واعتمد لبنان نظام السرية المصرفية منذ العام 1956، وتميز النظام المصرفي اللبناني بهذا القانون الذي جعله مركزًا لجذب الأموال العربية والغربية، لا سيما خلال فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وطرح البعض تساؤلات بشأن مدى تأثير إلغاء قانون السرية المصرفية في لبنان على الوضع المالي والمصرفي، لا سيما في ظل احتمالية هروب رؤوس الأموال العربية والأجنبية.
قانون السرية
وقال وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، إن قانون رفع السرية المصرفية يطال القطاع العام بشكل أكبر، حيث القانون كان من الركائز الأساسية للقطاع المصرفي في لبنان، لما فيه من خاصية كبيرة للمودعين، لكن التركيز الأكبر هنا على رفع السرية المصرفية على موظفي القطاع العام الذين يعملون في الجهاز الإداري للدولة، لا يجب أن يكون لديهم سرية مصرفية، لتلافي الوقوع في أخطاء الماضي والفساد والزبائنية السياسية، أو الاستفادة من المواقع السياسية وغيرها من الأمور.
وأكد في حوار سابق مع "سبوتنيك"، أن التركيز الأساسي اليوم على العمل الإصلاحي يتحتم رفع السرية المصرفية عن العاملين بالقطاع العام، بهدف الوصول لدولة وقطاع عام وقطاع مالي شفاف، مشيرًا إلى أن الجو العام في لبنان الآن، وحالة الزخم السياسي تتقبل هذا التعديل، باعتباره خطوة إصلاحية بامتياز، ومن شأنها أن تكافح الفساد.
وقال نائب رئيس الحكومة اللبنانية، سعادة الشامي، إن صندوق النقد طلب تعديل قانون السرية المصرفية من أجل مكافحة الفساد والتهرب الضريبي، والوصول الى أسماء أصحاب الحسابات المعنية، كما سيسهل عملية إعادة هيكلة المصارف، وفقا لوكالة "عمون" الإخبارية.
حبر على ورق
اعتبر زياد ناصرالدين، الباحث الاقتصادي اللبناني، أن استعمال ما يسمى بـ "E banking"، جعلت موضوع السرية المصرفية، مجرد حبر على ورق، مؤكدًا أن القوانين التي أخضع لها لبنان خاصة من قبل أمريكا والمصارف المركزية، جعلت من موضوع السرية المصرفية مكشوفة بشكل كامل للولايات المتحدة الأمريكية، وهيئة الرقابة المصرفية في لبنان كانت تعمل ضمن هذه القوانين والتوجهات.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، خروج الأموال من لبنان كان من الواضح أنه خروج سياسي، وهذا الخروج السياسي كان له تغطية خارجية إقليمية ودولية، ومطالب تعديل قوانين السرية المصرفية جاء من قبل صندوق النقد الدولي، بالتالي من الواضح أن لبنان فقد دوره الاقتصادي النقدي، الذي كان قائما على المصارف والمرفأ والسياحة والتعليم.
وتابع: "كل هذه الأمور ترتبط بشكل أساسي بموضوع المصارف وكان موضوع السرية المصرفية هو العامل الرئيسي لجذب رؤس الأموال إلى لبنان، لكن هذه المرحلة من الواقع اللبناني انتهت، ومن وضع هذه الآلية هو من قرر إنهاءها".
وأوضح أن على المستوى التقني هناك من يقول إن التخلي عن السرية المصرفية شرط من الشروط المرتبطة بصندوق النقد الدولي، لكن فعليًا لم تكن هذه السرية المصرفية ممنوعة عن الدول الغربية، لكن جزء من السرية المصرفية استعمل في إخفاء الفساد الداخلي بلبنان الذي تم قوننته بقوانين وتفاصيل لها غطاء إقليمي خارجي، ولم تأخذ بعين الاعتبار أهمية السرية المصرفية في جذب رؤس الأموال والاستثمار الصحيح وأن يكون لبنان مركزًا نقديا على مستوى عالي جدا ومركزا متنوعا للمحافظ المالية.
فساد وسرقة
بدوره اعتبر ميخائيل عوض، المحلل السياسي اللبناني، أن إلغاء قانون السرية المصرفية من شأنه أن يكشف عمليات النهب التي مورست في لبنان وأين أودعت الأموال وأين ذهبت وكيف جرت، وبعد ذلك يستطيع كل مواطن صاحب مصلحة بالكشف عن حسابات الآخرين، وملزمة المصارف في تقديمها، حتى يستطيع الشعب اللبناني معرفة أين ذهبت أمواله.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، أما قضية ودائع الآخرين في المنطقة العربية والعالم، لم يعد أحد يصدق هذه الكذبة في لبنان، حيث تم سرقة وتبديد كل الودائع اللبنانية للمقيمين والمغتربين والعراقيين والسوريين وأي من الودائع التي وضعت في المصارف اللبنانية بسبب طبيعتها أو للتهرب الضريبي من بلدانها، وغالبها كانت أموال نتجت عن عمليات سرية أو غسيل أموال.
وتابع: "القطاع المصرفي اللبناني برمته لم يعد أحد يثق به بعد العملية الخطيرة التي توصف بأكبر عملية نصب في تاريخ البشرية بأن أفرغت خزينة الدولة وإمكانتها وأفرغت جيوب المواطنين وصادر المصرف المركزي والمصارف والطبقة السياسية أموال الناس منها أموال الضمان الاجتماعي وأموال التعاقدات وأموال النقابات المهنية والبلديات وحتى الأفراد".
ويرى عوض أنه لا قيمة لوجود السرية المصرفية ويجب أن تلغى، ولا أثر في التخلص منها ولا انعكاسات سلبية لها، ولن تخلق أزمة نقدية أو سوى ذلك، فلبنان في أزمة أخطر بكثير وأعمق مما قد يسببه إجراء من هذا القبيل.
وأعلن صندوق الدولي التوصّل إلى اتفاق مع لبنان على مستوى الموظفين بشأن السياسات الاقتصادية، من أجل تسهيل تمويل من الصندوق لمدة أربع سنوات.
وبحسب بيان صادر عن الصندوق فقد صاغت السلطات اللبنانية، بدعم من خبراء صندوق النقد الدولي، برنامج إصلاح اقتصاديا شاملا يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد، واستعادة الاستدامة المالية، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وإزالة العوائق التي تحول دون نمو فرص العمل، وزيادة الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار.
وقد يلقى برنامج صندوق النقد الدولي للبنان دعماً من اتفاق تمويل مدته 46 شهراً مع إمكان الحصول على 3 مليارات دولار تم طلبها.
وتابع: "كما سيكون تمويل الدعم بشروط ميسرة للغاية من شركاء لبنان الدوليين ضروريّاً لدعم جهود السلطات وضمان تمويل البرنامج بشكل كافٍ ويمكنه تحقيق أهدافه".