يعتمد المجتمع القروي في المغرب بنسبة كبيرة على مياه الأمطار والآبار في الزراعة أو مياه الشرب، حيث تقوم كل أسرة تعمل في الفلاحة بحفر بئر خاص بها، لمياه الشرب أو الزراعة.
بحسب الخبراء، فإن آلاف الآبار العشوائية في جميع أنحاء المغرب تمثل كارثة، ويمكن أن تتكرر معها حادثة ريان مرة أخرى، خاصة أن الآبار غير المستعملة غالبا ما تترك دون الاهتمام بإغلاقها مرة أخرى.
تنظيم حفر الآبار
بموجب القانون رقم 36.15، فإن عملية حفر الآبار ممكنة عبر استخراج التراخيص من وكالة الأحواض المائية، إلا أن النسبة الأكبر تتم بشكل عشوائي، حيث لا يوجد إحصاءات دقيقة حول عدد الآبار العشوائية في المغرب.
وبتطلب حفر الآبار التقدم بملف كامل يتضمن الأوراق الخاصة بملكية الأرض والمنزل وبعض الشروط الأخرى حول الهدف من حفر البئر والتعهد بالمحافظة على الشروط الموضوعة، إلا أنها عملية ليست سهلة بحسب الخبراء.
حسب ما ذكر المهندس الطوبوغرافي طارق المفتوحي في حديثه لـ"سبوتنيك"، إن جميع الآبار في المغرب يجب أن تكون مرخصة، وأنها تقع تحت إشراف السلطات المعنية في الدولة.
النباتات المهجنة
بحسب الخبراء فإن زيادة حفر الآبار العشوائية في الشمال المغربي يرتبط بزراعة النباتات المهجنة، حيث كانت النباتات المغربية الأصلية تعمد على مياه الأمطار في حين البذور المهجنة تحتاج لكميات أكبر من الماء.
عشوائية الآبار
في الإطار، أكد المستشار المنتخب محمد خرشيش لجماعة "تموروت"، التابعة لإقليم شفشاون شمالي المغرب، لوكالة "سبوتنيك"، أن النسبة الأكبر في عموم المغرب تعتمد على الآبار خاصة في المناطق القروية.
وأضاف أن كل أسرة تعمل في الفلاحة تعتمد على بئر خاص بها لمياه الشرب أو الزراعة، ما يعني أن هناك آلاف الآبار في المغرب، منها ما هو مستخدم ومنها غير المستخدم وهي الآبار التي تشكل خطورة على حياة الأطفال خاصة.
بحسب المستشار المحلي، فإن إجراءات استخراج الرخص تحتاج للسفر للمدينة وتستغرق الكثير من الوقت كما أنه ليس من السهل الحصول على رخصة حفر بئر، لذلك يقوم الأهالي بحفر الآبار دون عناء استخراج الرخصة.
الأزمة ليست في الآبار التي تستخرج منها المياه بل التي تحفر ولا تخرج المياه، حيث توجد مئات الآبار غير الصالحة لاستخراج المياه، وهي عادة تترك دون ردمها، نظرا لضعف الإمكانيات المادية للفلاح الذي لا يمكنه تحمل تكاليف ردمها بع أن تحمل تكاليف الحفر دون أن تخرج الماء.
من المسؤول عن المتابعة؟
يوضح المسؤول المغربي أن متابعة الآبار موكلة للجهات المحلية، والتي يجب أن تتابع الآبار التي تعمل من عدمها وردمها أو إغلاقها، حيث أن الآبار التي تعمل هي محكمة الغلق ولا تمثل أي مشكلة، إلا أن خريطة الآبار غير المستعملة عشوائية وغير معروفة.
ويرى أنه بات من الضروري تسهيل إجراءات ترخيص الآبار حتى تكون جميعها تحت الإشراف المحلي والمتابعة، بحيث يتم ردم الآبار غير الصالحة.
شاهد على الفاجعة
في الإطار قال حماد لكبير مدير التواصل لجريدة "هبه بريس" وهو من أبناء إقليم شفشاون، إن حفر الآبار في الإقليم وعموم المغرب يجري دون استخراج رخصة، وفي بعض الحالات يخطر الفلاح السلطات بأنه حفر البئر حتى يحصل على الدعم المخصص في إطار "المغرب الأخضر".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن البئر الذي سقط فيه الطفل ريان هو عبارة عن "ثقب" حيث لا يتعدى محيطه الدائري 30 سم.
وأشار إلى أن الآبار تحفر من خلال الشركات المتخصصة بأدوات حديثة، حيث تقوم بإغلاقها وإتمام عملها حال استخراج المياه منها، وفي الغالب يمكن أن تغلق بشكل غير دقيق حال عدم استخراج المياه كما حدث في حادثة الطفل ريان.
مطالب بتشديد الرقابة
في الإطار قالت الكاتبة المغربية نجلاء مزيان والتي عايشت عملية استخرج الطفل ريان من البئر، إنه لا يمكن الجزم بأن جميع عمليات حفر الآبار في المناطق القروية تجرى بشكل عشوائي، حيث أن هناك بعض المناطق تكون الإجراءات مشددة من أجل التراخيص، ومناطق أخرى أقل مراقبة.
وطالبت مزيان في حديثها لـ"سبوتنيك"، الجهات المعنية أن تأخذ بعين الاعتبار قضية الطفل ريان من أجل رقابة شاملة على جميع الآبار في عموم المغرب حتى لا تتكرر الحادثة مرة أخرى.
وأشارت مزيان إلى أن قضية ريان ليست الوحيدة، إلا أن بعض الحوادث لم تحظى بنفس الاهتمام الإعلامي، خاصة أن هناك العديد من الآبار لم تغلق بعد حفرها بسنوات، ولا يتحرك أحد لإغلاقها إلا بعد وقوع كارثة.
دعوات برلمانية
كما دعا رئيس الفريق الاستقلالي في مجلس النواب المغربي، نور الدين مضيان، إلى وقف حفر الآبار بشكل عشوائي في المملكة، لمنع تكرار حادثة الطفل ريان أوران.
وقال النائب المغربي إن عملية الحفر لا تخضع غالبا للأطر القانونية المعمول بها في البلاد، بحسب صحيفة "هسبريس".
وأشار مضيان إلى أن بعض الأشخاص يحفرون أحيانا ما يصل إلى 10 آبار، لا سيما في فترات الجفاف، دون أن يقوموا بردمها.
واعتبر أن واقعة الطفل ريان تدعو لإعادة النظر في الآليات القانونية المتبعة في حفر الآبار، مطالبا بإخضاعها لقواعد واضحة.
الملك العام المائي في المغرب
يعود أول نص قانوني يخص الماء في المغرب إلى سنة 1914، الصادر في الأول من يوليو/تموز 1914، حول الأملاك العامة والمتمم بظهيرين شريفين صدرا سنة 1919 و1925، الذي يدمج جميع المياه مهما كان شكلها في الأملاك العامة المائية، ومن ثم لا يمكن للموارد المائية أن تكون موضوع تملك خاص باستثناء الميـاه التي اكتسبت عليها حقوق قانونية.
وفي سنة 1995، عرف المغرب صدور القانون رقم 95.10 المتعلق بالماء الذي جاء بمقاربة تشريعية أكثر وضوحا لتدبير الأملاك العامة المائية وحمايتها ومراقبتها، وهو النص القانوني الذي ظل حيز التنفيذ لما يناهز العشرين سنة إلى أن تمت مراجعته بموجب القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء الصادر في 10 أغسطس/آب 2016.
وكان ريان، 5 سنوات، قد سقط في بئر جاف، غير مغطى وغير مسيج، في ملكية عائلته، عصر الثلاثاء من الأسبوع الماضي، حيث تمكنت السلطات من استخراج جثمانه بعد 5 أيام، ودفن اليوم 7 فبراير/ شباط، في مسقط رأسه في جماعة تاموروت.