ويرى مراقبون أن الدعوة لهذا المؤتمر جيدة، لكن لن يكون لها دور فعال في تحريك ملف العلاقات (السعودية - الإيرانية)، لأن هذا الملف يخضع لتحركات دولية وملفات أكبر، وتوقع المراقبون ألا يتعدى التمثيل (السعودي- الإيراني) مستوى وزراء الخارجية، ورغم الحوار غير المعلن بين الطرفين إلا أن هناك معوقات لا تزال تقف أمام أي تقارب.
العقيدة السياسية
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "أعتقد أن إيران في حاجة ماسة إلى علاقات هادئة مع المملكة العربية السعودية، لكن العقيدة الإيرانية التي لا تزال سائدة في نظام الدولة لدى طهران، قد تشكل مانعا رئيسيا في بناء هذه العلاقة، لأن العقيدة السياسية في طهران تتعارض حتى مع السياسة الدولية، التي تعارض التدخل في الشؤون الداخلية للدول والتي تعني أيضا التمدد السياسي والاستراتيجي داخل دول الجوار، وبشكل خاص الدول العربية.
وأشار رئيس مركز القرن إلى أن "اللقاءات السعودية الإيرانية تصطدم بعقبة تلك السياسة التي تنتهجها طهران على مدى عقود، أما مسألة مؤتمر دول الجوار وحضور البلدين، فهذا الأمر ليس بجديد، فقد حضرت الدولتان سويا أكثر من مؤتمر، وأنا لا أعول كثيرا على هذا المؤتمر في حدوث تغييرات على الأرض، لكن قد يكون هناك طرح لمشكلات العراق الداخلية، ويتم مناقشتها من بعض الأطراف الإقليمية أو دول الجوار التي لها اتصال أو علاقة بتلك القضايا والمشكلات، وعلى كل حال فإن عقد مثل تلك المؤتمرات هو محاولة لإذابة الجليد في العلاقات الدولية".
أهداف عراقية
وعلى الجانب الآخر قال محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية بالقاهرة "أفايب"، إن قمة أو مؤتمر دول الجوار، الذي دعا إليه رئيس الحكومة العراقية في نهاية أغسطس/ آب الجاري، هو قمة طموحة جدا، حيث يستهدف أمرين من وراء هذا المؤتمر، فهو يعلم جيدا أن مشاكل بلاده لن تحل إلا بابتعاد الأطراف الإقليمية عن الشأن العراقي، علاوة على أن العراق الحالي في حاجة إلى كل الأطراف الإقليمية وعلى رأسها إيران.
التمثيل السعودي والإيراني
وحول ما إذا كان هذا المؤتمر يمثل بادرة لإعادة العلاقات السعودية الإيرانية، أو وضع البلدين على بداية مباشرة نحو طريق إزالة التوتر قال أبو النور: "أرى أن الظروف الإقليمية والدولية غير مهيأه تماما، ولا تشي بأن هذه قمة قد تؤدي إلى حضور أطراف عالية المستوى من السعودية وإيران أو على الأقل من إحدى هاتين الدولتين، وعلى الأكثر سيكون التمثيل بوزير خارجية في أحسن الظروف، أما حضور القادة الكبار ورؤساء الحكومات، فهذا أمر مستبعد في الوقت الراهن، وربما تتغير بعض المواقف قبل نهاية الشهر أو موعد عقد المؤتمر".
- وكانت اللجنة الخارجية النيابية بالعراق، قد أفصحت الأحد الماضي، عن أسماء الدول العربية والأجنبية التي ستشارك في قمة بغداد، منها تركيا وإيران والسعودية ودول عربية أخرى، بالإضافة إلى مشاركة دول أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
وكان العراق قد شهد احتجاجات متتالية انطلقت شرارتها الأولى في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بشكل عفوي، ورفعت مطالب تنتقد البطالة وضعف الخدمات العامة والفساد المستشري والطبقة السياسية التي يرى المتظاهرون أنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي.
تحرك إيجابي بشرط
يقول المحلل السياسي العراقي، الدكتور عادل الأشرم، إن مؤتمر دول جوار العراق الذي دعى إليه مصطفى الكاظمي في ظل الظروف العصيبة التي تعيشها البلاد، هو تحرك جيد إذا ما كان نابعا من الداخل، لأن العراق يحتاج إلى عملية التواصل الإقليمي مع دول الجوار والمنطقة، ومحاولة جمع الأطراف المجاورة والإقليمية على مائدة واحدة، لأن هذا سوف يكون في صالحه في معظم الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية، لذا فإن هذا التحرك وفق الشروط التي ذكرناها، هو تحرك إيجابي، إذا تمكنت تلك الدول من تحجيم الدور الإيراني المهيمن على العراق وقراره السيادي.
وأضاف في حديث سابق لـ"سبوتنيك" أن "تلك الدعوة هى نقلة نوعية يجب أن يستفيد منها العراق، لكن هل تمت تلك النقلة بموافقة العراق دون أن يكون له رأي أو مشورة".
وتابع: "هذا هو السؤال الذي يجب أن نركز عليه، ويجب على الدول التي تدخل مع العراق في مثل هكذا مؤتمرات أن تأخذ بعين الاعتبار، هل هذا المؤتمر يأتي لخدمة العراق والمنطقة في وجه التهديدات وعدم الاستقرار والتصدى للإرهاب والمشاريع الأجنبية العالقة في العراق والدول العربية، أم هناك أهداف أخرى إقليمية وراء عقد هذا اللقاء".
وتابع المحلل السياسي: "أما إذا كان هذا المؤتمر من أجل إرسال الرسائل النظرية للرأي العام في الداخل العراقي أو في الخارج، فهي أمور مكررة عفا عليها الزمن، وجربنا الكثير منها طوال السنوات الماضية، فالكثير من المؤتمرات ذات النطاق العالمي أو الإقليمي وحتى اللقاءات الفردية، علينا أن ندرس مردود هذه المؤتمرات على الشارع العراقي وعلى الدول العربية والإقليمية، يجب أن يكون هناك مردود لمثل هذه اللقاءات على الداخل الذي يعيش أزمة حقيقية عسكرية وأمنية وزراعية واقتصادية وصحية، علاوة على ارتهان بلد بالكامل إلى النفوذ الخارجي".
القرار السيادي
وتساءل الأشرم، عن الحضور الإيراني في هذا المؤتمر، وما الذي يؤشر إليه حضورها، وهل لديها ما تقوله في هذا المضمار، هذه هي المؤتمرات التي يجب أن تنجح، أما المؤتمرات الشكلية في الإطار النظري كما حدث في مؤتمرات دعم وبناء العراق، جميعها لم نلمس لها أي ايجابيات على الأرض، الأمر الذي ولد نوعا من اليأس لدى الجماهير وعدم الثقة في أي من تلك اللقاءات.
- واستطرد: "هل الكاظمي يمتلك مقدرة حقيقية على أن يقود موقف العراق في مثل هكذا مؤتمر، بشكل سيادي ومستقل عن الإراده والنفوذ الإيراني، أم أنه محكوم بأجندات والأحزاب والميليشيات المدعومة من إيران والتي لها أنشطة عسكرية خارج منظومة الدولة".
ولفت إلى أن تلك الميليشيات تمتلك السلاح المنفلت الذي يمكن أن يهدد الدولة بشكل كامل، وتستطيع أيضا أن تؤثر في الكاظمي الذي جاء أيضا بموافقة تلك الأحزاب والمليشيات، فهل باستطاعة الكاظمي أن يتمرد على كل تلك المآلات التي أوصلته إلى رئاسة الوزراء، فكم من القرارات التي اتخذها الكاظمي حول تحيد الميليشيات والقضاء على الفساد واستعادة سيادة الدولة، بعد تلك الشهور اكتشفنا أن جميعها أقوال وليست أفعال على أرض الواقع".