التي تقدر تدميرها "إس-400" في وقت واحد أكبر بكثير من إمكانية "إس-300"، وكل مجمع له قاعدته التكنولوجية الخاصة، تختلف العناصر في "إس-400" من حيث التصغير، أتاح مستوى تكامل العناصر، بأبعاد أصغر، من إنشاء نظام بأداء أعلى بكثير، وهذا ينطبق على نظام تحديد الموقع والمحطة المتعددة المهام.
يحتوي مركز قيادة النظام على رادارات قوية تتيح لك رؤية الوضع في الجو على مسافات بعيدة. هذا بدوره يسمح له بتعيين المهام والتحكم في تنفيذها عن طريق المجمعات الأخرى، ليس فقط عن طريق "إس-400"، فقد تكون هذه أنواع أخرى من أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك "إس-300"، أو يمكن أن يكون "بانتسير"، أو مجمعات الدفاع الجوي للقوات البرية، وبالتالي يمكن أن يكون نظام "إس-400" أساسا لمجموعة أسلحة الدفاع الجوي.
سبوتنيك: ماهي التطورات في "إس-500" ماذا يمكنكم إخبارنا عنه؟
إنه نظام الجيل الجديد، ونظام تحديد الموقع فيه يعمل من دون جهاز الإرسال، حيث يتم تشكيل الإشارة بواسطة الهوائي نفسه، ويتألف نظام تحديد الموقع من مكبرات صوت قوتها صغيرة نسبيا. وبدلاً من أجهزة التفريغ الكهربائي ذات الفولتية من 30-40 كيلو فولت، يتم استخدام أجهزة بجهد لا يزيد عن 27 فولت، وهذا التصميم يبسط المهمة بشكل كبير، فله تأثير إيجابي على الموثوقية وكذلك على السلامة التشغيلية. كما يسمح نظام تحديد الموقع بالحصول على أداء أفضل للقدرة المشعة وتوسيع طيف الإشارات المستقبلة، بالإضافة أن أداء الهوائي أعلى بكثير.
منظومة "إس-500" قادرة على تدمير مجموعة واسعة من الأهداف، ويمكن استخدام النظام أيضا لمكافحة الأهداف الباليستية بجميع أنواعها. وللتوصل إلى هذه التطورات كان من الضروري زيادة في إمكانات طاقة تحديد الموقع وإيجاد صواريخ جديدة يمكن أن تعمل خارج الغلاف الجوي، حيث يكون التحكم الديناميكي الهوائي أمرا مستحيلا.
سبوتنيك: في الآونة الأخيرة، كان يعتقد بشكل واسع، أن صناعة الدفاع المحلية تعيش بشكل حصري على أساس التصاميم التي تم إنشاؤها في الفترة السوفيتية وأنها لم تعد قادرة على إنشاء تصاميم فريدة خاصة بها، هل هذا صحيح؟
منذ حوالي عشر سنوات، لسوء الحظ، كان هذا هو الحال بالضبط، ففي فترة الاتحاد السوفيتي، كانت إنتاجية التصاميم هائلة، لكنها اليوم مرهقة تمامًا. اليوم نحن بصدد إنشاء تصاميم جديدة، وعلى أساسها يتم إنشاء الأدوات الحديثة، على سبيل المثال، لا تستخدم الاحتياطيات التكنولوجية والتقنية للفترة السابقة في نظام الدفاع الجوي "فيتياز". وأحد مؤسسي هذا المجمع هو بافيل أليكسييفيتش سوزينوف، المصمم العام في رابطة الشركات الروسية "ألماز أنتي"، وهذا نظام القرن الحادي والعشرين له إمكانات كبيرة من حيث عدد القذائف المطلقة في وحدة زمنية. وتتضمن هذه الأنظمة المبتكرة نظام "إس-500" الذي يتم إنشاؤه حاليًا.