حمل قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخير، الذي نص على تسهيل الوصول إلى محتويات الأرشيف السري الذي يزيد عمره عن خمسين عاما ومن ضمنه وثائق الحرب الجزائرية، معه بعض الآمال والمطالب، فالآمال ترتبط بما يمكن أن يتاح من معلومات جديدة عن فترات وشخصيات لا يعلم عنها إلا بعض المعلومات القليلة.
وتم تداول الكثير من المعلومات غير الدقيقة عن الأرشيف خلال الفترة الماضية، منها ما صور على أن الأرشيف سيتاح للمرة الأولى، غير أنها معلومات غير دقيقة، فهناك الكثير من عمليات الاطلاع قام بها الباحثون، وهناك بعض النماذج متاحة للاطلاع عبر الطلب الاستثنائي الذي يقدمه الباحث.
وتطالب الجزائر باريس منذ سنوات بفتح محفوظات الاستعمار الفرنسي وتسوية قضية المفقودين في حرب الاستقلال، فضلا عن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.
وفي 24 يوليو/تموز 2020 كلف المؤرخ بنجامان ستورا بمهمّة تتعلق بـ"ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر"، بهدف تعزيز "المصالحة بين الشعبين الفرنسي والجزائري" تمهيدا لمرحلة تطوير العلاقات.
وحول أهمية الخطوة والتفاصيل الدقيقة في هذا الإطار يقول الباحث الجزائري الدكتور رياض شروانة، إن الأرشيف الفرنسي متاح منذ 1992 بشكل جزئي، أي بعد مرور 30 سنة من استقلال الجزائر.
إعادة ترتيب
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": أن القرار الأخير يتعلق بإعادة تصنيف وترتيب الأرشيف غير المتاح للباحثين. وأوضح، أن الجزائريين في المرتبة الثانية من حيث الاستغلال والاطلاع والتردد على مراكز الأرشيف الفرنسية.
وبحسب الباحث الجزائري، أحد مراكز الأرشيف الفرنسية وهو مركز "ما رواء البحار" به ما يقرب من 60 كيلو متر من الأرشيف (عند تصفيفه)، و
وتمثل حصة الأرشيف الخاص بالجزائر بنحو 37 كيلو متر، وهو ما ينطبق على الأرشيف العسكري في باريس والأرشيف الدبلوماسي، خاصة أن فرنسا حملت معها كامل الأرشيف العسكري من الجزائر.
بحسب الباحث فإن الأرشيف العام أتيح بعد مرور 30 عاما، وهو ما يتعلق بالإدارة والعمران والحالة المدنية وغيرها من المواضيع العامة، أما الأرشيف الخاص ومنه ما يتعلق بالعائلات، فإنه يتاح بعد 125 عاما، كما يمكن للمعنيين من الجزائريين أو الفرنسيين، طلب تمديد المدة لنحو 150 عاما، كما أن الأرشيف الطبي لا يتاح إلا بعد 150 عاما.
مطالب ثنائية
ولم تقتصر المطالبات بفتح الأرشيف على الجانب الجزائري فقط، حيث يطالب الباحثون من الجانب الفرنسي أيضا بالأمر.
ويمكن للباحثين طلب الاطلاع على بعض الأرصدة غير المتاحة (التي لم تكتمل مدتها الزمنية حسب قانون التراث) من الأرشيف بشكل استثنائي، وفي هذه الحالة يدون الباحث ما يحتاجه من الأرشيف دون تصويره، الأمر ذاته ينطبق على الطلب الانتقائي.
وبحسب القانون الخاص بالتراث لعام 2008، يتاح الأرشيف الذي مدته 50 عاما للاطلاع، وكان من المفترض أن يتاح في العام 2012، إلا أنه في العام 2011 صدرت تعليمات حكومية وقيدت قاعدة القانون الصادر في 2008.
والتعليمات الحكومية نصت على ضرورة طلب الباحثين ترتيب أو تصنيف الملف حتى يصبح ضمن الملفات المتاحة، وهو ما أثقل كاهل الباحثين وعطلهم في عمليات البحث. والتعليمات الحكومية التي جاءت في العام 2011 قيدت القاعدة العامة بالقانون 2008، وهو ما أطال عمر التصنيف.
وحول المعلومات الجديدة التي يمكن أن يكشف عنها بشأن بعض الشخصيات الجزائرية المعروفة أو غير المعروفة يوضح الباحث الجزائري، أن هناك نحو 100 إلى 200 ملف للمفقودين تم فتحهم، إلا أنه بسبب جائحة كورونا لم يطلع عليهم بشكل فعلي.
وأشار الباحث إلى أن بعض الشخصيات التي يرغب في أن تكون هناك بعض المعلومات عنها في الأرشيف هو الشيخ العربي التبسي وهو أحد رموز جمعية العلماء المسلمين، حيث تغيب المعلومات عن ظروف استشهاده والمكان الذي دفن فيه.
ما أهمية الأرشيف؟
وحول أهمية الإفصاح عن الأرشيف يوضح الباحث، أن كتابة التاريخ في بعض الأحيان تعتمد عن الروايات الشفوية وهي فيها من الذاتية وبعض التغيرات، إلا أن الكتابة عبر الوثيقة تستند إلى الدقة والقراءة الموضوعية، خاصة أن الوثيقة ثابتة من حيث الزمان والمكان.
وشدد الباحث على أن الوثائق تصحح وتكمل بعض الفراغات الموجودة في الكتابات التاريخية عن بعض الأحداث.
وأشار الباحث إلى أن فرنسا بدأت في رقمنة الأرشيف، خاصة أن أماكن حفظ الأرشيف ذات درجات حرارة باردة، وتصبح معرضة للتلف إثر نقلها من المخازن إلى أماكن اطلاع الباحثين عليها.
والنقطة الأخرى التي يشدد عليها الباحث، أن فرنسا ترى أنه من مصلحتها إخفاء المعلومات داخل المخازن، في ظل سرعة تداولها عبر الوسائط الإعلامية الجديدة.
وفي الإطار قال الدكتور إسماعيل خلف الله القانوني الجزائري، إن الأرشيف سيساهم في كتابة التاريخ بشكل موثق من خلال التقارير التي كانت غائبة.
وأوضح خلف الله، أن الأرشيف يتضمن فترة ما قبل الاستعمار، حيث أن الحكومات الفرنسية المتعاقبة اخذت معها الأرشيف عن هذه الفترة ولم تعده إلى الجزائر مرة أخرى.
أرضية قانونية
وبين خلف الله، أن هذا الاطلاع سيكون أرضية قانونية لرفع الدعاوى القضائية أمام القضاء الفرنسي أو الدولي من خلال الأفراد أو الدولة الجزائرية.
وتترتب نتائج عدة على المستوى التاريخي والسياسي والقانوني، على إتاحة الأرشيف للاطلاع، بحسب خلف الله، الذي شدد على ضرورة اتاحة كافة الأرشيف والاعتراف بالجرائم التي ارتكبت في حق الجزائر.
والخطوة الفرنسية بإتاحة الأرشيف يراها خلف الله غير كافية، وأنها يجب أن تتبع بالاعتراف الرسمي بالجرائم الاستعمارية.
وفي وقت سابق أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أن الرئيس إيمانويل ماكرون قرر تسهيل الوصول إلى محتويات الأرشيف السري التي يزيد عمرها عن 50 عامًا، خصوصا تلك المتعلقة بالحرب الجزائرية، عملا بما أوصى به المؤرخ بنجامان ستورا.
وكان تقرير المؤرخ ستورا حول ذاكرة الحرب الجزائرية الذي رفعه إلى الرئيس الفرنسي في 20 كانون الثاني/يناير قد أوصى بإرسال بادرات التهدئة هذه.
وفي وقت سابق أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون أن حكومته انتدبت المؤرخ الجزائري عبد المجيد شيخي المستشار لدى رئاسة الجمهورية المكلّف بالأرشيف الوطني والذاكرة الوطنية للعمل مع الجانب الفرنسي في هذا الشأن.