عدم الاعتذار عن فترة الاستعمار أعادت مشاعر الغضب في الداخل الجزائري مرة أخرى تجاه فرنسا، حيث يرى الخبراء أنه على التيار الوطني الصاعد في الجزائر، إعادة النظر في العلاقات والاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفرنسي.
أفادت الرئاسة الفرنسية الأربعاء 20 يناير/ كانون الثاني أنها تعتزم القيام بـ"خطوات رمزية" لمعالجة ملف حرب الجزائر، لكنها لن تقدم "اعتذارات".
جاء ذلك عقب تسلم الرئيس إيمانويل ماكرون تقريرا حول استعمار الجزائر أعده المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا يهدف لإخراج العلاقة بين البلدين من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة.
وفي وقت سابق، كلف الرئيس عبد المجيد تبون مستشاره الخاص عبد المجيد شيخي بالعمل على ملف الذاكرة، بالتنسيق مع بنجامان ستورا، المكلف من الجانب الفرنسي.
وذكرت مصادر في الإليزيه أنها "عملية اعتراف"، ولكن "الندم (...) وتقديم اعتذارات غير وارد"، وذلك استنادا إلى رأي أدلى به ستورا الذي ذكر أمثلة اعتذارات قدمتها اليابان إلى كوريا الجنوبية والصين عن الحرب العالمية الثانية ولم تسمح "بمصالحة" هذه الدول.
وبين "الخطوات" التي سيتم القيام بها، نقل رفات المحامية المناهضة للاستعمار جيزيل حليمي، التي توفيت في 28 تموز/ يوليو 2020، إلى البانثيون الذي يضم بقايا أبطال التاريخ الفرنسي.
وقبل ذلك، ستقام مراسم تكريم لها في الإنفاليد في الربيع "عندما تسمح الظروف الصحية بذلك"، بحسب "فرانس برس".
أسباب عدة يراها الخبراء من الجزائر بأنها تقف وراء عدم اعتذار فرنسا، وعلى رأسها التعويضات التي قد تطالب بها، كما يرتبط الأمر أيضا بالدول الأفريقية التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي.
خطوة متوقعة
حدة حزام الكاتبة والسياسية الجزائرية، قالت إنه كان متوقعا عدم طرح المطلب في الاقتراحات التي قدمها المؤرخ الفرنسي من أصول يهودية جزائرية بن يامين ستورا إلى الرئيس ماكرون، وأن هذا الإغفال أفقد العملية برمتها قيمتها.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن رفض فرنسا الاعتذار والاعتراف بجرائمها سيبقى جرحا نازفا في الذاكرة الجماعية الجزائرية.
واعتبرت أن ذلك سيحول دون بناء علاقات حقيقية بين الشعبين، رغم أن الحكام الجزائريين باستثناء الرئيس الراحل هواري بومدين الذي رفض أن تطأ قدماه فرنسا ربطتهم علاقات ومصالح جيدة بفرنسا.
ورأت أن تهرب فرنسا من الاعتراف والاعتذار قد يفتح عليها العديد الأبواب في كل أفريقيا التي ما زالت الكثير من بلدانها تدفع حتى اليوم ثمن استقلالها، وهو ما يفوق 50 مليار يورو سنويا.
وقالت إن اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر واعتذارها سيجعلها تعترف بكل جرائمها الاستعمارية، وبالتالي تسقط عن البلدان فرض دفع التعويضات، عما تدعي فرنسا أنه بنية تحتية تركتها في أفريقيا، في حين أنها بنيت بوسائل وسواعد الأفارقة.
على جانب آخر ترى حزام أن:" المسؤولين في الجزائر خذلوا الذاكرة ومنعوا طرح قانون تجريم الاستعمار ومطالبة فرنسا بالاعتذار في البرلمان، وأن بعض الأحزاب منعت نوابها طرح القانون تحت التهديد".
مجازر جماعية
العقيد المتقاعد عبد الحميد العربي شريف الخبير الأمني والاستراتيجي الجزائري، يرى أن فرنسا لا تريد الاعتذار لأنها ارتكبت مجازر مروعة، حيث قتل أكثر من خمسة ملايين منذ 1832 إلى 1962، وضمنها مجازر جماعية، حيث أبيدت بعض القرى والمدن عن بالكامل.
وأضاف في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن الإرث الاستعماري سيلاحق فرنسا، وأنها تخشى الاعتذار أو الاعتراف به، نظرا لأنها ستكون مطالبة بدفع التعويضات عن هذه الجرائم.
وأوضح أن عدم اعتذارها سيلزمها بمعالجة المساحات التي شوهتها عبر التجارب الكيماوية والنووية والتي تمتد لآلاف الكيلو مترات.
نحو أربعة آلاف كلم قنابل مضادة للأفراد تركتها بعد الاستقلال، ورفضت إعطاء خرائط تواجدها، بحسب الخبير العسكري، الذي يؤكد أنها تسببت في عشرات الآلاف من الضحايا بين قتلى ومبتوري الأطراف حتى اليوم على الحدود الشرقية والغربية.
تحركات داخلية
يشير العميد المتقاعد إلى أنه مع صعود التيار الوطني في الجزائر في الوقت الراهن سيعيد الحسابات مع فرنسا وكذلك فيما يتعلق بالاتفاقيات.
ومضى بقوله إنه يمكن رفع الدعاوى محليا ودوليا من أجل الاعتراف والتعويض.
في العام 2017 وقبل زيارة ماكرون للجزائر بأيام اشترط وزير جزائري على باريس تقديم اعتذار علني عن جرائم الاستعمار الفرنسي، من أجل التطبيع الكامل للعلاقات الجزائرية الفرنسية.
وقال وزير قدماء المحاربين الجزائريين، الطيب زيتوني،، في برنامج بثته الإذاعة الجزائرية الرسمية، في ديسمبر/ كانون الأول، إن العلاقات بين البلدين لن ترقى ولن تكون طبيعية إلا بتقديم الاعتذار والتعويض والاعتراف بالجرائم من قبل فرنسا، وهو مطلب شرعي يجب الاستجابة إليه.
وفي سبتمبر 2018 أقرت الرئاسة الفرنسية، بأنها استخدمت نظام التعذيب خلال حرب الاستقلال الجزائرية.
وكان الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، قد اعترف أمام البرلمان سنة 2012 بالمعاناة التي عاشها الشعب الجزائري على يد الاستعمار الفرنسي، وقام كاتب الدولة المكلف بالمحاربين القدامى والذاكرة جون مارك تودتشيني، بتجسيد ذلك الاعتراف حينما تنقل في نيسان/ أبريل 2015، إلى مدينة سطيف للترحم على روح سعّال بوزيد، أول ضحية لمجازر 8 أيار/ مايو 1945.
وفي كانون الثاني/ يناير 2016، ولأول مرة منذ الاستقلال، قطع وزير المجاهدين- قدماء المحاربين — الجزائري البحر المتوسط وقام بزيارة إلى فرنسا.