في السنوات الأولى للحرب، لطالما كانت المفخخات والقذائف الصاروخية التي تنهال على أحياء العاصمة السورية انطلاقا من مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية في محيطها، هي المتهم الأول في حرمان المواطنين من أجواء الاحتفال والفرح.
خلال السنوات الأخيرة، وما أن ولجت البلاد مرحلة التعافي الأمني، حتى جاء الحصار الغربي والنهب لثرواتهم الوطنية المتركزة في مناطق سيطرة الجيش الأمريكي شرقي البلاد، ليستكملا ما بدأه الإرهاب من تدمير ممنهج للاقتصاد، وليتضامنوا جميعا، الحصار والإرهاب والنهب، في حرمان السوريين من الاحتفال بعدما ألقوا بنحو 90% منهم تحت خط الفقر، وفقا لما تؤكده الإحصائيات الأممية.
"ليس بإمكاننا إلا استخدام أدوات الزينة التي بقيت لدينا من العام الماضي كشجرة الميلاد وإكسسواراتها وحبال الأضواء الملونة وتمثال سانتا كلوز".. تقول السيدة لمى حداد لـ "سبوتنيك"، قبل أن تضيف: "شهدت الأسواق ارتفاعاً في أسعار الأشجار وزينتها والأدوات المخصصة لتزيين المنازل، ما أثر على عمليات البيع التي انخفضت عن العام الماضي بنسبة 60%".
السيدة حداد، وهي صاحبة أحد محال بيع الهدايا في حي باب توما في دمشق القديمة، ترى إن ارتفاع أسعار الزينة جعل الكثير يتجهون إلى صنع الشجرة يدوياً أو إعادة تدوير الزينة التي تم استخدامها العام الماضي.
كريستينا، وهي طالبة جامعية تقطن الحي نفسه، تحدثت لـ "سبوتنيك" عن عدم نية عائلتها باقتناء زينة جديدة والاكتفاء بما لديهم من ميلاد العام الماضي، لافتة إلى عدم القدرة على دفع مئتي ألف ليرة على أقل تقدير، في حال رغبت بوضع زينة جديدة.
أزمة الكهرباء، التي عمق الجيش الأمريكي جراحها بعد إنشاء قواعده اللاشرعية فوق منابع النفط والغاز الرئيسية شرقي البلاد، هي الأخرى لها حصتها من اختطاف الميلاد، فتشكيلات الأضواء المعلقة على شرفات المنازل وفي ساحات وشوارع دمشق كانت واحدة من أهم مظاهر الأعياد، إلا أنه من المتوقع أن تسيطر الظلمة هذا العام بعدما وصلت ساعات قطع الكهرباء إلى 5 ساعات مقابل ساعة وصل واحدة في أغلب المناطق، جراء النقص الحاد في احتياجات محطات التوليد إلى الغاز والفيول.
السيدة ماريا عطية، وهي موظفة وأم لطفلين، تحدثت بكثير من التشاؤم عن انقطاع الكهرباء الذي يصل في منطقتها إلى 18 ساعة في اليوم الواحد في منطقة سكنها بحي جرمانا، مشيرة إلى أنها اكتفت بشراء هدايا لأولادها، من دون شراء أي مستلزمات احتفالية أخرى، معتبرة أن أولويتها خلال الوقت الراهن تتركز على تأمين الطعام والأدويةوالاحتياجات الطارئة.
من الناحية الاقتصادية، أسهم تراجع سعر الليرة أمام الدولار في انخفاض قياسي بالقدرة الشرائية لدى الغالبية الساحقة من السوريين، لترتفع بذلك أسعار أشجار الميلاد والزينة التي يتم استيراد معظمها من الصين وتايلند، في الوقت الذي لا تجد فيه الكثير من العائلات مكاناً يأويها ولا ملابس تكسوها أو حتى طعاماً كافيا تسد به رمق أطفالها، والحال كذلك، كيف لها أن تستقبل عيد الميلاد والعام الجديد!.
"تأمين لقمة العيش أهم منالاحتفال والتزيين.. زمن الرفاهية رحل منذ بداية الحرب"، هذا ما قاله صاحب إحدى المحال التجارية المتخصصة بأضواء الزينة في منطقة باب توما، مؤكدا على أن "الإقبال ضعيف جدآ بسبب الوضع الاقتصادي المتردي لدى المواطنين".
وهو يعلق ما تيسر له من الزينة على واجهة متجره الكائن في حي (الدويلعة) الشعبي على الأطراف الجنوبية لدمشق، يقول مازن طعمة لـ "سبوتنيك": "من المؤلم التخلي عن شجرة العيد بسبب تكاليفها الباهظة".
يحرص طعمة على شراء الزينة وشجرة الميلاد لإضفاء لمسة احتفالية إلى واجهة متجره ومنزله مع وداع عام واستقبال آخر، إلا أن ارتفاع الأٔسعار جعله يعتمد على شجرة (سرو) صغيرة مزروعة في أصيص بحديقة منزله، ويقبل بزينة العيد الموروثة من العام الماضي.
أسعار تفوق خيال السوريين
خلال جولة قامت بها مراسلة "سبوتنيك" بدمشق، لوحظ تفاوت كبير في أسعار شجرة الميلاد تبعا لطولها ومصدرها، ومن منطقة إلى أخرى.
في الأسواق الشعبية، بلغ سعر أرخص شجرة (متدنية الجودة) من إنتاج محلي (طول 90 سم) حوالي 70 ألف ليرة، وهو يعادل راتب موظف حكومي خلال شهر، فيما تلك التي يبلغ طولها (120 سم) فسعرها 90 ألف ليرة، أما طول (200 سم) فتباع بـ 225 ألف ليرة.
أما الأنواع الأخرى من أشجار الميلاد المخصصة للمنازل (متوسطة الجودة من منشأ تايلندي)، فتباع بنحو 500 ألف ليرة سورية.
الأسعار السابقة ترتفع تلقائيا بنحو 30- 40% في أسواق وسط المدينة.
تقول ريما، وهي معلمة في إحدى مدارس منطقة (القصاع) بدمشق: "أصبحنا نبحث عن التاجر الرحيم.."،
مشيرة إلى أنه وبسبب الغلاء الفاحش أصبح الناس يطيلون رحلتهم في البحث عن متاجر أرخص من أخرى"، قبل أن تضيف: "من الصعب شراء شجرة جديدة أو زينة ميلاد من الألف إلى الياء (إشارة إلى زينة مكتملة)، وخاصة أن سعر الشجرة يتراوح بين 85-600 ألف ليرة، وذلك حسب الحجم".
وعما فعلته لتتمكن من إكمال المظاهر الاحتفالية في منزلها، تشرح ريما: " لم نعد نتنافس مع الجيران في زينة الميلاد كما كانت حالنا قبل الحرب على بلدنا، أصبحنا اليوم نكتفي بالقليل منها داخل المنزل.. لن أسمح لجشع التجار بأن يسرق فرحة أطفالي بالأعياد، حتى وإن كان ذلك بأقل التكاليف، ولذلك اكتفيت بشراء نواقص الزينة لهذا العام من بازار كنيسة اللاتين".
بازارت لتقليص كلفة العيد
المشرف في مركز (فرقة مار فرنسيس) التعليمي لكنيسة اللاتين في حي (باب توما)، السيد رزق الله رزق، أكد أثناء مشاركة فرقته في بازار (عيد ميلاد السيد المسيح رسول المحبة والسلام)، على أن "الإقبال جيد هذا العام.. فالناس يحتاجون إلى متنفس في ظل الأزمات التي يعيشونها"، مشيراً إلى أنه و"بالرغم من تدني أسعار مستلزمات العيد في البازار، فقد وجد البعض صعوبة في اقتناء متطلباتهم بسبب القدرة الشرائية الضعيفة".
وقال رزق لـ "سبوتنيك": البازار عبارة عن سوق خيري صغير، يتم نشر طاولات في البهو الخارجي للكنسية، ليقوم أشخاص بدفع بدلات زهيدة لقاء استئجارها بغية عرض مشغولاتهم اليدوية لمستلزمات العيد من زينة وديكورات وشوكولا وغيرها..
الطفلة ميريام البابا، وهي إحدى المشاركات في البازار، تحدثت عن مشاركتها من خلال مشغولاتها من عجينة السيراميك ومواد أولية بسيطة، لزينة عيد الميلاد.
أما لارا، وهي صاحبة مركز تصميم زينة للمناسبات، فقالت أن مشاركتها في البازار اقتصرت على عرض شوكولا مصنّعة يدوياً، مشيرة إلى الإقبال على شراء شوكولا الضيافة أكثر من مستلزمات الديكور والزينة، وذلك على الرغم من أن أسعار البازار مناسبة للجميع، ومخفضة عن أسعار الأسواق".
من جهتها تحدثت سيدة عن قيامها بصناعة زينة وأشجار الميلاد عن طريق إعادة تدوير مواد من الطبيعة مثل حبات الصنوبر والسرو وقد قامت بصناعتها في منزلها بالتعاون مع والدتها.
ويحتفل المسيحيون بعيد الميلاد المجيد في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول من كل عام، وهو احتفال بميلاد يسوع المسيح، الذي يُعتبر ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، وتعد شجرة عيد الميلاد وبابا نويل من الرموز المرتبطة بعيد الميلاد المجيد.
وكانت محافظة دمشق والعديد من الكنائس والجمعيات والشركات تنصب أشجار ميلاد عملاقة في الساحات والشوارع، إلا أنها اختصرت مدة وضعها هذا العام وقللت عددها بسبب الظروف الصعبة التي تمر فيها سوريا.