أبرز هذه التساؤلات تتعلق بالأهداف التي أنشئ الاتحاد من أجلها، وما الذي تحقق منها حتى الآن؟
فكرة إنشاء الاتحاد
تعود فكرة إنشاء الاتحاد المغاربي إلى أول مؤتمر للأحزاب المغاربية عقد في مدينة طنجة المغربية عام 1958، وضم ممثلين عن "حزب الاستقلال" المغربي و"الحزب الدستوري" التونسي و"جبهة التحرير الوطني" الجزائرية.
بعد استقلال الدول المغاربية أسست اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964، والتي كانت تهدف إلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين دول المغرب العربي.
جاء بعد ذلك بيان "جربة الوحدوي" بين ليبيا وتونس عام 1974 ومعاهدة "مستغانم" بين ليبيا والجزائر و"معاهدة الإخاء والوفاق" بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983، وهي جميعها خطوات مهدت لتأسيس الاتحاد ضمن جملة من الأهداف، أعلن عنها في "بيان زرالدة" في مدينة زرالدة الجزائرية عام 1988، ثم تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد عام 1989.
بحسب الخبراء، فإن الاتحاد لم يحقق أي من الأهداف التي تأسس من أجلها، كما أنه حرم شعوب الدول من الفائدة التي كانت تتحقق إثر الاندماج في العديد من القطاعات ومنها تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق، وصيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء، وتحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول، وجميعها كانت ضمن الأهداف التي يراها الخبراء تلاشت بعد 30 عاما من التأسيس.
عوائق وتحديات
يقول المحلل السياسي محمد بودن: "رغم وحدة المصير واللغة والثقافة والدين والتي تعمل لصالح الاتحاد واعتبارا للعوامل (الجيو- استراتيجية) والتاريخية في المسيرة المغاربية، إلا أن العوائق كانت أكبر، وأثرت على التحام جناحي الفضاء المغاربي.
جمود الاتحاد ومصالح الشعوب
يمثل جمود الاتحاد المغاربي تخليا عن الطموحات المشروعة لـ 100 مليون مغاربي، معظمهم شباب، بحسب محمد بودن، الذي يشير إلى أن "درء المفسدة يسبق جلب المصلحة في هذا الباب، وأن الاتحاد المغاربي يتعرض لنكسة حقيقية على مستوى التكامل والاندماج البيني، الذي يعتبر الأضعف بين المجموعات الإقليمية عالميا".
ويشدد بودن على أن العمل المغاربي المشترك يتطلب الوضوح في المواقف، وتحمل المسؤولية، والابتعاد عن ما يغذي التناقضات.
وتابع: "المغرب متمسك تمسكا عميقا بالاتحاد المغاربي، وأنه سعى لتحقيق طموح الوحدة عبر أكثر من مبادرة، لتعزيز التواصل بين بلدانه الخمس، وتعزيز حضور الفضاء المغاربي في مشاريع الاتحاد الأفريقي والمجموعة العربية".
وتقول الباحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية منال بن عمار، إن الفارق الشاسع بين ما كان يجب أن يكون عليه وما هو عليه الآن يتجلى في بعدين، هما البعد العملي والبعد النظري.
الاكتفاء الذاتي
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك" أن الجانب النظري كان يكمن في تحقيق الاكتفاء الذاتي للدول الخمس الأعضاء، وتقديم الخدمات والتطور، وتحقيق الاندماج الاقتصادي بين الدول الأعضاء من خلال فتح الحدود لتسيير عملية التنقل للأفراد والسلع ورؤوس الأموال.
غياب الإرادة السياسية
وعلى المستوى العملي تشير منال بن عمار إلى أن الاتحاد يواجه العديد من العراقيل تمنعه من تحقيق أهدافه، وأن هذه العراقيل تعكس غياب الإرادة السياسية في تحقيق الاندماج في مختلف المجالات.
وأشارت إلى أن الاتحاد لا يمكنه إبرام اتفاقيات مع دول أخرى خارج الاتحاد، وليست لديه وسائل قانونية لإبرام الاتفاقيات مع الشركاء الدوليين الذين يمثلون أهمية استراتيجية كبرى.
وتضيف: "الاتحاد يعيش خطر الاضمحلال في الوقت الراهن، خاصة في ظل تصاعد التوتر بين الدول الأعضاء وغياب الرغبة المشتركة في إعادة إحياء المشروع".
إقصاء مصر والسودان
وتابعت: "إقصاء دول الشمال المتمثلة في مصر والسودان، بالرغم من أهميتها، وعدم التوافق بين الدول الأعضاء التي انضمت كل منهما لتكتلات بعينها، أدى إلى غياب فعالية الاتحاد".
فرصة تاريخية
وقال محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية المغربي، إن "اتحاد المغرب العربي عند تأسيسه في 17 فبراير 1989، شكل فرصة تاريخية من أجل تحقيق تعاضد والتقاء آمال شعوب الاتحاد".
مكاسب اقتصادية
وأوضح أنه عند تأسيس الاتحاد استأثر المغرب والجزائر بنسبة 73 في المئة من الاقتصاد الإجمالي لدول الاتحاد.
وظلت النقطة الجوهرية التي تحكمت في طبيعة ومدى العلاقة بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية هي مشكلة "الصحراء"، والموقف من سيادة المملكة المغربية عليها.
ويرى محمد الغالي أن "هذا الوضع خلق معادلة من درجة معقدة، جعلت الاتحاد يتأثر بطبيعة التقدم الإيجابي في العلاقات المغربية الجزائرية، والتي عرفت هزة قوية مع إغلاق الحدود بين الدولتين سنة 1994 إلى الأن".
فشل الاتحاد
فيما قال المحلل التونسي منذر ثابت، إن الاتحاد المغاربي فشل بعد 30 عاما من تأسيسه على مختلف المستويات.
وأشار إلى أن اقتصاد الدول المغاربية يمكنه كسب نقطتين على مستوى النمو، بحسب الدراسات العلمية، في حالة تفعيل الأهداف التي أسس عليها الاتحاد.
مكاسب لم تكتمل
ويقول الخبير الأمني محمد أكضيض، إنه حين جمع في مؤتمر في مراكش بداية تسعينات القرن الماضي كل رؤساء دول المغرب الكبير فتحت الحدود بين الجزائر والمغرب، وساد المناخ بين الشعوب للتكامل في جميع المجالات والمقدرات.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه كان من المأمول تصفية أي خلاف والعمل كقوة صاعدة أمام التكتلات الإقليمية والدولية، خاصة في ظل بنية للتكامل في المنطقة، منها البترول والغاز، والأمن الغذائي والطاقة البشرية.
ويرى أن المغرب ما زال يأمل بضرورة وحدة المغرب العربي، وهو ما جعله يجمع الفرقاء الليبيين، وكان توجه المملكة المغربية إلى ضم مصر للاتحاد، من أجل دعمه والاستفادة من مكانتها.