وأكد رئيس الجمهورية التونسية، أمس الأربعاء، خلال لقائه برئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، سمير ماجول، أن 460 شخصا نهبوا أموال البلاد بقيمة جملية تقدر بـ 13 مليار دينار (ما يعادل 4.8 مليار دولار) مستندا في ذلك على التقرير الذي أصدرته اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد سنة 2011.
وقال الرئيس التونسي إنه سيصدر قريبا أمرا رئاسيا لتنظيم هذه العملية، مؤكدا أن الهدف منها هو إعادة الأموال المنهوبة للشعب وليس التنكيل برجال الأعمال أو المس بأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة الذين يدفعون الضرائب.
خيار صعب وصائب
وقال النائب عن حركة الشعب والمختص في النظام الجبائي، علي بن عون، لـ"سبوتنيك" إن "الخيار الذي اعتمده رئيس الجمهورية في استعادة الأموال المنهوبة هو خيار صائب وجريء ولكنه صعب في نفس الوقت".
وشدد على "ضرورة تظافر كل الجهود لإنجاح هذه الخطة، مشيرا إلى أن الصلح الجزائي ليس إجراءً جديدا وإنما هو تقنية معمول بها في المجلة الجزائية التي تخوّل للنيابة العمومية فتح باب التصالح بين المتضرر ومرتكب الجريمة".
وأضاف بن عون أن "نجاح هذه الخطة يقترن أولا بمدى امكانية تطبيق النص المنظم لهذه العملية والذي وعد رئيس الجمهورية بنشره، وبتركيبة اللجنة التي ستشرف على التنفيذ ومدى تفعيلها لمبدأ التمييز الإيجابي بين الجهات".
ويرى النائب أن
"تجميع هذه الأموال في شكل صندوق للتنمية أفضل من استثمارها مباشرة في مشاريع تنموية قد يقع تعطيلها وقد تصبح محل خلاف في علاقة بتحديد الأولويات التي تحتاجها المنطقة".
وحول الجدل المثار حول قيمة المبالغ المنهوبة التي مضى على تحديدها عقد من الزمن، قال بن عون إن "مهمة تحيين هذه المبالغ ليست بالصعبة على البنك المركزي وعلى وزارة المالية".
وأضاف: "حتى لو تراجعت قيمة هذه المبالغ، فإن مجرد الحصول على نصف قيمتها سيحل جزء من مشاكل تونس التي تجاهد حاليا من أجل الحصول على 4000 مليار من صندوق النقد الدولي".
وفي علاقة بحديث البعض عن سقوط حق تتبع رجال الأعمال المتورطين في نهب المال العام بالتقادم، قال بن عون: "صحيح أن حق التتبع يسقط بعد مضي 15 سنة، ولكن لا أظن أن البنوك وخاصة منها الوطنية لم تقم بالإجراءات المطلوبة لاسترجاع الأموال المنهوبة وحماية نفسها قانونيا، وإذا ما ثبت أن هذه البنوك لم تقم بحق التتبع فإن المسؤولية حينها تصبح مشتركة بين رجال الأعمال الذين تخلفوا عن الدفع وبين المؤسسة البنكية التي تفادت التتبع الجزائي".
إشكال قانوني
على الجانب الآخر، يرى أستاذ القانون الدستوري، عبد الرزاق المختار، أن "الإجراء الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية في علاقة باستعادة الأموال من رجال الأعمال يمس من بعض الحقوق الدستورية ومن المبادئ المتعلقة بالمادة الجزائية ومنها حق الملكية وحق الدفاع".
وأضاف لـ"سبوتنيك" أن "استعادة هذه الأموال يجب أن تخضع إلى حماية الحقوق والحريات المضمونة بالدستور من جهة وإلى حماية المال العام بطرق شرعية من جهة أخرى".
وأوضح المختار أن
"التقرير الذي استند عليه رئيس الجمهورية في توجيه تهمة نهب المال العام لعدد من رجال الأعمال والذي أعدته اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد ليس تقريرا قضائيا ونتائجه لا تستند إلى أعمال تحقيق".
وتابع: "لا يمكن أن يباشر رئيس الجمهورية جمع هذه الأموال دون أن يحيل تقرير اللجنة على القضاء الذي يتولى إصدار أحكام، ودون أن تستوفي هذه الأحكام كل طرق الطعن".
وبعيدا عن الجانب القانوني، تساءل المختار: "حتى لو استوفت الأسماء المعروضة في القائمة حقوق المحاكمة والدفاع والطعن وتم الثبت من جودتها التشريعية، هل أن فتح مشاريع تنموية في مناطق نائية تغيب عنها البنى التحتية ويقل فيها المستهلكون هو مشروع ناجح وقادر على الاستمرارية؟".
إعادة التقييم
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، قال الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق، حسين الديماسي، إن "فكرة الرئيس ممتازة من الناحية النظرية ولكنها تفتقر إلى جهاز للتنفيذ".
وأضاف أن "قضية المصالحة ليست بالجديدة ووقع طرحها منذ الحكومة الأولى بعد الثورة التي قادها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وتكرر طرحها صلب الحكومات المتعاقبة".
وبيّن أن "جميع هذه الحكومات فشلت في تطبيقها بسبب غياب حكومة صلبة ومتناسقة لها حزام سياسي قوي وأغلبية برلمانية مريحة، مشيرا إلى أن النظام السياسي والحقوقي الحالي سيكون عائقا أمام تطبيق الصبح الجزائي".
وقال الديماسي إنه
"لا يمكن ضمان نجاح الفكرة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية بتحويل هذه الأموال إلى مشاريع تنموية، خاصة وأنه وقع تجربة هذه الخطة بطرق مشابهة ولم تثمر عن نتائج إيجابية. وأضاف أن المشاريع التنموية يجب أن تراعي خصوصية المنطقة وأن تكون متينة مستمرة".
من ناحية أخرى، يرى الديماسي أن "الأرقام التي قدمها رئيس الدولة لا تترجم ضرورة الصورة الحقيقية والصحيحة لقيمة الأموال المنهوبة على اعتبار أن المرجع الذي اعتمده يعود إلى سنة 2011".
ولفت إلى أن "تقدير قيمة المبالغ المطلوبة يجب أن يخضع إلى عنصر الزمن، خاصة وأن العشرية الأخيرة شهدت ارتفاعا في نسق التضخم، وبالتالي لا يمكن مقاربة الأسعار الجارية بالأسعار المعتمدة زمن الثورة".
وخلص الديماسي إلى أن "استعادة الأموال المنهوبة يجب أن يخضع إلى التقييم والمراجعة من قبل لجنة مستقلة من الخبراء تتولى التدقيق في هذا الملف".