كيف استقبل السودانيون شهر رمضان في ظل الأزمات التي تعيشها البلاد؟

يشتهر السودان بالعادات والتقاليد القبلية وإن تغيرت بعض الشيء في المدن، لكن القاسم المشترك في عموم البلاد هو الطريقة التي كانوا يستقبلون بها شهر رمضان من كل عام.
Sputnik
كيف كانت عادات أهل السودان في استقبال رمضان، وهل تأثرت بالأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية، أم لا تزال كما هي؟
في البداية يعود بنا الإعلامي السوداني، عبد الرحمن الأمين، إلى سنوات مضت عندما كان التلاحم الاجتماعي من الطراز الأول، حيث كانت السمة الغالبة لمعظم ولايات السودان منذ اليوم الأول في الشهر الكريم، أنك تجد المنازل والشوارع والطرقات قد تحولت بعد صلاة العصر إلى موائد للإفطار وإطعام الطعام.
عادات أصيلة
وتذكر الأمين في حديثه لـ"سبوتنيك"، لم يكن أحد يجلس في بيته أو يغلق عليه بابه في رمضان، بل كان الناس يقطعون الطريق على المارة وقت الإفطار ويجبرونهم على النزول وتناول الإفطار معهم مهما كان عددهم خصوصا في الطرق العابرة بين الولايات، فكان كل أهل القرى والمدن الواقعة على تلك الطرق يتكافلون فيما بينهم لاستضافة هؤلاء المسافرين، تلك كانت السمة الغالبة لأهل السودان في السنوات الماضية عندما يأتي رمضان.
مرارة العوز
يقول الإعلامي السوداني إن السودانيين يتجرعون اليوم مرارة العوز والفاقة، التي دفعت الكثير منهم على غير العادة إلى إغلاق بابه في رمضان، دون أن يجد المرء المظاهر الخيرية والطقوس القبلية والدينية التي كانت سائدة منذ قرون طويلة، فلم يعد لديهم الشيء الكثير الذي يخرجون به على الناس، فمع الضغط الاقتصادي لم تعد تلك الأسر قادرة اليوم على كفالة الآخرين.
سعر الدولار يستقر في السودان وسط مخاطر انكماش كارثي للاقتصاد
السلة الرمضانية
واستطرد الأمين: "كان أكثر ما يميز أهل السودان في رمضان خلال السنوات السابقة من مظاهر الطعام والشراب، كانت الأسواق عامرة بمن يتسوقون ويشترون ما لذ وطاب وحتى الأشياء التي كانت تعد من الترف، الآن لم تعد تلك الأشياء متوفرة حتى في الأسواق وليس بالمنازل، وكان الناس المقتدرون ماليا يقومون بإعداد "السلة الرمضانية" التي تحتوي على الكثير من احتياجات الأسرة ويوزعونها على الفقراء والمحتاجين وأيضا كانت الجمعيات الخيرية تقوم بهذا الدور.
ومضى بقوله لكن هذا العام اختفت معظم هذه الأشياء بفعل الضغوط الاقتصادية التي تسيطر الآن على العالم كله، وضيق المعيشة حال بين الناس وبين الكثير من أعمال الخير في الشهر الكريم، ورغم كل هذا تجد عبارة روحانية لدى أهل السودان تقول "رمضان يأتي بخيره"، وبالفعل يأتي رمضان وتجد الجميع سعيد رغم ما حل بهم من فقر وحاجة.
وسرد الأمين الكثير من المأكولات والمشروبات، منها مشروب تفرد به السودان دون غيره وهو عجينة محلية الصنع "الحلو مر" بنوعية الأحمر والأبيض، كما أن هناك طعام العصيدة وهى عبارة عن عجينة من الذرة وتوضع عليها إضافات أخرى، بجانب العديد من المأكولات الأخرى، مضيفا أن أهل السودان يفطرون في رمضان ثم يتناولون طعاما آخر بعد ساعات، وسحورهم يكون خفيفا جدا بخلاف بعض البلدان.
صينية الطعام
أما الأكاديمية والناشطة السودانية في العمل المدني، الدكتورة إنصاف عبد الله فتقول: "العادات الرمضانية الحلوة لا تزال موجودة في القرى، وتقلصت في المدن حيث كانت توجد "الصينية" التي تحمل الطعام والشراب وقت الآذان بالشارع، كل منزل كان يخرج الصينية وتوضع بجانب الباب ليأكل منها الجميع، لكن بكل أسف أصبح الوضع الاقتصادي ضاغط جدا، وأصبحت الكثير من الأسر لا تستطيع حتى أن تطعم أفرادها.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، كانت الأسر ميسورة الحال تقوم بتوزيع سلات الطعام على المحتاجين قبل دخول شهر رمضان، وهو مالم يحدث في الكثير من المناطق هذا العام نظرا للوضع السياسي والاقتصادي الضاغط، فلم يعد حتى عمال اليومية يجدون قوت يومهم نتيجة إغلاق الشوارع ومنع السير فيها، والخلاصة أن الغلاء والبطالة قضوا على كل مظاهر الخير التي اعتادها الشعب السوداني منذ قرون طويلة.
هل ينجح "فولكر والإيقاد" في إنقاذ السودان من الانهيار؟
الفرحة والألم
وتابعت عبد الله، هذا العام يأتي رمضان وسط أجواء قاسية، لم يعد الأمر قاصرا على الفقر والحرمان فقط، بل هناك ألم فراق دخل الكثير من البيوت السودانية نتيجة استشهاد ابن أو أخ أو صديق أو قريب خلال الثورة وما بعدها وحتى اليوم، كما أن غياب الخدمات أو ندرتها يقلص البهجة والفرحة بقدوم رمضان، حيث تجد بعض المناطق لا تجد مياه الشرب منذ شهر تقريبا، هذا الأمر في العاصمة الخرطوم وليس في القرى النائية، علاوة على انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة وربما لأيام في بعض المناطق، كما ساهم الوضع الأمني المضطرب في اختفاء العديد من المظاهر الرمضانية هذا العام.
المرأة ورمضان
بدورها تقول أمل حنبنيهو، الناشطة في العمل الإنساني والتطوعي بالسودان، إن المرأة السودانية هي إحدى مظاهر الشهر الكريم، حيث تقوم قبل حلول الشهر بعملية تسوق استعدادا لإعداد طعام الإفطار وتشتري التوابل والبهارات وغيرها من لوازم المطبخ واستخراج أدوات وأواني الطبخ الجديدة وترتيب البيت.
وأكملت حديثها لـ"سبوتنيك"، هناك فرحة عامة تجدها لدى الأطفال في استقبال اليوم الأول من الشهر الكريم، كما تجد الرجال والشباب يقومون بعد صلاة العصر بتنظيف وترتيب أمام منازلهم ووضع المفروشات استعدادا للإفطار واستقبال أي ضيف يمر عليهم وقت الأذان، وتجد التراحم والعطف والتسامح بين الناس.
ويشهد السودان احتجاجات متواصلة في عدة مدن وولايات، تلبية لدعوات من قوى سياسية تعارض الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021.
وتضمنت هذه الإجراءات، إعادة تشكيل المجلس السيادي، واعتقال عدد من المسؤولين، والإطاحة بحكومة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية؛ قبل أن يعيده إلى منصبه بموجب اتفاق بينهما، في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
غير أن حمدوك أعلن، في 2 كانون الثاني/يناير الماضي، استقالته رسميا من منصبه؛ على وقع الاحتجاجات الرافضة للاتفاق السياسي بينه وبين البرهان.
ومؤخرا، وجه رئيس مجلس السيادة السوداني بالشروع في الإجراءات العملية للانتخابات في تموز/يوليو 2023.
إلا أن عددا من القوى السياسية الفاعلة في الشارع ترفض الحديث عن أي إجراءات انتخابية، في الوقت الحالي؛ معتبرة أن المناخ السياسي والأمني يحتاج إلى تهيئة أفضل.
وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية الموالية لحركات الاحتجاج الخميس الماضي، إن حصيلة القتلى من المحتجين بلغت 87 شخصا.
مناقشة