السودان وإثيوبيا لا يريدان الحرب... فمن يقف وراء عمليات التصعيد على الحدود

رغم تأكيدات السودان وإثيوبيا أنهما لا يريدان المواجهة العسكرية لحل الخلاف الحدودي بينهما إلا أن التصعيد والتحشيد يزداد مع مرور الوقت وكأنه نوع من استعراض طاقات كل طرف أمام الطرف الآخر، ولكن لم يسلم الأمر من سقوط قتلى وجرحى في المناطق الحدودية... لماذا توترت الأجواء بتلك الطريقة الدراماتيكية... وهل هناك أطراف خارجية تقف خلفها... أم أن التصعيد دون الوصول للحرب يخدم الطرفين داخليا؟.
Sputnik

ويرى مراقبون أنه ليس هناك نزاع على الحدود بين السودان وإثيوبيا، وأن أديس أبابا تعترف بأن المناطق التي تقوم بعض القبائل الإثيوبية بزراعتها هي أراضي سودانية، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول مصير العلاقات التاريخية والدور الذي لعبه رئيس الحكومة الإثيوبية لتهدئة الأوضاع بين العسكر والجناح المدني بعد الثورة، الأمر به الكثير من علامات الاستفهام حول هذا التصعيد غير المبرر إذا ما ربطنا بينه وبين التوترات الداخلية في كلا البلدين.

مقتل نحو 100 شخص وإصابة أكثر من 150 في صراع مسلح غربي السودان

يقول السياسي السوداني وخبير القانون الدولي الدكتور عادل عبد الغني، إن التصعيد الحادث الآن بين إثيوبيا والسودان هو نتيجة تراكمات حول أزمة الحدود امتدت لسنوات طويلة، حيث كان النظام السابق يسكت على هذا الوضع خشية من استغلال المليشيات المسلحة التي كانت تنشط في أطراف السودان وبخاصة في مناطق النيل الأزرق، لأي توتر في العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا، وتتخذ من تلك التوترات سببا للعمل ضد الحكومة السودانية والانطلاق من الأراضي الإثيوبية.

الوقت المناسب

وأضاف عبد الغني لـ"سبوتنيك"، أنه بعد التغيير والتحول في السودان وتحول الحركات النشطة في تلك المنطقة إلى العملية السلمية، فربما رأى متخذ القرار العسكري أن الوقت مناسب الآن لنشر قواته مرة أخرى في تلك المناطق التي كانت بأيدي المزارعين الإثيوبيين وتحت حراسة بعض المليشيات الإقليمية الإثيوبية، وهذا التصعيد الإعلامي المتبادل الآن بين الجانبين ما زال على حياء، حيث يقول كل طرف إنه لا يريد الحرب، ولكنه مستعد لها إذا ما اضطر لخوضها.

وأكد خبير القانون الدولي أن "كلا البلدين قد لا يريدان المواجهة المسلحة لأنهما يعانيان من الضعف الاقتصادي وهما في طور النمو، ويمكن تصنيفهما ضمن الدول الفقيرة، والحرب سوف تستنزف موارد الدولتين في صراع لا معنى له، يجب أن يجنحا إلى السلم، وهناك الكثير من الآليات التي يمكن أن تقود إلى هذا السلم."

أياد خارجية

وعما إذا كانت هناك أطراف خارجية وراء التصعيد على الحدود قال عبد الغني: كل طرف من الطرفين يلمح إلى أن هناك أيد خارجية تدفع بهما إلى المواجهة، لكن أنا لا أجنح كثيرا إلى نظرية المؤامرة الدولية، ويجب على الجانبين عدم إلقاء إخفاقهما في الوصول إلى السلام على الآخرين، ويجب أن نعلم أن الحكام في إثيوبيا والسودان يتعارفون جيدا حتى على المستوى الشخصي، لذا فإن إلقاء اللوم على الآخرين يعد نوعا من التهرب من المواجهة والمسؤولية في اتخاذ القرار والجلوس إلى طاولة التفاوض والوصول إلى الحل السلمي."

ورأى أن: الاتحاد الأفريقي وآلياته في فض النزاعات أميل في تلك الفترة إلى إبعاد الدول الأفريقية عن النزاعات وبشكل خاص المسلحة منها، حفاظا على الأمن الإقليمي وعدم استنزاف موارد تلك الدول الفقيرة في الأصل.

وسط مخاوف من حرب بين أديس أبابا والخرطوم... مبعوث آبي أحمد يصل جنوب السودان

وأوضح خبير القانون الدولي أن أزمة سد النهضة ألقت بظلالها بكل تأكيد على الأوضاع الحدودية بين السودان وأثيوبيا، وخلقت شكوكا كبيرة لدى جميع الأطراف، حيث كان السودان يساند معظم القضايا الإثيوبية.

تاريخ الصراع

أكد قائد الجيش الإثيوبي الجنرال برهانو جولا، أن بلاده لن تتورط في حرب مع الخرطوم، وشدد في تصريحات صحفية، أن إثيوبيا ليست بحاجة للحرب مع السودان بأي حال من الأحوال، متهماً من وصفهم بـ"من لديهم مصالح في إشعال الفتنة ودق طبول الحرب بين البلدين".

وظل السودان وإثيوبيا طوال عقود من الزمان، يديران مفاوضات ثنائية حول ترسيم الحدود، على خلفية الاتفاقيات المبرمة منذ 1902 مرورا بـ1903، وصولاً إلى مذكرة التفاهم المتبادلة في 1972 وحتى 2013.

لكن الموقف الإثيوبي الجديد بالتنصل من تلك الالتزامات والاتفاقيات، اعتبره السودان محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء نحو مئة عام من الزمان، وأن التصريح بعدم الاعتراف بأساس كل تلك المفاوضات يهدف إلى العودة بالحدود إلى مربع النزاع القانوني، وهو ما يرفضه السودان ويجعله يتشدد في إصراره على أن الأمر هو فقط ترسيم للحدود المعلومة والمعرَّفة بالأساس، وفق المرجعيات القانونية الموثقة والمعترف بها دولياً وإقليمياً.

وكان السودان أعلن نهاية الشهر الماضي أن قواته بسطت سيطرتها على كل الأراضي السودانية الواقعة في منطقة الحدودية التي كان يستولي عليها مزارعون إثيوبيون، بعد أسابيع من الاشتباكات.

ومن جانبه قال القيادي في جبهة المقاومة السودانية محمد صالح رزق الله، إن الوضع على الحدود بين الخرطوم وأديس أبابا هو وضع استثنائي والعلاقات بين البلدين جيدة جدا، بدليل أن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد كان الوسيط بين العسكر والمدنيين بعد الثورة السودانية، كما أن العلاقات بين الشعبين راسخة وتاريخية، لذا فإن كل الشواهد تشير بأصابع الاتهام إلى جهات أخرى من مصلحتها تأجيج الصراع.

وأضاف لـ"سبوتنيك"، أن: الدولتين تعترفان بأنه ليس هناك إشكال حدودي بينهما وأن المتواجدين على الأراضي السودانية من الإثيوبيين لم يغيروا اعتراف أديس أبابا بأن تلك الأرض سودانية، لذلك لا نستبعد أن تكون مسألة سد النهضة لها الدور الأكبر في هذا الوضع الحدودي، وكل الدلائل تشير إلى أن هناك طرف ثالث في هذا التصعيد، لأنه ليس هناك مبرر للعويل والضجة الإعلامية الحاصلة الآن، كل ما يجري غير طبيعي ويوحي بأن هناك شيئا ما يحدث خلف الكواليس.

سيناريوهات الأزمة

رئيس جنوب السودان يعرض التوسط لحل الخلاف بين الخرطوم وأديس أبابا

وأكد رزق الله، أن هناك سيناريوهات في هذه الأزمة، أولهما أن كلا الدولتين يعرفان وضعهما الطبيعي، بأنهما منهكتين ضعيفتين نتيجة حروب داخلية لفترات طويلة، وإذا نشأت حرب على الحدود لن تكون قصيرة، لأن المنطقة شائكة وبها تداخل حدودي وقبلي وغيره، والشىء الآخر أن هناك أطراف في المنطقة لها مصالح في نشوب نزاع مسلح بين البلدين، وحسب تقديري أن المتضرر الأكبر من سد النهضة ليس السودان وفق كل الحسابات العلمية والاستراتيجية.

وأضاف:" هناك أطراف خليجية مثل الإمارات التي تريد السيطرة على المنطقة والأراضي الزراعية، كما أن الشىء المهم الآخر وهو أن كل ما يحدث على الحدود هو إلهاء للشارع السوداني وشد انتباه الجميع لما يحدث على الحدود والابتعاد عن الملف الداخلي بما فيه الثورة والحكومة والبنك الدولي، الأمر يوحي بأن السلطة بمكونيها العسكري والمدني يقومون بشىء ما لا يريدون أن يلتفت إليه الشارع، ويخرج قادة الحرب كشخصيات وطنية بدلا من تعرضهم للمحاكمات".

وأعلن مجلس السيادة الانتقالي، أن السودان لم يتخذ قراراً بإعلان الحرب مع إثيوبيا حتى الآن، وأن كل ما حدث هو انتشار للجيش داخل حدوده. 

وفي السياق، جدد رئيس المفوضية القومية للحدود السودانية، معاذ محمد أحمد تنقو أنه ومع عجز الوصول إلى حل ثنائي طوال السنين الماضية، لا مناص من لجوء السودان بما يمتلك من حجج وأسانيد ووثائق دامغة، إلى التحكيم الدولي كطرف ثالث، للحصول على أمر قضائي واضح، يلزم إثيوبيا بترسيم الحدود وفق الاتفاقيات المبرمة، ويوقف تغلغلها داخل أراضي السودان.

واعتبر تنقو أن:" إثيوبيا كانت تسعى من خلال مجمل تصرفاتها في الفترات السابقة إلى سياسة فرض الأمر الواقع، والسعي لتقنين وجودها على المدى الطويل بمبدأ وضع اليد، لكن السودان ظل متنبهاً ومدركاً لذلك المخطط."

واستهجن تنقو، الاتهامات والمزاعم الإثيوبية بخرق السودان اتفاقية 1972، مبديا استغرابه أن يمتد الوضع الراهن الذي تحدثت عنه الاتفاقية آنذاك، لمدة 40 سنة، بينما لا يزال الطرف الآخر يطالب بالمزيد منه لممارسة التمدد.

مناقشة