فهل تنجح تلك الأصوات في تحقيق العدالة الشاملة و الناجزة والتي قامت من أجلها الثورة وأسقطت نظام البشير، وهل تخضع تلك المطالبات لضغوط دولية ومساومات سياسية في ظل الأوضاع والأزمات التي يعيشها السودان..فما الذي تحمله الأسابيع المقبلة...
العهود والمواثيق
وأضاف رحمة، الحديث عن تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية يدعونا للحديث عن التوقيعات التي أقرها ووقعت عليها الحكومة مثل اتفاق روما 2002 والذي أقرت الحكومة ولم يجيزه البرلمان، بالتالي السودان غير عضو في اتفاق روما أو المحكمة الجنائية الدولية، لذا فإنه غير ملزم بأي من مطالبات تلك الجهات، ومع ذلك هناك ميثاق الأمم المتحدة وحكومتها العالمية المصغرة "مجلس الأمن الدولي"، والسودان وقع على ميثاق الأمم المتحدة وملتزم بتنفيذ ما يصدر عنها من قرارات.
جماعات الضغط
وتابع أمين السياسات "إذا صدر قرار بحق السودان من مجلس الأمن وجب علينا تنفيذه وفقا لقيمنا وأخلاقنا، ومطالبات تسليم البشير قبل السقوط، كان نوعا من الضغط على الحكومة السودانية السابقة نتيجة ضغوط من الشعوب الغربية على حكوماتها والسياسيين في الكونغرس الأمريكي، ومقتل أو تشريد الأفارقة بالنسبة للإدارة الأمريكية ليس مهما، ولذا كان الضغط من الكونجرس جاء نتيجة ضغوط من السود والمسيحيين المؤثرين في السياسة، ومورست في السابق من أجل الضغط على السودان لفصل الجنوب في العام 2009 مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستجاب البشير وأجاز قانون يتيح للجنوب الاستفتاء على مسألة الإنفصال، وانفصل الجنوب وبقي السودان في القائمة السوداء".
التسليم للمحكمة
وأكد رحمة، أن حديث الحكومات الغربية عن تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية هو سياسي، وفي تقديري الحكومة الحالية لن تسلم البشير، لأن تسليم البشير للمحكمة يعني كشف أوراق كثيرة وفتح ملفات، وفضح الأسماء التي قامت بالمجازر في دارفور وقد يكون بعض هؤلاء لهم علاقة بالسلطة الحالية.
قرار مجلس الأمن
وقال الدكتور محمد مصطفى مدير المركز الأفريقي العربي لبناء ثقافة الديمقراطية والسلام لـ"سبوتنيك"، إنه بموجب قرار مجلس الأمن الدولي قد تم تحويل ملف جرائم دارفور للمحكمة الجنائية لغرض التحقيق وتوجيه تهم للمتورطين، وبعد جمع الأدلة والاستماع لأقوال الشهود وجهت المحكمة الجنائية الدولية تهما تتعلق بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم ضد الإنسانية لرئيس جمهورية السودان المشير عمر حسن أحمد البشير عام ٢٠٠٨.
وأضاف مصطفى، كما وجهت ذات التهم لأحمد هارون وعلي كوشيب وعبد الرحيم محمد حسين وآخرين، ولأن البشير على رأس النظام رفض المثول أمام المحكمة، كما رفض تسليم أي متهم وظل متمسكا بالسلطة مستخدما كل الوسائل الخشنة للبقاء فيها إلى أن انتفض الشعب وأطاح بنظامه.
مطالب الثورة
حبل المشنقة
وتابع مدير المركز الأفريقي العربي، في تقديري أن تسليم البشير وأعوانه للجنائية أفضل لهم من محاكمتهم بالقانون الجنائي السوداني، لأنهم وإذا تمت محاكمتهم في السودان سوف يكون مصيرهم حبل المشنقة لأن القانون الجنائي السوداني يجيز حكم الإعدام، لكن إذا سلموا للمحكمة الجنائية سوف يعيشون في السجون حياة رغدة، والحكومة الانتقالية قادرة على ذلك بحكم الوثيقة الدستورية الإنتقالية وبحكم الشرعية الثورية وبإرادة الثوار وصوت الشارع العام الذي يدعم بشدة سيادة حكم القانون وإجراء العدالة الإنتقالية.
أحلاهما مر
وأشار مصطفى إلى أن التسليم للجنائية أو البقاء في السودان بالنسبة للمتهمين هم خيارين أحلاهما مر ولكن التسليم بالنسبة لهم أهون وأرفق بهم، فالمحكمة الجنائية لا تجيز حكم الإعدام الذي يجيزه القانون السوداني.
المطلوبين للجنائية
ومن جانبه قال خليل أحمد دود الرجال رئيس مفوضية العدالة الشاملة بالسودان لـ"سبوتنيك" يتألف القانون الجنائي السوداني من ١٨٥ مادة لم تنص أي منها على الجرائم المصنفة بالخطيرة بحسب نظام روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية، وعليه فإن القانون الجنائي السودان غير آهِل لمحاكمة البشير والذين يشتركون معه جنائيا في جرائم دارفور أمثال ابن عوف وعبدالرحيم محمد حسين وموسى هلال وعلى كوشيب وأحمد هارون وهؤلاء هم الستة الذين أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال بشأنهم.
وأضاف رئيس العدالة الشاملة، لدى محكمة الجنايات الدولية قائمة أخرى تضم نحو ٥٦ متهما، ونحن كمفوضية عدالة شاملة في السودان لدينا قائمة متهمين تفوق قائمة محكمة الجنايات بأضعاف كثيرة، نرى أن التكييف القانوني لجرائمهم (ضد الانسانية وجرائم حرب وجرائم إبادة جماعية) ولم نر نصا في القانون السوداني قادر على معالجة تلك الانتهاكات الجسيمة.
مسرحية المحاكمة
وأشار دود الرجال إلى أن نظام الإنقاذ وخلال الـ ٣٠ عاما من حكمه لم يعين في القضاء إلا من يدين له بالولاء الديني والتنظيمي، الأمر الذي أفقد القضاء نزاهته وعدالته ومساواته، وكل المعايير المعروفة التي يجب أن يتسم بها أي جهاز قضائي يرغب في إرساء قيم العدالة، وبالتالي ما يواجهه البشير من محاكمة بشأن اختلاس أموال، ما هي إلا مسرحية يراد بها إلهاء الشعب واستفزاز أسر الضحايا.
أما بشأن حديث المسؤولين عن تسليم البشير للعدالة من عدمه فقال دود الرجال، الحكومة متمثلة في المجلس العسكري ترفض ذلك على لسان أكثر من مسؤول، ولم يكن لرئيس الوزراء النية في ذلك، تصريحه في قناة فرانس ٢٤ خلال شهر أكتوبر/تشرين أول ليس دليل على نيته تسليم البشير للجنائية الدولية، وفي حال تم الضغط من الحكومات الصديقة للسودان والمنظمات ومجلس الأمن صاحبة القرار ١٩٥٣، والذي بموجبه أحيل ملف دارفور إلى الجنائية، إذا تم تسليم البشير بفعل تلك فإن تسليم بقية الجناة سيكون يسيرا جدا، لكن لا اعتقد أن يتم هذا الأمر في الوقت الراهن، إلا بضغوط شعبية دولية غير ذلك لن يكون للحديث أي جدوى.
وفي 30 يونيو/ حزيران 1989، نفذ البشير انقلابا عسكريا على حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، وتولى منصب رئيس مجلس قيادة ما عرف بـ"ثورة الإنقاذ الوطني"، وخلال العام ذاته أصبح رئيسا للبلاد.
وأُودع البشير، سجن كوبر، شمالي الخرطوم، عقب عزل الجيش له من الرئاسة، في 11 أبريل/ نيسان الماضي، بعد 3 عقود في الحكم، تحت وطأة احتجاجات شعبية متواصلة منذ نهاية 2018.