ورغم الموازنة التريليونية التي وضعتها الحكومة السعودية لعام 2020، والإجراءات الإصلاحية التي اتخذها ولي العهد محمد بن سلمان، حقق اقتصاد المملكة خسائر كبيرة اضطرت معها الحكومة إلى تخفيض الموازنة وكذلك موازنة برنامج الرؤية، وفرض إجراءات تقشفية قوية على القطاعين العام والخاص.
ومثّل انهيار أسعار النفط العالمية، وما تبعه من اتفاق تخفيض الإنتاج ضربة أخرى للاقتصاد السعودي، الذي يسعى إلى رفع إنتاج المعدلات غير النفطية، وتقليل الاعتماد على النفط، لتفادي مثل هذه الأزمات مستقبلًا.
أرقام مهمة
للإجابة عن هذه التساؤلات بات من الضروري الوقوف على عدة أرقام سجلتها المملكة في الفترة الأخيرة، فعلى الرغم من تعديل وكالة التصنيف الائتماني "موديز" نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية نتيجة للصدمات الخارجية على أثر جائحة كورونا، أبقت على تصنيف السعودية عند (A1) ما يؤكد استقرار الاقتصاد السعودي في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تضرب العالم.
وأكدت الوكالة في تقريرها الائتماني أن تصنيف المملكة مدعوم أيضا بسياسة نقدية فعالة، تحافظ على مصداقية ربط سعر الصرف والاستقرار المالي والاقتصادي الكلي مع إشارات تحسن فعالية السياسة المالية الناتجة عن الإصلاحات المالية الهيكلية، بما في ذلك إطار إدارة مالية عامة متوسطة الأجل، مشيرة إلى أن خطط تنويع اقتصاد المملكة بعيداً عن النفط من الممكن أن تسهم في رفع إمكانات النمو على المدى المتوسط.
وكشفت بيانات الميزانية السعودية أن الإيرادات غير النفطية للسعودية شكلت نحو 33% من إجمالي إيرادات ميزانية السعودية للربع الأول من العام الجاري، لتبلغ 63.3 مليار ريال، فيما إجمالي الإيرادات النفطية 192.1 مليار ريال.
وبلغت قيمة الإيرادات الضريبية على السلع والخدمات 30.4 مليار ريال، والإيرادات الأخرى 23 مليار ريال. ومثلت الإيرادات النفطية نحو 67% من إجمالي الإيرادات في الربع الأول 2020 بعد أن بلغت نحو 128.8 مليار ريال.
ويعكس ذلك أن استراتيجية السعودية الرامية لتنويع مصادر الدخل عبر رؤية 2030، حيث نسبة كان النفط يُشكل قبل تطبيق الرؤية نحو 90% من الإيرادات.
كما قررت تخفيض ميزانيات مبادرات برامج تحقيق رؤية 2030 والمشاريع الكبرى بنحو 30 مليار ريال، ضمن خطة تخفيض كبرى شملتها العديد من النفقات التشغيلية والرأسمالية بنحو 100 مليار ريال، لتخفيف التداعيات التي خلفتها أزمة جائحة كورونا المستجد.
كورونا وخريطة الاقتصاد
الدكتور عبد الله المغلوث، عضو الجمعية السعودية للاقتصاد، قال إن "الظروف التي يمر بها العالم أجمع ومن بينها المملكة العربية السعودية بسبب انتشار فيروس كورونا، غيرت الكثير من المعادلات الاقتصادية".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "التغيرات التي طرأت أضرت بمجال السياحة على مستوى العالم، أما بالنسبة للاستثمار فسوف يشهد انتعاشًا مجددًا بعد انتهاء أزمة كورونا".
وأكد المغلوث أن "رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تستهدف بشكل رئيسي تنويع وتحسين مصادر الدخل، وهذا يرجع في الأساس إلى الاستثمارات وجذب المستثمرين، والترفيه والرياضة، إضافة إلى تصدير المنتجات السعودية إلى دول العالم".
وأشار إلى أن "المملكة تتابع الظروف والتطورات بشكل مستمر، وتحاول تقديم خطط مرنة، حيث قامت باقتطاع 150 مليارًا من ميزانيتها، بحيث لا تزيد عن 5% من حجم الإنفاق في الموازنة، حيث تملك المملكة ميزانية ترليونية، والخفض الجزئي في بعض البنود يساهم في استمرارية العطاء".
وأنهى حديثه قائلًا: "المملكة تدرك جيدًا مسؤولياتها على مستوى العالم، والأزمات التي يمر بها، والمركز المالي للمملكة قوي، باعتبارها أكبر مصدر النفط، وتملك احتياطات كبيرة، يمكن السعودية من تجاوز كل العقبات، ومواجهة أي تحديات".
رؤية وعوائد غير نفطية
من جانبه قال المستشار المالي والمصرفي والاقتصادي السعودي، ماجد بن أحمد الصويغ، إن "المملكة العربية السعودية برؤية ملكية ثاقبة، وقيادة شابة متفائلة تمضي قدمًا في طريق تحقيق رؤية 2030، في ظل التحديات التي تواجه العالم جراء انتشار فيروس كورونا، وفقا لخطة استراتيجية ينفذها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية".
وأكد أن "هناك مشاريع عملاقة قادمة سيكون لها أثر إيجابي في الدخل غير النفطي في المملكة العربية السعودية حتى الوصول إلى عام 2030 مثل مشروع الجدية، أو نيوم وغيرها من المشروعات العملاقة التي تعكف المملكة على تنفيذها".
إدمان النفط
وفيما يخص تحرير الاقتصاد السعودي من إدمان النفط، قال: "الاعتماد على النفط ليس إدمانًا وإنما نعمة من الله بها على المملكة، ولكن هناك أهداف مهمة تتمثل في تنويع مصادر الدخل، وإدارة الاستثمارات والأصوال الحالية، كي لا يكون النفط هو المصدر الرئيسي للمملكة، خاصة في ظل التحديات المتمثلة في هبوط سعر برميل النفط من 72 دولارًا إلى 21 فقط".
وتابع: "المملكة تتخذ إجراءات قوية لمواجهة التحديات، عن طرق خطة مرنة، وتسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف الرؤية 2030، والتي تهدف إلى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 43 مليار دولار إلى 263 مليارًا، وزيادة حصة القطاع الخاص من 40% إلى 65% من إجمالي الناتج المحلي، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر من 3.8 إلى 5.7% من الناتج المحلي".
واستطرد: "وكذلك تحاول المملكة خفض البطالة من 11.6 إلى 7% بحلول عام 2030، وكذلك زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30، وخلق فرص عمل إضافية، وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة من 20 إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي".
تنويع الاقتصاد ومستقبل مشرق
وبسؤاله عن إمكانية أن يصبح الاقتصاد السعودي متنوعًا، أجاب بالقول: "بالطبع سيكون متنوعًا من سياحة وإنتاج وتصدير، واستثمارات مختلفة، حيث أخذ الاقتصاد السعودي طابعًا إيجابيًا وتغير الفكر نحو الإنتاجية، بفضل القرارات والإصلاحات الأخيرة التي اتخذها ولي العهد، محمد بن سلمان".
وعن الخطوات الاقتصادية القادمة، قال: "الخطوات القادمة والمتوقعة ما بعد مرحلة كورونا، ستكون كما أعلن وزير المالية مبنية على شد الحزام وتغيير النمط الاستهلاكي والادخاري والاستثماري لدى الفرد والمجتمع وكذلك لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة والعملاقة والتي كانت تبحث عن توسعات قادمة".
وأنهى الصويغ حديثه قائلًا: "النفط سيبقى مطلب العالم حتى ولو وجدت سبل أخرى للطاقة، سواء الشمسية أو النووية، بيد أن المملكة تتطلع حكومة وشعبا لأن يكون القطاع غير النفطي رافدًا مساويًا للقطاع النفطي لدخل المملكة من أجل مستقبل وجيل مشرق قادم".
تفاؤل سعودي
وأعلنت السعودية، رفع الإغلاق عن الأنشطة التجارية والقطاعات الحيوية في الاقتصاد الوطني، بشكل تدريجي وصولاً إلى فتح كلي في يونيو/حزيران المقبل، بعد أن استمر منع التجول والإغلاق لما يفوق شهرين مع الإجراءات الاحترازية المشددة والتنظيمات الوقائية الدقيقة في مواجهة تفشي وباء كوفيد19 وتداعياته الصحية في البلاد.
وأكدت السعودية قدرتها على استيعاب الظروف الراهنة، واستيعاب تحدي تراجع الإيرادات والعجز في الميزانية للعام الحالي، مستندة في ذلك إلى ما تمتلكه من متانة في اقتصادها الوطني بما يحوي من مقدرات لتخطي عقبة انخفاض النفقات جراء أزمة كورونا.
وشدد وزير المال السعودي محمد الجدعان على متانة اقتصاد المملكة وقدرته على التعامل مع أزمة الجائحة رغم الحاجة الملحة لخفض النفقات، موضحاً أن "الاقتصاد السعودي قادر على استيعاب تراجع الإيرادات والعجز في الميزانية، والتعامل بمرونة واحترافية مع التداعيات الراهنة، رغم كل الضغوط التي تخلفها الحاجة الملحة لخفض النفقات".