وبحسب مصادر مغربية، بدأت الرباط في ترتيبات خاصة لاستقبال الآلاف من الأطفال غير المصحوبين في عدد من الدول الأوروبية، من الذين يمكن أن تعيدهم الدول الأوروبية، خاصة أن بعض التعقيدات القانونية تحول دون سرعة وتيرة العملية.
ووفقا لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فإن عدد الأطفال المغاربة داخل أوروبا يصل إلى تسعة آلاف طفل، ما يعادل نحو 68% من إجمالي الأطفال القاصرين في أوروبا، وتشير المنظمة إلى أن عدد الأطفال الذين يسافرون لوحدهم عبر الحدود المغربية في ارتفاع مستمر منذ سنة 2010، وأنهم يمثلون 10% من مجموع المهاجرين، بينما تشير جمعيات مغربية غير حكومية، إلى أن عدد القاصرين المغاربة في أوروبا، من المهاجرين بطريقة غير قانونية، نحو 20 ألف شخص، معظمهم في فرنسا وإسبانيا.
وبحسب السلطات الإسبانية، دخل إلى سبته في الفترة ما بين 17 إلى 20 أيار/مايو 2021، حوالي 10 آلاف شخص، وأشارت إلى أن معظمهم أعيد على الفور إلى المغرب، لكن ظل فيها حوالي 1500 قاصر وفقا للسلطات الإسبانية، و2000 قاصر بحسب منظمة العفو الدولية.
وفي الأول من يونيو الجاري، وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، بإعادة الأطفال القصّر الموجودين على الأراضي الأوروبية، وغير مصحوبين بذويهم.
وأكد بيان لوزارة الخارجية المغربية، وقتها، أن الملك "أكد مراراً، بما في ذلك لرؤساء الدول الأجنبية، التزام المملكة الواضح والحازم بقبول عودة القصر غير المصحوبين الذين تم تحديدهم على النحو الواجب".
وأوضح البيان أنه "تم وضع آليات تعاون لهذا الغرض مع بعض البلدان، لا سيما فرنسا وإسبانيا، ما أدى إلى عودة عشرات القصر إلى المغرب"، وأكد البيان أن "التأخيرات التي لوحظت في تنفيذ هذا التعاون مرتبطة بشكل أساسي بالعوائق بسبب الإجراءات المعقدة في بعض البلدان الأوروبية".
وقال عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن "عودة القصر المغاربة من أوروبا ستكون بلا شك مهمة عسيرة".
وبحسب اتفاقية "دبلن" التي تؤطر كل ما له علاقة بالحماية الدولية في دول الاتحاد الأوروبي، "فالمصلحة العليا" للطفل هي مبدأ أساسي في أوروبا. وجاء في الاتفاقية: "المصلحة العليا للطفل يجب أن تكون أول اعتبار في الدول الأوروبية".
وأوضح الخضري في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "المغرب دون حدوث أي اختراق حقيقي للواقع، على الأقل في الأفق المنظور، ليس هناك بوارد للعمل على إحداث مراكز استقبال".
وأوضح أن الأطفال يمكن إعادتهم إلى مدنهم، خاصة أن غالبيتهم لديهم عوائل وحواضن اجتماعية، وهو ما يعني أنه لا داعي لإنشاء مراكز أو ملاجئ.
ويرى الخضري أن الحكومة المغربية قد لا تقدم رعاية نفسية لهؤلاء المرحلين، بل يخشى متابعتهم قضائيا بتهم الهجرة السرية.
وأشار إلى أن "عملية الترحيل تستهدف نصف الأعداد المتداولة والتي تتحدث عن نحو 20 ألف طفل غير مصحوبين".
ويستبعد الحقوقي المغربي فرض الأمر الواقع على المغرب الذي يمسك بخيوط كثيرة، لا يستعجل استعمالها كلها، بل يسعى إلى ضبط جبهات الصراع القائم بينهما، بحسب الخضري الذي يرجح أن هناك ملفات أخرى من تحت الطاولة، تعج بنقاط الخلاف والتباين، ما قد يجعل من المرحلة المقبلة تعج بالمفاجآت.
ومنذ عام 2016 والأوساط الأوروبية تحاول إقناع المغرب بتشييد مراكز استقبال المهاجرين تابعة للاتحاد الأوروبي، وقال المحلل السياسي المغربي يوسف لحايك، إن أوروبا تحاول استخدام ملف ترحيل الأطفال القاصرين كورقة للضغط على المغرب، وأن المغرب تعامل مع الملف بحزم ووضوح.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن توجيهات الملك محمد السادس إلى وزارتي الداخلية والخارجية من أجل تسوية وضعية القاصرين المغاربة الموجودين في بعض الدول الأوروبية، وإعادة جميع القاصرين المغاربة غير المصحوبين بذويهم بدول الاتحاد الأوروبي إلى المغرب، "أكدت حزم الموقف في الملف".
لافتا إلى أن المغرب برهن على موقفه المتعاون مع البلدان الأوروبية، ولاسيما فرنسا وإسبانيا، ما أدى إلى عودة عشرات القاصرين إلى المغرب.
وبشأن إمكانية إنشاء مراكز استقبال، أوضح الحايك أن المغرب ليس في حاجة لإعداد مراكز استقبال لهؤلاء القاصرين، لأن معظمهم لهم أسر وعائلات وسيعودون للعيش في كنفها، في حين أن المطلوب هو تأطيرهم وإعادة إدماجهم في المجتمع.
ومؤخرا وقعت أزمة سياسية كانت قد نشبت بين المغرب وإسبانيا على خلفية استقبال الأخيرة زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على أراضيها، عقب دخوله بجواز سفر جزائري، لتلقي العلاج في إحدى مستشفياتها.
واتخذت الخلافات أبعادا كثيرة، حيث تم إلغاء اجتماعات دورية بين البلدين بخصوص ملفات مشتركة، كذلك هددت المغرب بأنها لن تكون شرطيا على حدود أحد، في إشارة منها إلى عدم منعها المهاجرين غير الشرعيين إلى إسبانيا.
وفي 10 يوينو الجاري، أدان البرلمان الأوربي المملكة المغربية، بسبب ما قال إنه استخدام القاصرين في ملف الهجرة غير المشروعة مع إسبانيا.
واعتبرت وزارة الخارجية المغربية، قرار البرلمان الأوروبي أنه "توظيف للبرلمان الأوروبي كأداة في هذه الأزمة جاء بنتائج عكسية".
وأشارت إلى أن "القرار لا يتوافق مع سجل التعاون النموذجي للمغرب مع الاتحاد الأوروبي في مجال الهجرة. إن الذين ينتقدون المغرب في هذا المجال، هم نفسهم المستفيدون من النتائج اليومية والملموسة لهذا التعاون على أرض الواقع".
وأكدت الخارجية المغربية أنه في الواقع، "لا يمكن لأحد في أوروبا أن يشكك في جودة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في جميع المجالات، بما في ذلك الهجرة".
وأشارت الوزارة إلى أنه منذ 2017، مكّن التعاون في مجال الهجرة من إجهاض أكثر من 14000 محاولة هجرة غير نظامية، وتفكيك 5000 شبكة تهريب، وإنقاذ أكثر من 80500 مهاجر في البحر، ومنع محاولات اعتداء لا حصر لها.