في المغرب وتونس وقع الوزير الأمريكي اتفاق تعاون عسكري بين الولايات المتحدة من جهة والدولتين من جهة أخرى منفصلة مدته 10 سنوات، إلا أنه لم يحدث نفس الأمر في الجزائر، حيث اقتصرت الزيارة على أمور روتينية.
يوضح الخبراء في حديثهم لـ"سبوتنيك" أن الاتفاق الموقع يرتبط بجملة من الأهداف، رغم العلاقة التقليدية بين المغرب والولايات المتحدة، إلا أن التطورات الحاصلة في المتوسط وليبيا ومنطقة الساحل الأفريقي، دفعت الإدارة الأمريكية لتعزيز تواجدها العسكري في المنطقة لمواجهة المخاطر، التي تهدد المصالح الأمريكية، خاصة في ظل ما وصفوه بصراع النفوذ بين الدول الكبرى في المنطقة.
يقول الخبير الأمني المغربي الدكتور الشرقاوي الروداني، إن "التطورات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء والمتوسط، التي أصبحت تلقي بظلالها على الأمن القومي للمملكة المغربية، هي أحد الأسباب والأهداف وراء تعزيز التعاون".
حول الرؤية الأمريكية للمغرب، يوضح الروديني في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنها "ترى في الرباط نقطة ارتكاز استراتيجية لحماية الأمن القومي الأمريكي، ومصالحها في مجال جيوسياسي أصبح يشهد تناميا للقوى دون الدولة محدثة للفوضى، وكذلك تصاعد الضربات الإرهابية، مما أصبح يشكل تحديا كبيرا للدولة في مناطق غرب أفريقيا".
تغيير الهندسة العسكرية
الاتفاق التاريخي بين واشنطن والرباط يدخل في استراتيجية تخدم مصالح البلدين، على مستوى التنسيق الأمني والعملياتي للقوات المسلحة للبلدين، كما أن التحولات الكبرى، التي تشهدها مناطق حيوية على المستوى الدولي فرضت على واشنطن تغيير هندستها العسكرية، واتباع أسلوب جديد لدحض المخاطر المحدقة، بالتوازنات العسكرية الدولية في شمال إفريقيا والمتوسط، بحسب رؤية الروديني.
علاقات تقليدية
من ناحيته قال النائب المغربي السابق عادل بن حمزة، إن علاقات التعاون العسكري بين كل من المغرب وتونس بالولايات المتحدة هي علاقات تقليدية قديمة، فجزء كبير من تسليح وتدريب الجيشين المغربي والتونسي يرتبط بالولايات المتحدة، ما يعني أنه ليس هناك جديد.
في حديثه لـ"سبوتنيك"، يدلل على حديثه بأن المغرب يحتضن سنويا مناورات الأسد الإفريقي على أراضيه.
هدف الإدارة الأمريكية هو تثبيت علاقاتها في المنطقة وتطمين حلفائها وفي نفس الوقت توجيه رسالة إلى منافسيها في المنطقة، مفادها أنها تنظر إلى الإقليم ككل نظرة استراتيجية بعيدة المدى، بحسب إشارة بن حمزة.
زاوية أخرى في منظور الجانب الأمريكي، خاصة أن هذه البلدان ليست أعضاء في حلف الشمال الأطلسي، وبالتالي فإن واشنطن بحاجة إلى إطار ينظم التعاون والشراكة العسكرية والأمنية، كما يلمح بن حمزة إلى أن بعد المنطقة الاستراتيجي الكبير في الوقت الراهن.
تحديات شرق المتوسط
يضاف إلى السابق أهمية المنطقة كممر لجزء من التجارة العالمية، في ظل التحديات في شرق المتوسط حول مصادر الطاقة.
يحمل عدم الاستقرار في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، مخاطر كبرى على المنطقة سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الأمني، خاصة في مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة، التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء، وهو ما يراه بن حمزة أحد دوافع واشنطن لتعزيز تواجدها.
ماذا يعني الحضور الأمريكي
في ظل ما تواجهه المنطقة من مخاطر وتحديات تبرز بعض التساؤلات حول الدور الأمريكي، وما يمكن أن يقدمه لدول المنطقة، حيث يرى بن حمزة أن الحضور الأمريكي لا يمثل بصفة آلية ضمانة لدول المنطقة بعدم السقوط في الفوضى، لكنه سيوفر لجميع الأطراف ضمانات ووسائل لمواجهة الوضعية الحالية، وما يمكن أن تتطور إليه الأوضاع مستقبلا.
هل من علاقة بالقضية الفلسطينية
ويستبعد السياسي المغربي أن يكون للأمر علاقة بالقضية الفلسطينية، حيث أن مواقف الدول المغاربية معروفة منذ زمن، وأنها ستستمر كذلك حتى مع المستجدات الأخيرة، وخاصة إذا خسر دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية المقبلة.
تثبيت مناطق النفوذ
في تونس قال إسبر خلال لقائه بنظيره التونسي، إبراهيم البرتاجي، إن هذا الاتفاق هو وثيقة خارطة طريق لدعم آفاق التعاون العسكري بين البلدين في مجال الدفاع، مشيرا إلى أن الهدف من هذا الاتفاق هو الرفع من جاهزية القوات المسلحة التونسية وتطوير قدراتها لمجابهة التهديدات.
وتعليقا على الأمر يقول المحلل السياسي منذر ثابت، إن السياسية الأمريكية منذ صعودة ترامب تسعى لتثبيت مناطق النفوذ التقليدية وكسب مناطق جديدة.
التماشي الأمريكي في عهد ترامب يعطي الأولوية لآليتين الأولى هي إدارة الاتفاقيات العسكرية والثانية هي إدارة المؤسسات المالية العالمية، ودعم الدول وفق منطق الاصطفاف والولاء للولايات المتحدة الأمريكية، بحسب ثابت.
العمل على كسب مساحات شاسعة للقوات العسكرية الأمريكية هو ما تسعى له في الوقت الراهن، حيث يشدد المحلل التونسي على أن هذه المساحات لا يشترط أن تكون على هيئة قواعد عسكرية، بل يمكن من خلال التعاون الذي يصبح بمثابة الترخيص العسكري للقوات الأمريكية، وهو ما يفهم من الاتفاقيات التي وقعت مع الجانب الأمريكي.
تشديد الرقابة على البحر الأبيض المتوسط والتوترات الحاصلة هو أهداف أمريكية تسعى لها من خلال هذه الاتفاقيات، إضافة إلى الملف الليبي، وما يمكن أن يحدث، كما يضيف المحلل التونسي إلى أن كل ذلك يرتبط بالحضور الروسي والصيني في المنطقة، وهو ما تسعى واشنطن لمواجهته بشكل قوي.
تهديدات إرهابية
فيما يقول نوفل البوعمري خبير القانون الدولي بالمغرب، إن المغرب يعد البوابة الآمنة للعالم نحو أفريقيا، مما جعله يلعب دور القارة بين أفريقيا وباقي قارات العالم تجاريا، اقتصاديا وثقافيا وأمنيا.
الاتفاق العسكري بحسب رؤية البوعمري يعزز من استقرار المنطقة ومن مواجهة ثنائية التحديات الأمنية، التي تواجه القارة الأفريقية، خاصة على مستوى دول الساحل الأفريقي، التي أصبحت تعد المنطقة المفضلة للتنظيمات الإرهابية والإجرامية لإعادة تمركز نفسها، وتحويلها ل"تورا بورا" جديدة.
الجزائر
لم تكن زيارة إسبر للجزائر كما تونس والمغرب، حيث قال بيان الرئاسة الجزائرية، "كما بحث الطرفان تطورات الوضع في ليبيا والساحل الأفريقي، واتفقا على ضرورة متابعة التشاور والتنسيق من أجل توطيد أركان الأمن والسلم في المنطقة".
يوضح أن الجزائر كانت منزعجة من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بشأن الصين وروسيا، وأن التفاوت بين الزيارة لتونس والمغرب من جهة وللجزائر من جهة أخرى، يوضح الموقف الجزائري.
الموقف ذاته أكده الخبير التونسي منذ ثابت، بأن التوازن الجزائري لا يجعلها تحت مظلة الولاء للولايات المتحدة الأمريكية في ظل العلاقات القوية مع روسيا.
وهذه أول زيارة لوزير دفاع أمريكي للجزائر منذ زيارة دونالد رامسفيلد عام 2006. وإسبر أيضا أكبر مسؤول أمريكي يلتقي بالرئيس الجزائري الجديد، الذي تولى منصب الرئاسة في ديسمبر/ كانون الأول بعد احتجاجات حاشدة العام الماضي دفعت الجيش إلى إجبار سلفه عبد العزيز بوتفليقة على التنحي بعد 20 عاما في السلطة.