وتشير المعطيات الحديثة إلى إمكانية الاستفادة من الخلايا الجذعية لمكافحة جائحة كوفيد 19. وبات معلوما أن الدواء الذي عولج به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صُنع بمساعدة الخلايا الجذعية، وتحدث علماء الجامعات الروسية التي تشارك في مشروع "5-100"، عن الإمكانيات التي يمكن أن يمنحها استخدام الخلايا الجذعية الطبي للإنسان.
الخلايا الجذعية وفيروس كورونا
بات معلوما في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2020 أن الأطباء عالجوا دونالد ترامب الذي أصيب بفيروس كورونا بمجموعة من مضادات الفيروسات التي صنعتها شركة "ريجينيرون" والتي وصفها ترامب بأنها دواء ناجع عجيب.
وصنعت شركة "ريجينيرون" هذا الدواء بمساعدة خط الخلايا الجذعية المعروف باسم HEK 293 وهي خلايا جذعية مستمدة من الجنين الذي تم إجهاضه في عام 1973 في هولندا، لكن الدواء نفسه لا يحتوي على الخلايا الجذعية.
وأعلن باحثون آخرون في خريف 2020 إمكانية الاستفادة من الخلايا الجذعية لعلاج فيروس كورونا.
وتم في الولايات المتحدة الأمريكية تقديم طلب لاستخدام عقار يتمثل أساسه في الخلايا الجذعية المزنشمية لنسيج الحبل السري واقترح علماء إسرائيل عدة طرق لعلاج الأزمة التنفسية الخطيرة التي تواجه مرضى كورونا والالتهاب الرئوي، باستخدام الخلايا الجذعية.
ووفق العلماء، فإن الخلايا الجذعية المزنشمية تملك إمكانيات كبيرة لعلاج مرضى كورونا بسبب قدرتها على كبح النشاط المفرط لجهاز المناعة وقدرتها على المساعدة على علاج القصور الحاد للرئتين والأعضاء الأخرى.
ما هي الخلايا الجذعية؟
ابتكر العلماء مفهوم "الخلية الجذعية" ليشرحوا لماذا تبقى الكائنات الحية المتعددة الخلايا حية وتحافظ على نفس المظهر الخارجي على الرغم من أنها تفقد هذه الخلايا أو تلك مثل طبقة الجلد الواقية، دائما.
وتعتبر الخلايا الجذعية مادة إنشائية يستخدمها الجسم للتجديد الذاتي. وتتواجد الخلايا الجذعية داخل الجسم في كل مرحلة من مراحل نموه، ويمكنها أن تتقاسم وتتكاثر وتظل كما هي بدون تغيير. ويمكنها عند الضرورة أن تغير برمجتها أثناء التقاسم، وتخلق أنواعا أخرى جديدة من الخلايا مثل خلايا الدم والأعضاء المختلفة، لتحل محل الخلايا القديمة التي انتهت مدتها.
وكان العالم الروسي ألكسندر مكسيموف هو الذي وضع نظرية الخلية الجذعية في عام 1909، وشرح كيف يمكن أن ينشأ أنجابها، مستشهدا بخلايا الدم. وأثبت العلماء الأمريكيون في عام 1981 من خلال التجارب على الفئران وجود الخلايا الجذعية الجنينية.
وتوجد ثلاث فئات كبيرة من الخلايا الجذعية: الخلايا الجذعية الجنينية وهي خلايا جذعية مستمدة من الأجنة، والخلايا الجذعية لما بعد الولادة وهي خلايا جذعية مستمدة من الجنين بعد الإجهاض، والخلايا الجذعية البالغة وهي خلايا جذعية مستمدة من البشر البالغين.
وعلى الرغم من أن الخلايا الجذعية البالغة تملك قابلية محدودة للاستخدام بالمقارنة بأنواع الخلايا الجذعية الأخرى، وقدرة محدودة على التحول إلى خلايا أخرى إلا أنها ليست موضعا للخلاف العلمي. ويقترح بعض الباحثين استخدام هذا النوع من الخلايا الجذعية لمكافحة فيروس كورونا والالتهاب الرئوي. وتُستخدم الخلايا الجذعية البالغة اليوم في مجال الهندسة النسيجية ولاختراع أدوات التشخيص الشخصية.
وتتمتع الخلايا الجذعية الجنينية بقدرات فريدة. أولا، بإمكانها أن تتقاسم لمدة طويلة لا نهاية لها. ثانيا، يمكن أن تتحول أنجالها إلى أي خلية متخصصة مثل أحد نيورونات المخ أو الخلية الكبدية أو خلية الظهارة المعوية، عبر برمجتها على نحو مناسب.
ولكن من المستحيل لأسباب أخلاقية استخدام خلايا الأجنة البشرية في أغراض طبية أو علمية حتى أن أغلبية الدول حظرت التعامل مع نوع الخلايا هذا. ولهذا اضطر علماء البيولوجيا إلى إيجاد البديل. واصطنع العالم الياباني سينيا ياماناكا في عام 2006 ما يسمى بالخلايا الجذعية المستحثة (iPSC أو iPS)، وحصل على جائزة نوبل تقديرا لجهوده المبذولة للتوصل إلى هذا الاكتشاف.
ومن الممكن أن تمنح بدائل الخلايا الجذعية الجنينية الإنسان فرصة التخلص من الأمراض. ويمكن تخليص الإنسان من السرطان بشكل كامل من خلال استخلاص خلايا T المرتبطة بالأورام من جسمه وتعديلها وإعادتها إلى مكانها داخل الجسم، مع العلم أن خلايا T أهم أسلحة الجسم وتنشأ من الخلايا البيضاء لنخاع العظم وتضمن تمييز وتدمير الخلايا التي تحمل الأنتيجينات الدخيلة الغريبة على الجسم.
التخلص من العيوب الخلقية
بات إنشاء بدائل خلايا T ممكنا بفضل نتائج المشروع البحثي لعلماء معهد موسكو الفيزيائي التقني وزملائهم من جامعة غوانجو الصينية وجامعة هارفارد الأمريكية.
كما يستعين علماء معهد موسكو الفيزيائي التقني ومركز أبحاث الغدد الصم التابع لوزارة الصحة الروسية ببدائل الخلايا الجذعية لاختراع طريقة علاج مرضى العيوب الخلقية الوراثية التي تتسبب في الاختلال الوظيفي لقشرة الغدة الكظرية وهو مرض خطير يظهر في الأسابيع الأولى بعد الولادة ويشكل خطرا كبيرا على حياة الطفل.
وقال بافل فولتشكوف، رئيس معمل الهندسة الجينية التابع لمعهد موسكو الفيزيائي التقني، لوكالة "سبوتنيك" إن استخدام العلاج الجيني العادي في مثل هذه الحالات لا يكفي، فلأن الخلايا الجذعية لقشرة الغدة الكظرية تتجدد بسرعة فإن النسخة الوظيفية المستحضرة للجينات تنشط لمدة 8 إلى 12 أسبوعا فقط، ثم ينخفض نشاطها.
ومن أجل حل هذه المشكلة ابتكر علماء معهد موسكو الفيزيائي التقني طريقة لـ"إصلاح" الجين غير العامل. ويتم إدخال نظام تعديل الجين إلى الجسم خلال عملية تنظير البطن المنخفضة التدخل.
ويجري العلماء الأبحاث على فئران التجارب حاليًا، لكن الأمر يحتاج، لإنجاز المهمة، إلى التجارب على الجنين البشري. وهناك خياران وفقا للعلماء: إنشاء الفئران ذات الجينات البشرية أو العمل في المختبر أو في الأنبوب (invitro).
تسريع النمو وتقليل الإنفاق
وتملك الخلايا الجذعية قابلية استخدام الهندسة النسيجية لإنشاء الأنسجة والأعضاء اصطناعيا. ومن آخر إنجازات العلماء في هذا المجال إنشاء القلب البشري المجهري من الخلايا الجذعية، ومجسّم مخ الجنين والمريء.
ويعمل علماء جامعة البلطيق في مدينة كالينينغراد على إنشاء النيورونات من الخلايا الجذعية البالغة لزرعها داخل جسم الإنسان في حال إصابة النخاع الشوكي والنسيج العصبي وعندما يصاب الإنسان بالأمراض التنكسية النيورونية.
ومن أجل تحفيز تمييز الخلايا الجذعية البالغة يضيف العلماء اليوم عوامل النمو والإنزيمات إلى الخلايا وهو أسلوب باهظ التكاليف نسبيًا ويحتاج إلى وقت طويل لتمييز الخلايا الجذعية.
وتقول الباحثة يكاتيرينا ليفادا في جامعة البلطيق، نتطلع إلى تصحيح ذلك بطريقتنا المبتكرة باستخدام مواد رخيصة وبسيطة مثل البييزبوليمر، وهي طريقة تتيح تسريع تحويل الخلايا الجذعية إلى نيورونات من نوع محدد.
ومن أجل تحفيز نمو الخلايا يعمل العلماء على استحضار جزيئات مغناطيسية تنصبّ في أرضية بييزبوليمرية متجانسة بيولوجيًا. وتملك هذه المواد صفات مغناطيسية وكهربائية مترابطة.
وننوي – والكلام للباحث عبد الكريم أميروف في جامعة البلطيق – استخدام المادة الجديدة كأساس لاستنبات أجرام بيولوجية وتحفيزها باستخدام الحقول المغناطيسية والكهربائية وهو ما يمكن أن يحقق نتيجة أكثر فعاليةً بالمقارنة بالحقول الأحادية.
علاج الأورام
ويمكن استخدام الخلايا الجذعية البالغة المأخوذة من إنسان محدد لإيجاد أسلوب متميز لتشخيص الأمراض السرطانية لدى هذا الإنسان وللفحص الأولي لمواد قادرة على مكافحة الأورام.
ووفق الاختصاصيين فإن الخلايا الجذعية ليست عبارة عن مواد إنشائية لخلايا الدم والأعضاء فقط، بل تدعم نمو الأورام الخبيثة وحيويتها داخل الجسم وتحصّنها ضد المستحضرات الكيميائية العلاجية الأمر الذي يعرقل عملية التطبيب ويفرض على الأطباء والعلماء أن يبحثوا عن علاج فعال بإمكانه اجتياز هذه العراقيل.
وتستخدم الصناعة الصيدلية اليوم في الغالب ما يتم استنباته في المختبر أو في الأنبوب من خلايا ثنائية الأبعاد وهي خلايا تنمو على السطح المستوي. وكثيرا ما يتم إبان ذلك استخدام نوع الخلايا الورمية الواحد. إلا أن المجسمات الثنائية الأبعاد لا تمثل تركيبة الورم الطبيعية الثلاثية الأبعاد، ولا يمكن لها بالتالي أن تحقق النتائج الموضوعية.
ويعمل علماء العالم على إيجاد مجسِّمات جديدة للأمراض الورمية تتنوع بين نماذج بسيطة ثلاثية الأبعاد للخلايا الورمية وقِطَع الأورام وبين نماذج "تشيب" معقدة.
ويعمل علماء مركز الطب الشخصي في معهد الطب الأساسي والبيولوجيا التابع لجامعة قازان على إنشاء أنظمة الاختبارات على أساس زرع الخلايا الجذعية والخلايا الورمية والخلايا المناعية مع إضافة مادة خاصة مستمدة من خارج الخلايا لكي تتواجد الخلايا في بيئة ثلاثية الأبعاد تشبه أنسجة الجسم الورمية الطبيعية.
ويتيح هذا العمل الحصول على تراكيب نسيجية ثلاثية الأبعاد تشبه الورم داخل الجسم، ومحاكاة عمليات الانبثاث وتشكُّل القدرة على عدم التأثر بالأدوية في المختبر أو في الأنبوب.
وصرح أستاذ جامعة قازان البروفيسورألبرت رضوانوف، وهو أستاذ فخري في جامعة نوتينغيم، أن نظام الاختبار الذي اخترعه العلماء يمكن أن يصلح لاختيار العلاج الكيميائي المناسب لمريض معين باستخدام خلاياه الجذعية والورمية والمناعية.