ففي الوقت الذي تعوّد فيه التونسيون استقبال الشهر الفضيل بالتزاور الأسري وتقريب صلة الرحم، انحصرت معايدات الأهالي هذه السنة على تبادل المباركة بالهواتف وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
تباعد في شهر التقارب
يقول كريم الرابحي (41 عاما) لـ"سبوتنيك"، إنه "سيمر رمضان هذا العام دون طعم، فقد اعتدنا خلاله الاجتماع بعائلاتنا الموسعة ونصب الموائد مجتمعين فرمضان للسهر وللقاء الأقارب والأحبة، لكن حظر التجول بين المدن منعنا من الانتقال إلى البلدة لمعايدة أهالينا، ناهيك عن خوفنا من نقل العدوى لهم عبر التنقل في مواصلات لا نعلم مدى التزام أصحابها بقواعد الوقاية".
من جانبها تقول وحيدة قادر (28 عاما) وهي صحفية تقيم في محافظة تونس العاصمة، التي تتصدر قائمة المحافظات الأكثر تسجيلا للإصابات بفيروس كورونا، إن الوضع الصحي الاستثنائي كسر عادتها السنوية في قضاء الأيام الأولى من شهر رمضان في محافظتها الأم "سليانة" حيث تسكن عائلتها.
وتضيف "المستجدات الصحية المتغيرة التي تشهدها تونس بسبب فيروس كورونا، حتمت علينا مواصلة العمل خلال هذه الفترة وتأجيل موعد استراحتنا السنوية إلى وقت لاحق".
قيود على العادات
الشوارع التونسية التي اعتاد فيها الباعة نصب موائدهم من التمور وحلويات الزلابية والحلقوم وغيرها من المأكولات التي يشتهي الصائمون الإفطار عليها، خلت هذا العام من الحركة المعهودة، واكتفى بعضهم بنصب المواد الأساسية من الخضر والغلال لتأمين ما لزم من وجبات الصائمين.
يقول محمد بن سالم وهو بائع خضر، إنه "عادة ما يستبدل الباعة في هذا السوق وخاصة منهم المتجولون منتجاتهم المعتادة بأخرى تشهد إقبالا كبيرا خلال شهر رمضان كخبز الطابونة والملصوقة والأطباق والأواني الفخارية التي يحب التونسيون تناول "الشربة" (حساء) فيها".
ويتابع "منتجاتنا من الخضر والغلال واللحوم كالملح لا تغيب عن الطعام، ولولا ذلك لكسدت مهننا وبقينا في منازلنا".
ويعد شهر رمضان من أكثر المواسم التي تزدهر فيها الأسواق وتنتعش تجارة الباعة وأصحاب محلات بيع الحلويات والأجبان والفواكه الجافة والتوابل، إذ تحرص فيه العائلات التونسية على تأمين ما لذ وطاب من المأكولات الرمضانية التي قل غيابها عن موائد الإفطار بغض النظر عن المقدرة الشرائية للمواطنين، كما يعول العديد من التجار خلال شهر رمضان على إحياء تجارتهم وتعويض الكساد الذي يشهدونه خلال بقية السنة.
ويحذر ناشطون وخبراء من ركود بعض المهن التي عادة ما تزدهر خلال شهر رمضان على غرار حرفيي الفخار، وصناع الحلويات، وأصحاب المقاهي، وحتى باعة الملابس الذين يقصدهم التونسيون خلال هذا الشهر لاقتناء ملابس العيد لأطفالهم تجنبا للاكتظاظ الذي يسبق العيد.
رمضان دون تراويح
فيروس كورونا حرم التونسيين أيضا من الطقوس الدينية التي اعتادوا ممارستها طيلة الشهر الفضيل، فالمساجد أقفلت أبوابها واكتفى المؤذنون برفع الأذان لدى حلول موعد كل صلاة، تقيدا بالتعليمات الصحية التي أصدرها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، في إطار الإجراءات الرامية إلى الحد من انتشار وباء "كوفيد 19"، والتي شملت تعليق الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة التراويح التي يقبل المصلون على أدائها بكثافة خلال شهر الصيام، وحتى أولئك الذين لم يعتادوا دخول المساجد تجدهم خلال رمضان يرتادونها بكثافة استئناسا بغيرهم.
ومن المتوقع أن ينقطع التونسيون هذا الشهر عن تنظيم المناسبات العائلية على غرار الطهور وعقد القران أو الخطوبة والتي يحب الكثيرون تنظيمها في منتصف شهر رمضان أو خلال ليلة القدر تبركا بهذه الأيام.
فتاوى استثنائية
وأصدرت العديد من الدول العربية ومن بينها تونس العديد من الفتاوى الإسلامية التي تنظم عملية الصيام والصلاة خلال شهر رمضان وخاصة صلاة التراويح.
وفي هذا الصدد، يؤكد الداعية الشيخ قيس القسنطيني لـ"سبوتنيك" أن حفظ الحياة البشرية من أوكد الأولويات التي تنص عليها الشريعة الإسلامية، مضيفا أن فقهاء الدين أجمعوا على تجنب التواصل الذي تفرضه صلاة الجماعة داخل المساجد، استنادا للمعطيات الطبية التي تؤكد أن فيروس كورونا يمتاز بسرعة انتقال العدوى وبخطورته على حياة الإنسان.
ويقترح القسنطيني أن يصلي كل رب أسرة بعائلته وأبنائه في بيته، استناسا بسلوك محمد (رسول الله) الذي كان يصلي صلاة الجمعة في المسجد والتراويح في منزله حتى لا تكون بيوت الناس مثل المقابر، ويؤكد القسنطيني أن صلاة التراويح ليست مفروضة على المسلمين بل هي سنة وبالتالي من الممكن الاجتهاد في أدائها على حد قوله.
وفيما يتعلق بصوم المصابين بفيروس كورونا، يقول القسنطيني إن الحفاظ على النفس مقدم على العبادات، وأنه يجوز للمريض الفطر خلال شهر رمضان، مضيفا أن حكم الصوم على هؤلاء يعود إلى أهل الاختصاص من الأطباء الذين لهم أهلية اتخاذ القرار حسب الحالة الصحية للمريض.
وكان مفتي الجمهورية التونسية عثمان بطيخ، قد دعا التونسيين إلى أداء صلاة التراويح وغيرها من الصلوات في منازلهم وعدم تعريض أنفسهم لخطر العدوى.