هل ينجح "فولكر والإيقاد" في إنقاذ السودان من الانهيار؟

أكثر من خمسة أشهر منذ سيطرة المجلس العسكري على زمام الأمور في السودان، لم تنقطع الوساطات والمبادرات وأيضا الاحتجاجات، لكن كل هذا لم يقدم أي خطوات تذكر في سبيل حل الأزمة وإعادة المشهد السياسي إلى الطريق الصحيح، كل الأطراف تتمترس خلف قناعاتها ولا تزال الأبواب مغلقة.
Sputnik
فهل تنجح مبادرة الإيقاد ورؤية المبعوث الأممي فولكر بيرتس في تغيير المواقف وإقناع الأطراف بالتراجع قليلا عن مواقفها لإنقاذ البلاد من المنزلق الخطير الذي حذر منه مبعوث المنظمة الدولية؟
البرهان: فرنسا ساهمت في عودة السودان إلى المجتمع الدولي
بداية يقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، السودان حاليا تحت رعاية البعثة السياسية الأممية برئاسة "فولكر"، والذي قدم خلال الساعات الماضية خطابه أمام مجلس الأمن، وتضمن المجهودات التي يقوم بها لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية في البلاد، ودخل على خط تلك الوساطة الاتحاد الأفريقي ممثلا في البرفسور محمد الحسن والذي كان له تجربة سابقة في السودان، واستطاع التوصل إلى اتفاق بين المكونين المدني والعسكري في أغسطس/أب 2019.
نقطة التقاء
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الوساطة التي تجري الآن وتحاول إيجاد نقطة التقاء بين المكونات السياسية والعسكرية في السودان بالكامل تحت رعاية الأمم المتحدة ممثلة في مكتبها في الخرطوم والاتحاد الأفريقي والمنظمة الإقليمية إيقاد والتابعة للاتحاد الأفريقي، سبق لها أن شاركت في صنع السلام مع جنوب السودان عندما كان جزء من السودان في اتفاق نيفاشا الشهيرة وتوصلت إلى اتفاق السلام الشامل عام 2005، بعد ذلك كان لها دور كبير في عملية السلام في جنوب السودان بعد أن أصبح دولة مستقلة والتي لا تزال جارية على الأرض وفي مراحلها النهائية.
وتابع ميرغني أن منظمة الإيقاد ليست جزء من العملية السياسية في السودان، لكن بالضرورة ونظرا لتجاربها السابقة وارتباطها بالأوضاع عموما في السودان، فقد يكون لها صلات بالأطراف التي الوساطة في السودان "الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة"، لكن ليس هناك دور مباشر لها الآن يرتبط بالعملية السياسية في السودان.
الشارع السوداني
وأشار المحلل السياسي إلى أن، الشارع السوداني الآن لا يلتفت إلى أي من الوساطات أو المبادرات بما فيها وساطة الأمم المتحدة، لأنه يرى أن تلك المبادرات الآن لا يمكن أن توضع في الاعتبار، إلا إذا ظهر من البراهين والأدلة ما يؤكد أن هناك تقدم باتجاه تكوين حكومة مدنية بصورة كاملة، بمعنى أن الشارع مرتبط بنتائج الوساطة وليس بعملية الوساطة نفسها، لذا لا نجد أي اهتمام من جانب الشارع، خاصة الشارع الذي تمثله لجان المقاومة.
وأوضح أنه بهذا الشكل لا نرى أن هناك أي فرصة لنجاح تلك المبادرات إلا إذا كان هناك اختراق للمواقف، وهذا ما قال به فولكر أمام مجلس الأمن، بأن التفاهمات وصلت إلى مستوى مقبول أو مقدر بين أطراف العملية السياسية، وهذا يؤشر إلى إمكانية الوصول إلى ما أطلق عليه فولكر"المساومة الكبرى".
وأوضح المحلل السياسي، أن اللاءات التي أطلقها الشارع السوداني، قد تفهم في بعض الأحيان بصورة خاطئة، على أنها قطيعة كاملة لا تسمح بإيجاد تسوية سياسية وحلول وسطية، إنما تلك اللاءات تعني ما يجب أن يكون عليه الوضع النهائي، فإن كانت هناك مراحل يمكن أن تفضي إلى هذا الوضع النهائي، فقد تكون مقبولة من الشارع السوداني، بمعنى أن يكون هناك حل آخر ينتهي بأن لا تكون هناك شراكة، لكن من غير المنطقي أن نقول أن اللا شراكة تبدأ فورا لأن هناك أمر واقع ولا بد من وجود عملية سياسية تغير الواقع الموجود، ماهية تلك العملية لا نعرف، لكن لا بد أن تفضي في النهاية إلى اللاشراكة، وهذا ما يريده الشارع الذي يؤمن بعملية التفاوض المفتوحة والمعلنة وليست حبيسة الغرف المغلقة.
تحذير فولكر
كان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، قد قال يوم أمس الاثنين، خلال إفادته أمام مجلس الأمن، إن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية في البلاد تتدهور بسبب غياب حكومة منذ إعلان الجيش إجراءات بشأن السلطة في 15 من أكتوبر/تشرين أول الماضي، وما تلا ذلك من احتجاجات واسعة تطالب بالحكم المدني.
الجيش السودان: الوضع في الفشقة مطمئن وتحت السيطرة
وحذر مبعوث الأمين العام من انحدار السودان إلى صراع خطير في ظل ازدياد التوترات داخل مختلف فصائل قوات الأمن، مشيرا إلى أن المشاورات الموسعة التي عقدها مع مختلف الفعاليات السياسية والمجتمعية السودانية كشفت عن اتفاق واسع النطاق على ضرورة إعادة النظر في دور مجلس السيادة وحجمه وعضويته وتشكيل جيش مهني موحد وإلى إنشاء كيانات قضائية وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات ذات مصداقية.
وأكد أن الجهود الدولية والإقليمية الرامية لحل الأزمة السودانية ستركز خلال الفترة المقبلة على التوصل لترتيبات دستورية مؤقتة، تشمل الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية والعودة إلى النظام الدستوري والمسار الانتقالي، في ظل حكومة مدنية قادرة على توجيه البلاد خلال الفترة الانتقالية ومعالجة الأولويات الأساسية.
وأوضح ان السودان يواجه أيضا خطر تفويت مواعيد نهائية حيوية وضعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للدعم الاقتصادي والمالي الدولي، وشطب نحو 50 مليار دولار من ديونه، في إطار مبادرة تخفيف ديون البلدان وأردف "من المرجح أن تضاعف الآثار المجتمعة للنزاع والأزمة الاقتصادية وضعف المحاصيل، عوامل سترفع عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد ليصل إلى ما يُقارب 18 مليون شخص بحلول نهاية هذا العام".
وقال بيرتس إن الحالة الأمنية تزداد سوءا، حيث تنتشر الجريمة وحالات الخروج على القانون، إلى تعرض المحتجين المطالبين بحكم مدني للقتل بـ"الرصاص الحي والاعتقال على يد القوات الأمنية"، متحدثا عما وصفها بـ"انتهاكات متزايدة بحق النساء"، علاوة على أعمال العنف المرتبطة بالصراع القبلي وأطماع السيطرة على الذهب في منطقة جبل مون بغرب البلاد أدت إلى مقتل نحو 48 شخصا، وتشريد أكثر من 12 ألفا.
طرح قديم
من جانبه يقول المحلل السياسي السوداني، الدكتور عبد الملك النعيم، إن مبادرة منظمة الإيقاد لحل الأزمة في السودان ليست بجديدة ولا تحمل جديدا، فقد كان للاتحاد الأفريقي في السابق موقف لم يساهم في دفع عملية السلام في السودان بالقدر المطلوب، ففي وقت مبكر جدا أعلن عن رفضه لما يتم من تحولات في السودان قبل إعمال الديمقراطية، وأرى أن هذه كانت قراءة غير صحيحة من جانب الاتحاد.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، مجموعة الايقاد هى جزء من الاتحاد الأفريقي ومنظومة تعمل تحت مظلته، وما طرحته قبل أيام كان نقطة خلاف بين مكونات المجتمع السوداني سواء كانت سياسية أو مجتمعية، لأن ما جاءت به الايقاد به ترجيح لمطالب كفة على الأخرى، وفي رأيي أن هذا لا يحقق مسار السلام في السودان.
السودان... عصيان مدني يوقف الحياة في الخرطوم
وتابع النعيم، إذا عدنا إلى حديث المبعوث الأممي، أعتقد أنه خلال الفترة السابقة كان كله مع أطراف النزاع ولم يكن موفقا، لأن تلك الأطراف في داخلها ليست على قلب رجل واحد، لذا لم يصل فولكر إلى أي اتفاق حتى بين أطراف النزاع، وأشعر أن حديث المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن لا يوجد به أي جديد والمساومة الكبرى التي يتحدث عنها ليست هى الحل الأمثل، لأنها تعني ترجيح طرف على الآخر وتقديم تنازلات ربما لا يرضى بها الشعب السوداني بكل تأكيد.
الحلول الداخلية
وأوضح المحلل السياسي أن الحلول التي ينبغي أن تطرح الآن في السودان، يجب أن تكون حلول داخلية بحتة وليست حلول قادمة من الخارج سواء كانت من المجتمع الدولي أو حتى من الاتحاد الأفريقي، المعضلة الآن أصبحت داخلية، وما لم تتوافق الأطراف الداخلية السودانية على صيغة مثلى، لا يمكن للمبعوث الأممي أو الإيقاد أن تخترق هذا الجدار، وفي رأيي أن التعويل الأكبر الآن على مكونات الشعب السوداني، بتوافق داخلي بعيدا عن التدخلات، لأن تجربة الفترة الانتقالية منذ بداية فترة الدكتور عبد الله حمدوك وحتى استقالته في المرة الأولى والثانية لم تكن موفقة بسبب التدخلات الخارجية التي لم تفض إلى نتائج إيجابية لأنها كانت تدعم طرف على حساب الطرف الآخر.
وأضاف: فما بالك الآن بعد الانشقاقات الكبرى التي حدثت في المكونات الداخلية السياسية، التي لا يمكن أن تجدي معها الوساطات سواء كانت إفريقية أو أممية، فالتعويل على التوافق الداخلي وما يرتضيه الشعب السوداني، وبعدها يتم إرسال إشعارات للخارج إن كان يريد الدعم عليه أن يدعم ما يريده الشعب، خلافا لما سبق لا يمكن التعويل على نجاح أي مسعى إقليمي أو دولي.
ولفت المحلل السياسي إلى أن السودان به الكثير من الحكماء والعقلاء، والمكونات الداخلية يمكن أن يحدث بينها توافق إذا رفعت يدها عن إدارة الفترة الانتقالية و احتكمت للوثيقة الدستورية، لأن الفترة الانتقالية وما تبقى منها يجب أن لا تتدخل فيها الأحزاب ولا تكون فترة محاصصة أو حكومة حزبية، فإذا أرادت القوى السياسية أن تبني بناء داخليا لأحزابها وتبتعد عن الفترة الانتقالية لكي تدار بحكومة كفاءات "تكنوقراط" تحت مظلة المجلس السيادي، حينها يمكن أن نخرج من هذا النفق، لكن إذا طمعت الأحزاب السياسية في أن يكون لها نصيب في السلطة والثروة خلال تلك الفترة الانتقالية، هنا تكون قد خرقت الوثيقة الدستورية من جانب ولا يمكن أن تصل إلى توافق داخلي من الجانب الآخر.
خبير: فرض واشنطن عقوبات على الشرطة السودانية يمثل جرس إنذار للخرطوم بعد تقاربها مع موسكو
ويشهد السودان احتجاجات متواصلة في عدة مدن وولايات، تلبية لدعوات من قوى سياسية تعارض الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وتضمنت هذه الإجراءات، إعادة تشكيل المجلس السيادي، واعتقال عدد من المسؤولين، والإطاحة بحكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية؛ قبل أن يعيده إلى منصبه بموجب اتفاق بينهما، في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
غير أن حمدوك أعلن، في 2 كانون الثاني/يناير الماضي، استقالته رسميا من منصبه؛ على وقع الاحتجاجات الرافضة للاتفاق السياسي بينه وبين البرهان.
ومؤخرا، وجه رئيس مجلس السيادة السوداني بالشروع في الإجراءات العملية للانتخابات في تموز/يوليو 2023.
إلا أن عددا من القوى السياسية الفاعلة في الشارع ترفض الحديث عن أي إجراءات انتخابية، في الوقت الحالي؛ معتبرة أن المناخ السياسي والأمني يحتاج إلى تهيئة أفضل.
وقالت لجنة أطباء السودان المركزية الموالية لحركات الاحتجاج الخميس الماضي إن حصيلة القتلى من المحتجين بلغت نحو 90 شخصا.
مناقشة