تصريحات حاكم المصرف المركزي جاءت بعد ارتفاع في سعر صرف الدولار الذي تجاوز منذ يومين عتبة 600 ليرة للدولار الواحد مما أحدث ضجة في الأوساط السورية.
وبالإضافة إلى العقوبات، بحسب حاكم المصرف المركزي السوري فإن سبب الارتفاع هو المضاربين وبعض ممن تراكم لديهم مبالغ لا بأس بها من الدولارات تعودوا على سياسة معينة بالماضي للمركزي بأنه عندما يخلق نوع من التوتر في سوق القطع الأجنبي ويصل الفرق إلى ما بين 30 وخمسين ليرة سورية كان يبادر المركزي لتحريك النشرة أو ضخ عشرات أو مئات الملايين من الدولارات لكن اليوم لا يتقبل هؤلاء أن هناك سياسة جديدة للمركزي تقول إن كل دولار موجود لدى المركزي والدولة السورية هو من حق المواطن والاقتصاد السوري من نفط ودواء ومستلزمات إنتاج ولسنا معنيين بوضع هذا القطع الأجنبي بجيوب المضاربين والقلة من التجار ممن يتخيلون أن المركزي سينجر لهذه اللعبة ويرفع سعر الصرف أو يضخ دولارات.
وأضاف قرفول أن تلك الحملة تترافق مع قانون العقوبات الأمريكي "سيزر" الذي فرض على سوريا معربا عن "أسفه لتماهي البعض سواء عن قصد أو غير قصد مع تلك الحرب الاقتصادية التي تشن على سوريا".
وأشار إلى أن "السياسة النقدية هي بخدمة السياسة الاقتصادية ولا يمكن أن نوجه جميع الموارد لتكون بخدمة سعر الصرف" موضحا أنه "يمكن ضبط سعر الصرف من خلال السياسات التي انتهجها مصرف سورية المركزي والتي تستهدف بالدرجة الأولى خلق الحوافز بالاقتصاد الوطني ودفع العجلة الاقتصادية واستئناف النشاط الاقتصادي عبر تأمين وصول العديد من الأفراد والشركات إلى مصادر التمويل".
وأضاف: أن "الحكومة قامت بكل الجهود الممكنة لدعم قطاع الصادرات من خلال دعم المزارع وتأمين الكهرباء والوقود وتوفير كل الشروط للاشتراك بالمعارض وتحمل نفقات النقل الجوي بما فيها الدعم المباشر للصادرات وبالتالي فكما كنا نسمع من خلال تقارير اتحاد المصدرين فصادراتنا تصل إلى أكثر من 100 دولة وتصل قيمتها إلى أكثر من 4 أو 5 مليارات دولار وهذه المبالغ الكبيرة هي من حق الدولة السورية والمواطن والاقتصاد السوري".
وكان تقرير لمركز "كاتيخون" للدراسات كشف أسبابا هامة في ارتفاع سعر الصرف وتحدث عن بعض العوامل التي حرمت الدولة السورية من إيرادات هامة من القطاع الأجنبي ومن هذه العوامل محاربة القطاع العام الصناعي خلال سنوات طويلة لمنعه من الربح والمنافسة والتصدير وتكبيله بالروتين "القاتل" من خلال "الإبقاء على آليات الأداء والمناقصات الموضوعة منذ 50 عام حيث يحتاج تأمين "براغي" لمناقصة قد تمتد لوقت كبير يقتل المنافسة ويؤخر الإنتاج"، كما تطرق التقرير إلى مشكلة في عدم التمكن من اختراق الأسواق الخارجية في العراق وروسيا وإيران ولبنان والكثير من الدول المستعدة لاستقبال الإنتاج السوري، ولفت المركز إلى موضوع التأخير الكبير في إطلاق معمل العصائر حيث تشتهر سوريا بإنتاج الحمضيات وهذا حرم سوريا من إيرادات هامة بالدولار.
وكان رئيس الوزراء السوري عماد خميس أكد الشهر الماضي أن الحكومة السورية الحالية أمنت تمويل احتياجات البلاد من النفط وباقي الاحتياجات من دون أن تستخدم احتياطي النقد الأجنبي (الدولار)، بينما استخدمت الحكومة السابقة 17 مليار دولار خلال عامي 2012 و2013.
ونقلت صحيفة "الوطن" السورية عن رئيس الوزراء السوري إشارته خلال اليوم الثاني من الدورة الثالثة عشرة للمجلس العام لاتحاد نقابات العمال إلى أن سوريا تحتاج لنحو 200 مليون دولار أمريكي شهرياً للنفط، و400 مليون دولار سنوياً للحبوب، في وقت كانت الموارد أقرب إلى الصفر"
وبحسب الصحيفة، ذكر خميس أن الحكومة السابقة سحبت 17 مليار دولار من الخزينة لتأمين متطلبات البلاد بين العامين 2012 و2013، بينما لم تسحب الحكومة الحالية دولاراً واحداً من الاحتياطي، ومع ذلك تم تأمين استقرار النفط لعامين.
حيث ارتفعت في السنوات الماضية تحويلات السوريين من الخارج إلى داخل سوريا وخاصة أن هناك أعداد كبيرة من المغتربين السوريين، ومن ناحية أخرى تحسن واقع الصادرات السورية قليلا في السنوات الثلاثة الأخيرة (وهي التي تعتبر أهم مصدر محلي لتأمين القطع الأجنبي)، بالإضافة إلى أن تحسن الإنتاج الزراعي والصناعي في سوريا بعد تحرير الكثير من المناطق السورية أدى إلى تخفيف فواتير الاستيراد لبعض المواد وخاصة بعد إطلاق الدولة السورية لحملة كبيرة لإنهاء ظاهرة التهريب كليا.
وحول قوة الاقتصاد الإنتاجي السوري قال الدكتور والخبير الاقتصادي شادي أحمد لوكالة "سبوتنيك":
يتميز الاقتصاد السوري قبل الحرب بأنه اقتصاد إنتاجي، بمعنى أن الاقتصاد الإنتاجي كان يمثل أكثر من 70% من الناتج القومي، حيث شكلت الزراعة حوالي 27% من الناتج القومي، وشكلت الصناعة أيضا رقم موازي، وبلغ عدد المنشآت الصناعية قبل الأزمة حوالي 135 ألف منشأة وبلغ إنتاج القمح حوالي 4 مليون طن، ولكن هذا الاقتصاد الإنتاجي تضرر نتيجة الحرب".
وأضاف الخبير: "والآن بدأت ورشات معينة بإعادة العديد من المعامل والمنشآت الزراعية إلى الإنتاج، ولكن حتى الآن لم يصل الاقتصاد الإنتاجي إلى مستوياته الأساسية قبل الازمة، وهو قد يساهم في تحقيق حد يسير من المتطلبات التي نحتاجها في سوريا ولكن لا يمكنه أن يلبي جميع الاحتياجات السورية، وهذا يعود لعدة أسباب أهمها فقدان الليرة السورية لوظيفتها الاستثمارية حيث كانت الليرة السورية تغطي حوالي 80 بالمئة من التكلفة الاستثمارية للمنشأة وأصبحت الآن لا تغطي 30 %.
وتابع: "إذا يساهم الإنتاج السوري بالتخفيف من وطأة التضخمات الكبيرة التي يمكن أن تنشأ بالاقتصاد ولكنه لا يمكن أن يحل الآن الأزمة السورية الاقتصادية بشكل كامل".
وختم قائلا: "لولا الإنتاج الحقيقي الآن (تحديدا الزراعي والصناعي) لكان سعر صرف الدولار الآن 1500 إلى 2000 ليرة سورية، ولكن بنفس الوقت يجب أن يكون هناك ورشة أكبر لاستعادة المؤشرات الاقتصادية الأساسية".
وكان الخبير نفسه قد صرح أمس الأربعاء لإذاعة "شام إف إم" حول ارتفاع أسعار الصرف في الفترة الأخيرة قائلا: "لا يوجد سبب وحيد حول هذا الارتفاع، هناك عدة أسباب، فهذه الأسباب تجتمع مع بعضها وكل واحد منها يؤدي إلى ارتفاعه بنسبة معينة، فأولا يوجد ارتفاع عالمي للدولار وليس فقط في سوريا وهذا سببه التهويلات باندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة واحتمالات انقطاع التوريدات النفطية وبالتالي الاحتفاظ بالدولار، وثانيا العقوبات على سوريا والتي بدأ تأثيرها يظهر من 15 تشرين الأول 2018، وهذه العقوبات تؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف".
وأضاف: عندما بدأت حاجة السوق السورية للاستيراد، وبوجود الصعوبات نتيجة العقوبات، هذا الأمر أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، أما موضوع حرق المحاصيل فهذا له تأثير، ولكن تأثير داخلي على التوازن بين الليرة والدولار".
وكشف الخبير عن نزاع، قائلا: منذ فترة اندلع نزاعا، من خلال محاولة بعض التجار ورجال الأعمال لا سيما المسؤولين عن قطاع التصدير، فعندما حصلوا على كمية من الدولارات، وأرادوا إعادة تصريفها، وبالتالي بدأ الضغط على البنك المركزي من أجل رفع سعره، لأنهم لا يرغبون بتصريف دولاراتهم فق سعر المركزي، ومن هنا بدأ الضغط على السوق السوداء من أجل رفع سعر الصرف، من أجل أن يلحق المركزي سعر الصرف الموجود في السوق، والبنك المركزي لم يفعل ذلك".
وقال أحمد: "البنك المركزي كان أمامه خيارين، إما الدخول إلى السوق لضخ الدولار في السوق السوداء وهذه السياسة سابقا (الضخ لشركات الصرافة) التي كان لها باب خلفي وبالتالي تسريب ثروة الوطن والمواطن، والآن من الصح أنه لم يفعل ذلك، والخيار الثاني هو أن يرفع سعر الصرف الموجود لديه من أجل يكسب الحوالات التي تأتي من خارج سوريا، ولكن لهذ اأيضا محاذير، فبمجرد رفع سعره، فهذا يعني أنه يثبت سعر السوق السوداء".
وأضاف أن الحكومة أصدرت قائمة المواد التي تمولها، أي التي تدفع من أجلها الكتلة المحددة من الدولارات لاحتياجات المواطنين (وفق سعر المركزي)، والتي حددت 45 مادة، وهي تشكل 60% من حجم المواد المسموح استيرادها، و لكن بعض التجار الجشعين لا يقبلون بالربح المنطقي ويرفعون أسعارهم وفق سعر السوق السوداء".
وأكد أنه الأهم من موضوع قيمة سعر الصرف، هو استقرار هذا السعر.