فالصابة القياسية التي سجلتها تونس هذا العام والتي تجاوزت ضعف ما حققته في الموسم الماضي الذي بلغ فيه الإنتاج 140 ألف طن، تحولت إلى نقمة بالنسبة لمنتجي زيت الزيتون بسبب عجزهم عن التصرف في فوائض الإنتاج وتراجع أسعار الزيت من أربعة دولارات للتر الواحد إلى دولارين هذه السنة.
شوط جديد من الاحتجاجات
ويؤكد رئيس النقابة التونسية للفلاحين فوزي الزياني لـ"سبوتنيك"، أن تواصل الأزمة وغياب الحلول الجذرية لإنقاذ القطاع دفع المزارعين إلى اتخاذ قرار بالدخول في شوط جديد من التحركات الاحتجاجية خلال الأيام القليلة القادمة، على خلفية تواصل تدني أسعار زيت الزيتون التي لا تغطي كلفة الإنتاج، فضلا عن عزوف أصحاب المعاصر والتجار على قبول محاصيلهم من الزيتون وشرائها، وهو ما سيتسبب لهم في خسائر كبيرة.
ويعتبر محدثنا أن منتجي زيت الزيتون يمثلون حلقة هامة في السلسلة الاقتصادية، فتصدير زيت الزيتون يمثل ثاني مورد للعملة الصعبة في تونس بعد السياحة بـ 2200 مليار من العملة، وهو ما يحتم تدخل الدولة لدعم هذه الثروة الوطنية من خلال تخزين زيت الزيتون في مخازن الديوان الوطني للزيت، وتقديم دعم خاص لكل فلاح عند الإنتاج حتى يتمكن من عصر محصوله من الزيتون.
وشهدت مختلف مناطق الجمهورية قبل أسبوعين تحركات احتجاجية للمزارعين أمام الفروع الجهوية لوزارة الفلاحة، طالبوا خلالها بحماية صابة الزيتون ومراجعة الأسعار المعروضة من وزارة الفلاحة التي يعتبرونها استخفافا بتضحياتهم ودعما للمحتكرين، حسب توصيف اتحاد الفلاحين الذي دعا إلى تنفيذ هذه التحركات.
ديوان الزيت تخلى عن مسؤوليته
ويرى رئيس النقابة التونسية للفلاحين أن معضلة زيت الزيتون تعود بالأساس إلى تخلي الديوان الوطني للزيت (هيكل حكومي تعديلي) عن دوره التاريخي في مساندة قطاع زيت الزيتون ومساعدة الفلاحين وأصحاب المعاصر على التصرف في منتوجهم، معتبرا أن "تدخلات الديوان كانت ضئيلة جدا خلال السنوات الأخيرة التي اكتفى فيها بشراء كميات صغيرة من الزيت تتراوح بين 3000 و5000 آلاف طن وهو معدل ضئيل مقارنة بما ينتجه المزارعون".
ويضيف الزياني أن دور ديوان الزيت هو دور تعديلي يتمثل في شراء كميات من زيت الزيتون من المزارعين في بداية الموسم وخزنها ثم بيعها طوال السنة، موضحا أن عملية بيع زيت الزيتون لا تتم في ظرف شهر أو اثنين وإنما طوال 12 شهرا تقريبا اعتبارا إلى أن الاستهلاك يمتد على مدار السنة.
ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى تواصل هذه الأزمة هي أن العرض هذا العام يفوق الطلب على زيت الزيتون في العالم، وهو ما انعكس سلبا وفقا للزياني على وضع هذا المنتوج في تونس، موضحا أن الإنتاج العالمي قدر هذه السنة بـ 3 ملايين و200 ألف طن من زيت الزيتون وهو معدل يتجاوز الكميات المقدرة للاستهلاك.
من جانبه يرى عضو الاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري عبد الرزاق كريشان في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الإجراءات التي أعلنت عنها مؤخرا وزارة الفلاحة ممثلة في الديوان الوطني للزيت بضخ 100 مليون دينار لدعم الزيت ليست إلا حلولا ترقيعية ولا يمكنها أن تحل أزمة القطاع التي تتطلب تدخلات عاجلة وضخ اعتمادات مالية ضخمة لاستيعاب الكميات الموجودة من الزيت، وتحسين وضعية المعاصر التي تعاني عدة صعوبات، معتبرا أن تحسين مردودية منظومة زيت الزيتون وضمان استمراريتها مسؤولية وطنية مشتركة.
وكانت رئاسة الحكومة أقرت هذا الشهر خلال اجتماع وزاري جملة من الإجراءات لحلحلة أزمة زيت الزيتون، منها تمكين الديوان الوطني للزيت من ضمان بقيمة 100 مليون دينار لتعزيز قدرته على التدخل بالسوق الداخلية لاقتناء كميات من زيت الزيتون.
كما أقرت أيضا شطب فوائض التأخير الموظفة على القروض البنكية الممنوحة لفائدة أصحاب المعاصر ومصدري زيت الزيتون الذين جابهوا صعوبات ظرفية خلال الموسمين الأخيرين وإعادة جدولة القروض.
وتحتل تونس المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا من حيث إنتاج زيت الزيتون، الذي توجه 20% منه إلى الأسواق الداخلية للاستهلاك، وتخزن 10% منه، بينما تصدر الكميات الأخرى إلى الخارج وخاصة إلى الدول الأوروبية.