ويرى خبراء علم الاجتماع أن عزوف الشباب عن الزواج قد لا يكون بسبب الظروف المادية فقط، بل بسبب المخاوف مما بعد الزواج نتيجة مواد قانون الأحوال الشخصية الذي يرونه غير متوازن ويعمل لحساب المرأة دون الرجل، الأمر الذي يجعل مستقبل الشاب مهدد بقانون جائر قد يساء استخدامه.
يظلم الرجل
قالت الدكتورة هدى بدران رئيس الاتحاد النسائي المصري، إن قانون الأسرة الحالي لم يتغير حتى الآن ولا يمكن المرأة بشكل كبير كما في بعض البلاد الأخرى التي تعطي الزوجة الحق في اقتسام أي ثروة كونها زوجها بعد الزواج، فإن لم تكن تعمل معه فهي قد ساعدته في تكوين تلك الثروة، والفكرة أن تلك الزوجة وإن لم تكن تعمل وسوف تطلق فمن أين تعيش.
وأكدت رئيس اتحاد نساء مصر لـ"سبوتنيك"، أن قانون الأسرة الحالي يظلم الرجل، فمن حق الرجل بعد الانفصال عن زوجته أن يرى أولاده بطريقة غير مهينة، فليس منطقيا أن يرى أولاده ساعتين أو ثلاثة في أحد الأندية أو قسم الشرطة ثم يرحل، كما أنه حق للطفل أيضا، وهنا أنا احرم الطفل من أن يرى والده لوقت كافي وهناك أباء جيدين، لكن القانون يحرم الطفل أن يذهب للعيش مع أبوه نهاية الأسبوع، وتكون هناك بعض الضوابط لكيفية قضاء هذا الوقت مع والده وأن يكون البيت مؤتمن سواء كان بنت أم ولد.
وأضافت بدران، القانون الحالي للأسرة لا يمكن المرأة وحدها ولا الرجل وحده وبه عيوب تمس الجانبين، ولذا يجب مراجعة هذا القانون حتى لو انتهت العلاقة الزوجية تنتهي باحترام، وتضمن حقوق الطفل عند الطلاق، لأنه الوحيد الذي يمسه الضرر الأكبر، لذا يجب مراجعة القانون مراجعة كاملة شاملة لا تظلم الرجل أو الست ولا تظلم الطفل بشكل خاص.
الخلع
وأشارت بدران إلى أن قانون الخلع لا يهين المرأة وأنصفها ضد تعنت الرجل الذي لم يعيش معها وفي نفس الوقت لا يطلقها ويتركها لا هى متزوجة ولا مطلقة، لكن الشيء السلبي في القانون هو قيام المرأة برد الشبكة والمهر ، واتمنى أن لا يكون هناك خلع وعندما تستحيل الحياة بينهما يتفقا على الطلاق بدون اللجوء للمحاكم، والشيء المهين للمرأة أيضا هو ما يسمى "نفقة المتعة" من الرجل للمرأة بعد الطلاق وكأن المرأة أداة لمتعة الرجل، لكن ما يجب أن يتم هو أن لا تكون الأمور انتقامية بين الطلاق وأن يتعاونوا في الإنفاق على الأولاد، يجب أن يتقاسموا الإنفاق إذا كانت غنية أو تعمل ، لأنهما أولادها كما أنهم أولاد الرجل ايضا.
مخاوف الشباب
وقال عبد المنعم صبري رئيس جبهة أرامل مصر من الرجال، إن الكثير من مواد قانون الأسرة أحدثت مخاوف لدى الشباب من عملية الزواج، الطبيعي أن الميزان الفاصل بين طرفي عقد الزواج هو القانون العادل المنصف، وعندما نتحدث عن هذا نسمع من يقول "عند حدوث خلاف يجب أن تجلسوا وتتصافوا"، والحقيقة أن من يستطيعون الجلوس للحل لا يذهبون إلى المحاكم.
وأضاف صبري لـ"سبوتنيك"، كون الزوج والزوجة وصلوا للقانون لكي يفصل بينهما، هذا يعني ان المحاولات الودية فشلت ومن المفترض أن يفصل بينهما قانون عادل، هذا القانون يجب أن يكون ترتيبه الأهم ثم المهم، والأهم هنا هو الطفل ثم الأب والأم.
مشاهد مخيفة
وأشار رئيس جبهة أرامل مصر إلى أنه في أغلب الأسر المصرية يرى الشباب حالات الطلاق والنزاعات، وحالات الانفصال لها طرفان، وهنا يرى الشاب أخوه او خاله أو عمه أو صديقه، مطلق ويكتوي بنار المحاكم، فأصبحت محددات الشاب للارتباط صعبة ، ولم تعد تكاليف الزواج هى سبب العزوف وحدها بل المخاوف من الفشل أصبحت في المقدمة، وأصبح طالب الزواج يضع نفسه في نقاط الأمان من البداية حتى لا يكرر التجارب التي شاهدها في المقربين.
وأوضح صبري أنه أصبح اليوم هناك مركز قوة في عملية الزواج في يد طرف واحد وهو المرأة والتي تقف خلفها الكثير من أدوات الدعم، في حين أن الشاب ليس لديه أي مراكز للدعم، وهو الأمر الذي أثار الكثير من الجدل.
وأكد رئيس جبهة أرامل مصر أن الاحصاءات أثبتت أن أكثر المتحرشين من الشباب تتراوح أعمارهم بين 10-18 سنة، وهو ما يعني أن تلك الفئة من الشباب لا تجد قائد في المنزل، لأن القيم والمبادىء تورث من الآباء للأبناء، فإذا كانت العائلة مفككة فلن تجد أطفالا أسوياء.
الزواج الرومانسي
قالت الدكتورة هالة عبد القادر، مديرة المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة، إن الزواج عن قصص حب مسبقة قد يكون أكثر عرضة للفشل نظرا لأن الطرفين وضعا أمامهما حياة ربما تكون غير واقعية وبعد الزواج ترى الفتاة أن أحلامها بالحياة الرومانسية والرفاهية التي ربما كانت تفتقدها في منزل الأسرة قد تبخرت، وكذا الشاب لا يرى في الفتاة ما كان يتخيله من رومنسية وعاطفة جياشة نتيجة الصدام بالواقع، هنا يكون الطلاق أقرب، على العكس من ذلك في الزواج التقليدي، حيث يكون الاستقرار أكثر لأن الطرفين يحسبان الأمور جيدا ويريدان تكوين أسرة.
وأكدت عبد القادر لـ"سبوتنيك"، أن الشاب والفتاة تقع على عاتقهم المسؤولية في فشل الزواج، ومنذ العام 2007 ونحن ننادي بفكرة ضرورة تأهيل المقبلين على الزواج، وأن نربي فيهم فكرة مؤسسة الزواج لتتواكب مع المتغيرات المحيطة بهم.
النموذج الأسري
وقالت الدكتورة إيمان دويدار، الاستشاري الاجتماعي والنفسي للأسرة والطفل، إن التنشئة الاجتماعية تلعب دورا كبيرا جدا وقد تكون سلاحا ذا حدين في إقبال أو عزوف الشباب والفتيات عن الزواج أو إقدامهم على الطلاق، لأن كثرة الخلافات بين الزوجين في ظل مراقبة من الأبناء سواء، ومن هنا يبدأ الطفل أو الطفلة في تكوين النموذج الذي سيحدد عملية اختياره في المستقبل لشريك الحياة.
وتابعت دويدار في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك" إذا كان النموذج الذي تربى فيه الأطفال سيئا، لأن الأسرة دائمة الشجار وتخرج عنها ألفاظ وسلوكيات متسلطة وغير لائقة، وفيها عدوان وعنف موجه ضد الأب، ومن هنا يبدأ الطفل في اتخاذ قراره بعدم تكرار الصورة السيئة التي يشاهدها ويعيش فيها، لأن الطفل في هذه الحالة يرى صورة الأم المتسلطة في كل السيدات، والعكس صحيح إذا كانت الأسرة تتمتع بالهدوء والتعامل الحسن والتغاضي عن المشاكل ومرونة التصرفات، حيال المواقف المختلفة في الحياة.
آراء عامة
قال محمد"ح" 33سنة لـ"سبوتنيك"، إن أحد أسباب عزوف الشباب عن الزواج هو الطلبات المغالى فيها من جانب أهل العروسة، الكثير يريد أن تكون شقة الزوجية تمليك والمهر كبير والفرح في النادي الفلاني، وليس هناك شاب يمتلك كل هذه الإمكانيات، فلو استطاع توفير الشقة في سن الـ30 سنة، فلن يستطيع توفير المهر والشبكة والعفش وتكاليف الفرح إلا بعد 30 سنة أخرى، الشاب مغلوب على أمره في ظل الظروف الحالية.
ومن جانبه قال حسام.أ "25 سنة" لـ"سبوتنيك"، لم يعد الأمر قاصرا على المهر والشبكة والزفاف فقط، فقد يساعد الأهل ابنهم في تلك الأمور، لأنهم يعلمون صعوبة أن يستطيع شاب في مقتبل العمر مهما كان عمله أن يوفر تلك الأشياء بمفرده، لكن الأخطر هو مخاوف ما بعد الزواج وأن يتحول الشاب على لص هارب من العدالة في حال ما إذا حدث خلاف مع الزوجة أو طلقها، يجد نفسه في الشارع ولا يستطيع حتى النوم على سريره في بيت والده "بلاها جواز خلينا في الأمان".
وعلى الطرف الأخر قالت سمية .ع "20 عاما" لـ"سبوتنيك"، أي فتاة تتمنى الزواج وتكوين أسرة قبل فوات الأوان لكن في هذه الأيام قد يتخوف الشاب من التقدم لخطبة فتاة لها أسرة ميسورة خوفا من طلباتهم وأيضا من بطشهم في حال الخلاف وهنا تصبح الفتاة والشاب ضحية ويضيع العمر وربما تعنس الفتاة ، يجب أن يكون هناك تيسير في القوانين ومن الأهل، رؤية الأهل صائبة ولكن قدرات الشباب صعبه "أيهما أفضل أن تعنس البنت أم تتزوج شاب على قد حاله ويحاول تحسين حالهم"؟
وكشف تقرير مركز معلومات رئاسة الوزراء المصري العام الماضي 2019، أن حالات الطلاق وصلت إلى مليون حالة في العام 2018 بواقع حالة واحدة كل دقيقتَين ونصف، وقد وصلت نسبة العنوسة بين الشباب والفتيات إلى 15 مليون حالة، وهذا يعنى أن حالات الطلاق، تتعدى في اليوم الواحد 2500 حالة، فيما يقدر عدد المطلقات بأكثر من 5.6 مليون على يد مأذون، ونتج عن ذلك تشريد ما يقرب من 7 ملايين طفل.
وبحسب إحصاءات محاكم الأحوال الشخصية، فقد تخطت حالات الخلع 250 ألف حالة 2018، أي بزيادة 89 ألف حالة بالمقارنة بـ 2017.