مجتمع

"المسحراتي"... من "بلال ابن رباح" إلى سيد مكاوي... كيف تحول الطقس الديني إلى فن شعبي

في الثانية من منتصف الليل يبدأ رحلته في منطقته، يحمل طبلته يدق عليها ثلاث دقات ويكررها مع كلمات تراثية غالبا ما يبدأها بجملة "أصحى يا نايم وحد الدايم رمضان كريم"، بهذه الكلمات يعود المسحراتي لشوارع القاهرة كل عام في شهر رمضان.
Sputnik
تختلف الروايات حول أصل عادة "المسحراتي" التراثية، غير أن جميع الروايات تتفق حول البداية في عهد النبي محمد، حيث كان الناس يعرفون السحور بأذان الصحابي بلال بن رباح ويعرفون المنع بأذان ابن أم مكتوم.
عبر العصور الإسلامية أسندت مهمة المسحراتي للجنود تارة ولأشخاص محددين أوكلوا بالمهمة تارة أخرى، تراجعت في بعض العصور وانتشرت بشكل أكبر في أخرى.
في العصر العباسي، كان المسحراتي يمر عبر شوارع القاهرة وأزقتها حاملا طبلته ويردد بعض الكلمات التراثية والتسابيح، وغالبا كان يصاحبه ابنه يردد خلفه ما يقوله، وهو الشكل الذي يحافظ عليه أغلب المسحراتية حتى اليوم
في العصر الفاطمي، أوكلت المهمة لجنود الحاكم، خاصة بعد أن أصدر الحاكم بأمر الله أمرًا بأن ينام الناس بعد صلاة التراويح، وهو ما استدعى إيقاظهم للسحور.
وتشير بعض الكتب التراثية إلى أن والي مصر عتبة ابن إسحاق أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ أهلها إلى تناول طعام السحور عام (238هـ).

ابن نقطة شيخ المسحراتية

في الإطار، يقول مسعود شومان، الباحث في التراث الشعبي المصري، إن المسحراتي الذي عرف في البداية من خلال الأذان تطور عبر التاريخ، إلى أن وصل إلى الشكل الشعبي الفني، خاصة في مصر، وأنه أصبح ضمن التراث الشعبي الذي وثق في العديد من الكتب والمراجع التاريخية.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن أحد الفنون التي نشأت مع "التسحير" هو فن "القوما" المشتقة من "قوم للسحور".
وأوضح أن أشهر المسحراتية في التاريخ الإسلامية كان " ابن نقطة"، والذي كان يمر بجوار قصر الحاكم لإيقاظه للسحور، وكان الملك يجود عليه بالنعم والأموال.
ويعد ابن نقطة هو شيخ طائفة المسحراتية والمسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد في عهد المماليك، وهو مؤسس فن "القوما" أحد أشكال التسابيح.
كانت الطبلة تعرف قديما باسم "البازة " وكانت تصنع من جلد الأغنام، ثم تطورت بعد ذلك، حيث يستعين المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها دقات منتظمة كما هو متوارث شعبيا.

المسحراتي وسيد مكاوي

في العصر الحديث قدّم الثنائي الشاعر فؤاد حداد والملحن سيد مكاوي سلسلة "المسحراتي" التي ظلت حاضرة في المشهد المصري حتى اليوم.
الرجل تدب مطرح ما تحب
وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال
حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال
وكل شبر وحتة من بلدي حتة من كبدي حتة من موال
رمضان حبيب الندى بالعودة أيامه
أنا قلبي ياما نده على معنى أيامه
أذكر المؤمنين بالحق وصيامه
يا مصر يا جنة خضرا ويا رباط الخيل
وجب من الليل جهاد الفجر وقيامه
اصحَ يا نايم وحد الدايم.

تراجع مهنة المسحراتي

في السنوات الأخيرة، تراجعت مهنة المسحراتي في بعض المناطق، غير أنها لم تندثر نهائيا.
ويشير الباحث مسعود شومان إلى أن العديد من العوامل أدت لتراجع دور المسحراتي منها التطور التكنولوجي وأدوات التنبيه، فضلا عن أن الناس يسهرون حتى السحور.
ولفت إلى أن وجود المسحراتي في شوارع مصر في الوقت الراهن يعد من باب الحفاظ على التراث الشعبي.
في الإطار، يقول أحمد عبد الله (مسحراتي)، إنه كان يقوم بالمهمة لسنوات طويلة حتى عام 2000، وكان يقوم بالمرور بشوارع العديد من القرى في محافظة الفيوم "شمال صعيد مصر"، إلا أن السنوات الأخيرة لم يعد الناس بحاجة لإيقاظهم.
يوضح في حديثه لـ"سبوتنيك"، أنه يقوم بنفس المهمة في بعض الأيام خلال الشهر، خاصة في نهاية شهر رمضان، حيث تحرص الأسر المصرية إخراج الزكاة قبل نهاية الشهر.
مناقشة