"فاعل خير" سوري يطعم مئات الصائمين الفقراء يوميا في اللاذقية... صور وفيديو

حول "موائد الرحمن" حجزوا أماكنهم على عجل، قبل أن يحين موعد آذان المغرب... أشخاص فرادى وعائلات وأصدقاء، اجتمعوا حول مائدة واحدة لقبها "الرحمن"، وشعارها "كلنا لبعض"، وهي موائد مجانية يقدمها أغنياء وقادرون للفقراء، ليجدوا ما يفطرون عليه، وينهون به يوما متعبا من الصيام.
Sputnik
أغلب الجالسين حول "موائد الرحمن"، يداومون منذ بداية شهر رمضان على الحضور للحصول على وجبة الإفطار، حتى باتت الوجوه للوجوه مألوفة لتفتح الباب واسعا أمام التعارف وتبادل أطراف الأحاديث، التي تبدأ حول "مائدة الرحمن"، ولا تنتهي عندما يكمل البعض مشواره سيراً على الأقدام ليكملوا "الحديث" الذي لم ينتهِ بعد.
مائدة الرحمان في سوريا
وسط مدينة اللاذقية الساحلية، وأمام أحد المقاهي، باتت "موائد الرحمن" طقسا رمضانيا يحل في مكانه وموعده كل عام، ويؤمه الصائمون والفقراء، فمنذ سبع سنوات، وصاحب المقهى يواظب على إقامة هذه الموائد في كل عام، لإفطار الفقراء أو عابري السبيل، وكل ذلك مع الحفاظ على بقاء اسمه طي الكتمان.
مائدة الرحمان في سوريا
تعميم المبادرة
"رمضان كريم"، بهذه العبارة المختصرة التي ترافقها ابتسامة عريضة، يستقبل محمود جمال صاحب المقهى الذي يشرف على المبادرة، من يقصده، وهو يدعو الناس إلى الجلوس حول الموائد، أو النزول عند رغبتهم بأخذ الوجبات إلى منازلهم.
مائدة الرحمان في سوريا
قال جمال لـ "سبوتنيك": "أحرص على إقامة "موائد الرحمن" منذ سبع سنوات، بتبرع من أحد الأشخاص ميسوري الحال، الذي يرفض الكشف عن هويته، مبيناً أن الهدف من إقامة هذه الموائد ليس إطعام الفقراء فحسب، وإنما ايضاً تدعيم أواصر الود والمحبة بين السوريين.
وأضاف "رغم غلاء المعيشة وارتفاع تكاليف الحياة بسبب العقوبات القسرية المفروضة على سوريا، والتي زاد أثرها السلبي هذا العام أكثر من العام الماضي، إلا أن ذلك لم يمنع من إقامة "موائد الرحمن"، كما في السنوات السبع الماضية".
الجديد في "موائد الرحمن" هذا العام، حسب جمال، هو زيادة عدد وجبات الإفطار من 250 وجبة كان يتم إعدادها وتوزيعها خلال السنوات السبع الماضية، لتصبح هذا العام بين 350-400 وجبة يومياً، بالإضافة لتقديم الحلويات والعصائر مع الوجبات.
عن عملية اختيار الوجبات وإعدادها، قال جمال: "نقوم بتحضير الوجبات داخل مطبخ تم تجهيزه لهذه الغاية، ويوجد لدينا سبع نسوة يقمن بطبخ الطعام، وهن طبّاخات ماهرات"، موضحا "نحرص على تنوّع الوجبات، واختيار الأكلات التي تتفق عليها أذواق معظم الناس"، متمنيا أن تعمم هذه المبادرات في جميع أحياء المحافظة، وفي المحافظات السورية كافة.
مائدة الرحمان في سوريا
وتابع: "لو كل شخص ميسور الحال قام بمبادرة مائدة الرحمن في حيّه، لما كان هناك فقراء لا يجدون ما يأكلونه على الإفطار".
الأجر عند الله
لينا الباي، إحدى الطبّاخات في موائد الرحمن، تقول لـ"سبوتنيك": "أعمل أنا والطباخات الأخريات من دون أي أجر، سوى فعل الخير والتقرّب من الله"، مضيفة "لا شيء أجمل من فعل الخير في شهر الخير.. رغم التعب الذي نشعر به لوقوفنا ساعات ونحن نعد الطعام، إلا أنه سرعان ما يزول عندما نسمع الدعوات وعبارات الشكر من الأهالي".
وأضافت الباي: "نطبخ هنا كما لو أننا نطبخ في منازلنا لعائلاتنا، ونحرص أن تكون الوجبات التي نقوم بطبخها تحتوي على اللحوم، وأن تكون من الأكلات المحببة للناس كالرز مع فاصوليا حب، ملوخية، كبسة، مع مرقة بطاطا".
ألفة ومحبة
حول "موائد الرحمن" جالسون، يتبادلون أطراف الحديث والضحكات المتعبة بفعل نهار طويل من الصيام والسعي وراء لقمة العيش، وما أن يحين موعد آذان المغرب حتى يقبلوا على الطعام والخوض في الأحاديث بهمة أكبر، فالأمعاء الخاوية، لم تعد كذلك.
محمد درعوزي، مهجر من حلب ويقيم في اللاذقية، قال: "ليس هناك أجمل من أن يشعر الشخص الغني بالفقير ويساعده على الظفر بوجبة إفطار بعد نهار طويل شاق"، مشيراً إلى شعور السعادة الذي يرتسم على وجوه الأهالي الذين يجلسون حول موائد الرحمن.
وأضاف: "هي لمة فرح وألفة تجمع بين الناس المحتاجة.. هذه اللمات أنستني غربتي عن محافظتي حلب التي هجّرني منها الإرهابيون، حيث أشعر أنه بات لي أهل واصدقاء هنا".
مائدة الرحمان في سوريا
الطفل جميل أبو كف من اللاذقية، لم يحجز له مكاناً حول المائدة، إذ قال: "جئت لأخذ وجبات من الطعام إلى المنزل، وتناول الطعام مع أفراد أسرتي".
بدورها، قالت فاطمة بعدراني من حلب تقيم في اللاذقية: "الحمدلله أنه في ظل الظروف المعيشية القاسية الناجمة عن الحصار لا يزال هناك أشخاص يفكّرون في الفقراء ويقيمون "موائد الرحمن"، مضيفة: "ناهيك أن المواظبة على القدوم إلى هنا يجعل بين الناس ألفة ومحبة، بتنا كعائلة واحدة، خاصة أن همومنا واحدة".
مناقشة