الانهيار الدراماتيكي والسريع للجيش الأفغاني الذي ضم حوالي 300 ألف جندي مدرب على يد أمريكا، كان هو العنوان الأهم عالميا، حيث أثار هذا الانهيار تساؤلات كبيرة جدا حول الأسباب والتبعات رغم وجود التمويل الأمريكي الكبير لدعم استمراريته، لكن التساؤلات الأخرى لمحت لوجود صراع أخر كان قد بدأ الحديث عنه منذ بداية أزمة كورونا، تمثل أفغانستان مركزه الجديد.
أدى تصاعد التوترات التجارية بين أمريكا والصين، منذ بداية أزمة فيروس كورونا، إلى ظهور أزمة "أشباه الموصلات" الكهربائية، وهي عبارة عن عناصر دقيقة جدا تدخل في أهم الصناعات العالمية التكنولوجية المتطورة، بدءا من أجهزة الحاسوب والكومبيوتر إلى السيارات بأنواعها (العادية والكهربائية) وصولا إلى عالم الفضاء.
وبحسب "cnbc"، فإن تصاعد هذه التوترات قد تؤدي إلى ظهور حرب تكنولوجية باردة بين الشرق (دول أسيا) والغرب (أمريكا وأوروبا)، وقد تؤدي هذه الحرب إلى تعطيل "سلسلة التوريد العالمية"، وهو ما تسبب حقيقة بتوقف بعض شركات السيارات الأمريكية عن إنتاج سيارات كهربائية جديدة، مثل شركة "جينيرال موتورز" الشهيرة.
سباق بين أمريكا والصين... متى بدأت المشكلة؟
بحسب التقرير المنشور في مجلة "Foreignpolicy"، سيطرت أمريكا حتى عام 2020 على نسبة 48% (أو 193 مليار دولار) من حصة السوق من حيث الإيرادات، من خلال 8 من أصل 15 شركة تعتبر من أكبر شركات أشباه الموصلات في العالم هي في الولايات المتحدة، منها شركة "إنتل" حيث كانت الصين مستوردا لهذه الصناعة.
لكن السياسة الصينية الجديدة التي حملت عنوان "صنع في الصين 2025"، التي تضمنت مبادئ توجيهية لتعزيز تطوير صناعة أشباه الموصلات الوطنية، عززت من مكانتها الأخيرة من حيث الحوافز المالية والفكرية ومعايير مكافحة الاحتكار، وأدت سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي شددت على تصدير الموصلات لا سيما إلى الصين، اعتبر المحللون أن هذه السياسات تسببت بقيام الصين باكتساب التكنولوجيا الأمريكية أو تطوير مثيل لها عن طريق سلاسل التوريد المدنية والعسكرية، الأمر الذي دفع هذه المشكلة إلى الواجهة.
وبدوره، نوه موقع "The Interpreter"، في مقال نشره عن هذه الحرب، إلى أن إضافة أفضل صانعي الرقائق التكنولوجية في الصين، مثل "هواوي" والمؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (SMIC)، إلى "قائمة العقوبات" (القائمة السوداء) الصادرة عن وزارة التجارة الأمريكية بين عامي 2019 و2020 إلى توقف التعاون التكنولوجي بين البلدين بشكل مفاجئ. الأمر الذي أدى إلى استجابة صينية سريعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في أشباه الموصلات بحلول عام 2030.
تعتبر المعادن النادرة من أهم العناصر التي تدخل في صناعة أشباه الموصلات، نظرا لميزاتها الفريدة، لكن مشكلتها الكبيرة يمكن معرفتها من لقبها، حيث يصعب الحصول عليها على كوكب الأرض بسبب ندرتها الشديدة.
وبحسب المركز الوطني لمعلومات المعادن في أمريكا، تتواجد المصدر الرئيسية لهذه المعادن ضمن عدة معادن أخرى مثل الباستناسيت والمونازيت واللوباريت، وطين الامتزاز الأيوني. حيث يستخلص منها 17 عنصرا من المعادن النادرة جدا مثل السكانديوم والإيتريوم واللانثانيدات. ويعتبر عنصرا الثوليوم واللوتيتيوم، من أندر العناصر على الإطلاق، حيث يتواجد فقط حوالي 0.5 جزء في المليون من أصل العناصر النادرة.
وتتخذ معركة "أشباه الموصلات" بعدا جيوسياسيا بسبب توزع هذه العناصر جغرافيا في كوكب الأرض، حيث تمثل أماكن انتشارها كنزا ثمينا للدول الطامحة للتربع على عرش التكنولوجيا العالمية اليوم.
وبحسب الباحث في المستقبل الجيوسياسي والمستشار في مركز "الابتكار لأجل المستقبل" بتورونتو، أبيشور براكاش، فإن غض النظر عن مشكلة صناعة الرقائق في وجعلها في طي النسيان هي "علامة على أن الجغرافيا السياسية للتكنولوجيا يمكن أن تهدد أي قطاع" في العالم مستقبلا.
ويضيف: "إن الصناعة (رؤوس الأموال) مجبرة على إعادة التفكير في عملياتها العالمية، من حيث التوظيف في مجال مناجم المعادن الأرضية النادرة، بسبب الاعتبارات الجيوسياسية".
أكد جيولوجيون أمريكيون وجود حجم هائل للثروة المعدنية في أفغانستان، قدرت قيمتها بما لا يقل عن تريليون دولار وقد تصل إلى 3 ترليون دولار، وتشير المصادر إلى أن أفغانستان تمتلك أكبر احتياطي في العالم من المعادن النادرة تنتشر على طول جبال أفغانستان.
وتتطلع كبار الدول الصناعية في العالم اليوم، إلى هذه الجبال القاحلة والغنية بالمعادن النادرة التي يقدر احتياطياتها بحوالي 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة، حيث تقدر قيمة البريليوم بحوالي 88 مليار دولار، وتملك ثاني أكبر احتياطي من النحاس في العالم، وهو معدن رئيسي في هذه الصناعات تقدر قيمة بحوالي 88 مليار دولار.
تمتلك أفغانستان عناصر أرضية نادرة مثل اللانثانم والسيريوم والنيوديميوم وعروق الألمنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق والليثيوم.
وبحسب الباحثة، الدكتورة شاميليا خان، مديرة ديون الأسواق الناشئة في مؤسسة "AllianceBernstein" في تصريحات أدلت بها لشبكة "CNBC"، فإن "الصين تتطلع للانقضاض (للدخول) إلى أفغانستان"، حيث، وبحسب خان، "قدم للصين عرضا خطيرا للغاية يمكنها استغلاله".
يبقى السؤال اليوم، من الجهات التي ستضع يدها على هذا الكنز الثمين، ليكون هو المنتصر الوحيد من معركة لم يخضها استمرت أكثر من 20 عاما قادتها أمريكا، قتل فيها مئات الألوف من البشر وأحرقت فيها مليارات الدولارات بلا جدوى.
المقال يعبر عن رأي كاتبه.