هددت عائلات شهداء الثورة وجرحاها نهاية الأسبوع الرئاسات الثلاث باتخاذ خطوات تصعيدية إذا لم تلتزم الحكومة بنشر القائمة الرسمية التي كان من المفترض أن تصدر بالرائد الرسمي منذ السنة الأولى للثورة.
ويستنكر هؤلاء قرار رئيس الحكومة هشام المشيشي، خلال مجلس وزاري انعقد يوم الخميس المنقضي، إصدار مشروع أمر حكومي يتعلق برد الاعتبار لشهداء المؤسسة الأمنية دون التطرق لملف شهداء الثورة وجرحاها.
إنذار أخير
قالت رئيسة جمعية "أوفياء" لعائلات شهداء وجرحى الثورة لمياء الفرحاني لـ "سبوتنيك"، إن رئيس الحكومة هشام المشيشي وعد في الذكرى العاشرة للثورة بإصدار القائمة الرسمية لشهداء الثورة وجرحاها يوم 20 آذار الحالي تزامنا مع عيد الاستقلال.
وطالبت لمياء، وهي شقيقة شهيد الثورة أنيس الفرحاني، رئيس الحكومة بالالتزام بوعده وعدم نكثه لتعهده كما فعل رؤساء حكومات ما بعد الثورة، مشيرة إلى أن هذا الإنذار سيكون الأخير قبل خوض تحركات احتجاجية أخرى إذا لم يتم نشر القائمة في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية قبل الموعد المحدد.
وقالت الفرحاني إن عائلات شهداء وجرحى الثورة سيتخذون جميع الأشكال اتصعيدية الممكنة في سبيل إصدار القائمة في الرائد الرسمي، مؤكدة أن الجمعية عقدت اجتماعا اليوم مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان في إطار مواصلة الضغط على الحكومة في اتجاه اصدار القائمة.
وبيّنت الفرحاني أن القائمة التي تم نشرها في الصفحة الرسمية للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات في تشرين الأول 2019، تضمنت 626 جريحا و129 شهيدا، مضيفة أن هذا العدد قابل للارتفاع بعد سماح رئيس الحكومة لمن لم ترد أسمائهم بالقائمة بتقديم مطالب التماس لضمهم إليها.
وأوضحت الفرحاني أن إصدار القائمة سيمكن عائلات الشهداء وجرحى الثورة من تعويضات مادية، "ولكن الأهم من ذلك هو الاعتراف بنضالاتهم وبفضلهم على هذه البلاد، معتبرة أن أهمية نشر القائمة تكمن في رمزيتها وفي توثيق حدث تاريخي مثّل منعرجا حاسما بين حقبة الاستبداد وحقبة الديمقراطية.
خذلان حكومي متعاقب
واعتبرت الفرحاني أن شهداء الثورة وجرحاها كانوا ضحية للخذلان الحكومي المتعاقب، قائلة إن "هذا الملف تقاذفته جميع الحكومات بعد الثورة وأدارت الرئاسات الثلاث ظهرها لمن ضحوا بدمائهم في سبيل أن تسير البلاد على نهج الديمقراطية والحرية".
وتابعت القول إن عائلات شهداء الثورة وجرحاها دفعوا ضريبة عدم الاستقرار الحكومي، الذي حال دون إصدار القائمة الرسمية بسبب فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان بعد انتخابات 2019، ثم سقوط حكومة الرئيس الأولى برئاسة إلياس الفخفاخ التي تعمّر طويلا.
وأضافت "حتى رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي تولى الحكم أكثر من ثلاث سنوات لم يكن ملف شهداء الثورة وجرحاها من أولوياته رغم أن مبدأ استمرارية الدولة يفرض عليه الالتزام بتعهدات الحكومة السابقة.
وانتقدت الفرحاني اهتمام الرئاسات الثلاث بالصراع السياسي وابتعادهم عن مشاغل الشعب بما فيها ملف شهداء الثورة وجرحاها الذي بفضله وصل بعضهم إلى منصة الحكم، حسب قولها.
واستنكرت المتحدثة تجاهل رئيس الجمهورية لمطلبهم المشروع وهو الساهر على تطبيق الدستور، وتغاضي البرلمان عن مساندتهم بوصفه سلطة مساءلة ورقابة.
إرادة سياسية مفقودة
من جانبه، قال عضو لجنة المساندة لاعتصام عائلات شهداء وجرحى الثورة عادل بن غازي في حديثه لـ "سبوتنيك" إنه رغم مرور 84 يوما على الاعتصام الذي تخوضه العائلات من أجل نشر القائمة النهائية في الرائد الرسمي ودخول العشرات منهم في إضراب جوع وحشي "إلا أن مطالبهم لم تجد آذانا صاغية لا من الحكومة ولا من رئاسة الجمهورية لا حتى من نواب البرلمان الذين انتخبهم الشعب للدفاع عن حقوقهم".
وبيّن بن غازي أن هذا الملف لم يراوح مكانه منذ سنوات، ولم تفلح المحاولات المتعددة لعائلات الشهداء والجرحى في لفت انتباه المسؤولين في السلطة، معتبرا أن تأخر صدور القائمة كان نتاجا لغياب الإرادة السياسية.
وأوعز بن غازي مماطلة الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لهذا الملف إلى نكران السياسيين لنضالات الشهداء والجرحى وعدم اعترافهم بانجازهم، مشيرا إلى البعض منهم يحملونهم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد من وهن اقتصادي وصراع محموم على السلطة متناسين أن الثورة هي من أوصلتهم إلى سدة الحكم وسمحت لهم بالتعبير عن مواقفهم بحرية.
وقال بن غازي إن تخاذل السلطات التونسية في نشر القائمة النهائية فاقم معاناة جرحى الثورة الذين تحول بعضهم إلى شهداء كان آخرهم "طارق الجزيري" الذي توفي في مطلع العام المنقضي بسبب عدم تلقيه للعلاج من إصابته بالرصاص واستمرار معاناته أكثر من 9 سنوات.
وأشار ابن غازي إلى أن أذرع النظام السابق حاولت تشويه شهداء الثورة وجرحاها من خلال الحديث عن المطالب المادية لهؤلاء وإظهارهم في صورة من يقايضون نضالاتهم بالمال.
وأكد أن الهدف الأساسي والأول من نشر القائمة هو تصحيح التاريخ وحفظ الذاكرة الوطنية قائلا "العائلات لا تطلب مالا وإنما تطلب كرامة".