هذا الأمر يكشف مدى خطورة فقد السيطرة على مقاليد الأمور في العراق ويطرح تساؤلات عما إذا كان العراق قد أصبح قريبا من صراعات طائفية، أم أن الأمر لا يعدو كونه صراعا سياسيا بمباركة الحكومة.
الكاظمي والصدر
وتابع لـ "سبوتنيك": "أحداث الجمعة الماضي جاءت نتيجة اتفاق رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على أن ينهي الأخير تظاهرات الشارع التي لا تتبع الصدر، ولا أي من الفصائل المسلحة التي قتلت المتظاهرين، وهي غير تابعة للأحزاب أيضا".
وأوضح: "أما من كانوا مشاركين في التظاهرات فينتمون إلى عدة جهات. الأولى مجاميع مدعومة من الكاظمي ومواقع التواصل، والجهة الثانية التي كانت موجودة مع المتظاهرين هي الأحزاب المشاركة بالحكومة، والجهة الثالثة هى الفصائل المسلحة التي تدعي المقاومة وتتبع إيران مثل "العصائب - حزب الله" وهم من قتلوا المتظاهرين".
واستطرد: "أما الجهة الرابعة فهم الصدريون "أصحاب القبعات الزرقاء" أما الجهة الخامسة وهى الأكثرية شعبية في مظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى اليوم، وهى الجهة العفوية النزيهة والتي خرجت من أجل الحقوق الشعبية، وهؤلاء غير منظمين وليس لديهم قائد وغير مدعومين من الدولة أو من أي جهة داخلية أو خارجية".
إنهاء الاحتجاجات
وتابع الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي: "هناك جهات خرجت من اللعبة ومنها الفصائل المسلحة والأحزاب، وبقي في الشارع العفويون ومصطفى الكاظمي وسائرون، اتباع الصدر، خلال الفترة الماضية".
ولفت إلى أنه "جرى اتفاق بين الكاظمي وسائرون على إخلاء الميادين من الخيام وفعلوا ذلك في ساحة التحرير ثم ذهبوا إلى ساحة "الحبوبي" وأرادوا فضها، لكن ساحة الحبوبي تختلف عن التحرير، وقاموا بزج مدنيين ملثمين في الساحة وقالوا أنهم يريدون صلاة الجمعة في الساحة وفوق الخيام كنوع من الاستفزاز للمعتصمين فلم يقبل المتظاهرون وتمت الاشتباكات وقتل 7 أفراد من المتظاهرين، وأصبح الصدر وأنصاره قتلة بالنسبة للرأي العام في الداخل والخارج، وهنا استطاع الكاظمي التخلص من مقتدى الصدر ومن المتظاهرين".
المشهد الجديد
من جانبه قال أمين عام اتحاد القبائل العربية بالعراق ثائر البياتي، إن "المشهد العراقي الجديد يتلخص في أمرين، الأول نفوذ الصدر وتوجيهاته التي تدل على محاولة تحكمه بالساحة الشيعية، وإضعاف جميع الأطراف وابتدائها باتفاق مبطن مع الكاظمي لإنهاء مظاهرات ساحة التحرير في بغداد"، مضيفا: "لم يتبق أمامهم إلا مدينة الناصرية، التي أثبتت قوتها وتماسكها بوجه كل الأحزاب والمليشيات، واستثنت مقرات الصدر من الحرق والهدم، فكانت المفاجئة بهجوم أتباع الصدر وقتل المتظاهرين وحرق الخيام، ودخول الكاظمي بقوات عسكرية من أجل تأمين المحافظة وهي خطوات مدروسة".
الولاءات والمصالح
وتابع البياتي: "الأمر الثاني هو سكوت الأحزاب الشيعية الأخرى وقادة المليشيات أثناء الاشتباكات، وتجنب أي تصريحات ومراقبة ما سيحدث في الناصرية، والتحرك على المحافظات السنية وبسط نفوذها بشكل شبه كامل عليها وتجنب مواجهة المتظاهرين في الجنوب".
وقال أمين اتحاد القبائل: "خلاصة الأمر أن الصراعات بين الأطراف الشيعية الحزبية والمليشياوية في وضع مربك، وهم الآن بين أمرين أولهما الولاء لإيران وآليات تقديم الدعم إذا صدرت الأوامر والمواجهة مع الأمريكان، والثاني محاولة الإبقاء على مكاسبهم وامتيازاتهم التي حصلو عليها، وتجنب البعض من تلك القيادات المواجهة مع الأمريكان، لكن اللعب على الحبال سيسقط أصحابه، والجميع الآن يترقب ما ستؤول إليه الأمور في أمريكا وردود الفعل الإيرانية التي ظهر ضعفها وعدم قدرتها على المواجهة، وكل مبتغاها أن يتمكن الرئيس المنتخب جو بايدن من الحكم وفتح صفحة جديدة بالعلاقات الإيرانية الأمريكية".
وأستبعد البياتي "نشوب أي حرب طائفية، وتوقع أن يثور الشعب العراقي ضد المليشيات والأحزاب".
وكانت أولى محاولات الوفد الحكومي لتهدئة الأوضاع في الناصرية (مركز محافظة ذي قار) بدأت أمس الأحد، حيث التقى رئيس خلية الأزمة، قاسم الأعرجي، شيوخ عشائر ووجهاء المحافظة.
وعن أبرز ما تم الاتفاق عليه خلال هذه الاجتماعات قال الناشط المدني في الناصرية، حسين الغرابي في حديث لوكالة "سبوتنيك": "الاجتماع مع وفد خلية الأزمة تمخض عن عدة نقاط أبرزها عدم رفع خيم ساحة الحبوبي الآن حتى لا يعتبر نصرا سياسية للجهة الميليشياوية التي اقتحمت الساحة وحماية الساحة عبر ثلاثة محاور أمنية حتى لا تخترق من قبل الميلشيات مرة أخرى وأيضا الكشف عن الجناة الذين ارتكبوا الجريمة التي أدت لاستشهاد سبعة من المعتصمين وتجريف الساحة وحرق الخيم ومنها أيضا الكشف عن مصير الناشط المدني المختطف في المدينة سجاد العراقي".
وأكد الناشط "قيام القوات الأمنية بالانتشار في ساحة الحبوبي لحماية الساحة وعودة الشباب المعتصمين إلى خيامهم في الساحة".
وبشأن ما إذا كان الوفد الحكومي قد حدد سقفا زمنيا لتنفيذ مطالب المعتصمين، بين الغرابي أن "الوفد لم يعط سقفا زمنيا لتنفيذ مطالب المعتصمين لكنه وعد بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه"، مضيفا: "لدينا أزمة ثقة مع الدولة والميليشيات هي خصمنا الأول والأخير ونسعى إلى تقوية قرار الدولة وهيبة الدولة وبالتالي نحن من جانبنا نبدي حسن النية لا أكثر ولا أقل وننتظر أن يتعاملون معنا كرجال دولة".
وتابع: "نحن سنبقى في الساحة مهما كلفنا الأمر لأن لدينا شهداء ومطالب يجب تنفيذها وحتى ناشدنا الأمم المتحدة يوم أمس وناشدنا المرجعية الدينية أن تتدخل في هذا الموضوع"، لافتا إلى أن "شعبية التيار الصدري انخفضت بعد الصدامات مع المعتصمين وبالتالي الشعب لديه من الوعي الكافي لكي يعرف من الذي يرتكب هذه المجازر".
وانطلقت شرارة الاحتجاجات في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بشكل عفوي، ورفعت مطالب تنتقد البطالة وضعف الخدمات العامة والفساد المستشري والطبقة السياسية التي يرى المتظاهرون أنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي.