تستمر حالة عدم الاستقرار في أفغانستان، لكن هذا المخاض العسير الذي تمر به البلاد، قد يكون بيئة جيدة أيضا لدخول لاعبين جدد، على رأسهم "العملاق الاقتصادي الصيني"، خصوصا إذا علمنا أن الصين لعبت دورا سابقا ورئيسيا في تسهيل مفاوضات السلام في أفغانستان منذ عام 2014.
ينظر حكام أفغانستان الجدد حاليا إلى الصين على أنها المنقذ الوحيد لها، وبابها الأخير، نحو العالم الخارجي، في ظل استمرار العقوبات العالمية والحصار الاقتصادي على البلاد، الأمر الذي يجعل من الحكام الجدد في أفغانستان يرون بالصين "المفتاح الوحيد" لإعادة بناء الدولة وإنعاش الاستثمار وبناء البنية التحتية في البلاد، ومن سيكون قادرا في يومنا هذا على القيام بكل ذلك غير العملاق الاقتصادي الأكبر في العالم وهو بالطبع الصين، وليس "البنك الدولي"، حيث تمثل الحدود الصينية الباب الأخير لطالبان لكن ثمن هذا المفاح باهظ جدا، بالنسبة لبكين.
مؤشرات القارب ظهرت بشكل جلي مع تصريح وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الذي طالب فيه المجتمع الدولي بالتفكير في رفع العقوبات أحادية الجانب ضد أفغانستان.
وفقا للخبراء، فإن الصين اليوم قادرة بشكل كامل على "تغيير قواعد اللعبة"، خصوصا بعد الخسارة الواضحة وتراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، حيث ستملأ الصين الفراغ، لكن مع شروط وضوابط ستضعها الأخيرة على رأسها قضية مسلمي الإيغور، القضية التي أرقت الخاصرة الصينية لعقود، والتي تعتبرها الصين أزمة "تهدد الأمن الداخلي ومشاريعها الاقتصادية العالمية مثل الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان (CPEC)" بسبب موقعها.
يؤكد عالم الصينيات، نيكولاي فافيلوف، أن "الإيغور ومشاريع الانفصال يمثلان إحدى المشكلات الرئيسية للأمن الداخلي جمهورية الصين الشعبية"، مذكرا بالهجمات التي نفذها الإيغور في بعض مناطق الصين مثل العاصمة بكين، لذلك تعتبر وجودها في أفغانستان ضروري لضمان أمنها الحدودي.
وبدوره، يرى مؤسس قناة "A Look to the East"، لي مون، أن "مقاتلو الأويغور قاتلوا جنبا إلى جنب مع طالبان لأكثر من 20 عامًا. ومن المشكوك فيه جدا أن تتعهد سلطات طالبان بحل مشكلة المهاجرين من إقليم شينجيانغ الصيني على النحو المطلوب من قبل بكين"، لكن على الرغم من رأي مون، فإن الثمن الصيني قد يكون حافزا كبيرا لطالبان.
المقابل الصيني مهم جدا لـ"طالبان"، حيث تستطيع لصين النهوض بالبلاد، بكل ما تعنية الكلمة من معنى، من خلال عمليات الاستثمار الصينية الضخمة في شتى قطاعات البلاد المنكوبة وإعادة إعمار البنية التحتية التي تشكل بالنسبة لـ"طالبان" أهم أساس لبناء الدولة وتثبيتها، أي تثبيت حكمها، بالمقال سيتعين على طالبان وقف أي دعم من قبلها للإيغور، لكن يبقى السؤال، هل تستطيع الأخيرة القيام بذلك؟ هو أمر مشكوك فيه بالنسبة للكثيرين على رأسهم بكين أيضا، لكن المحاولة بالنسبة لها كضرب عصفورين بحجر، مكاب اقتصادية في بيئة غنية غير مستثمرة، وتثبيت استقرار مناسب لها عن طريق "بناء حليف".
الكثير من الدراسات تؤكد اهتمام بكين بالمعادن الثمينة والنادرة في أفغانستان، حيث يقدر الخبراء قيمتها بحوالي 1 إلى 3 ترليون دولار، والتي تستخدم بصناعة "أشباه الموصلات"؛ العنصر الرئيسي في جميع التقنيات الحديثة من صناعة السيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون والطائرات والأقمار الصناعية وما إلى ذلك.
على سبيل الثمال لا الحصر، يولي الصينيون الكثير من الاهتمام لمنجم "مس عينك" للنحاس، الذي استأجرته بكين في عام 2007 لمدة 30 عامًا. ودفعت مجموعة "ميتالورجيكال" الصينية المملوكة للدولة (MCC) للسلطات الأفغانية (الرئيس حامد كرزاي سابقا) ثلاثة مليارات دولار، بالإضافة إلى ذلك، فازت مؤسسة البترول الوطنية الصينية بمناقصة للتنقيب عن النفط في شمال البلاد، من المؤكد أن بكين لن تتخلى عن هذه الاستثمارات أو غيرها بل ستعززها.
وكان المتحدث باسم حركة "طالبان" ذبيح الله مجاهد قد أعلن بالفعل أن الحكومة الأفغانية الجديدة مستعدة للانضمام إلى لجنة الانتخابات المركزية. وعدت حركة طالبان بعدم مهاجمة "مس عينك"، أي أنهم ضمنوا المصالح الصينية في البلاد من أي هجوم، وهو مؤشر هام لموافقة الحركة على مطالب بكين وشروطها.
أفغانستان - كنز من المعادن
© Sputnik
وقال مجاهد: "إن طالبان مع إحياء طريق الحرير القديم.. لدينا مناجم نحاس غنية سيتم تحديثها بفضل الصين. بكين أخيرا هي تذكرة لنا إلى الأسواق في جميع أنحاء العالم"، بحسب "riafan".
وعلى الرغم من أن الصين تحاول ضبط الأوضاع على حدودها، إلا أنها تلعب، بحسب بعض المحللين، لعبة صعبة وخطيرة جدا، حيث تكمن الصعوبة في حقيقة أن بكين لا تحتاج فقط إلى تعزيز سلامة وسلاسة دخولها إلى أفغانستان، يجب عليها الحذر أيضا من أجل ضمان علاقاتها الجيدة مع موسكو وطهران، لكن المفروغ منه هو أن استقرار أفغانستان واعتدال طبيعة الحكم سيصب في مصلحة الجميع في المنطقة.
المقال يعبر عن رأي كاتبه