ومنذ قرارات البرهان لم يستطع العسكر السيطرة كاملا على مقاليد الأمور ولم يهدأ الشارع الذي تزداد أعداد ضحاياه يوما بعد يوم، ولم يتحرك قطار الديمقراطية للأمام، بل بدأت المخاوف من العودة لما قبل 11 أبريل/ نيسان 2019، تاريخ إطاحة الجيش بالرئيس السابق عمر البشير على وقع احتجاجات شعبية عارمة ضد حكمه.
ما البدائل المتاحة أمام السلطة العسكرية الحالية في ظل الرفض الجماهيري للشراكة معهم.. وهل تنجح الضغوط الأمريكية والغربية في تصحيح الأوضاع؟
بداية يقول الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، الفريق جلال تاور، بالأمس القريب أنهى المبعوثون الغربيون السبعة جدول أعمالهم بالسودان ووضعوا عدة توجيهات أو ملاحظات أهمها، تشكيل حكومة مدنية لقيادة الفترة الانتقالية وأن تكون تلك الحكومة "ذات مصداقية" حسب قولهم، والحكومة ذات المصداقية تعني العودة إلى الوثيقة الدستورية الأولى التي تتحدث عن تقسيم الفترة الانتقالية إلى مرحلتين الأولى يقودها العسكريين والثانية يقودها المدنيين، لكن ما حدث في 25 أكتوبر/تشرين أول الماضي عطل تولي المدنيين السلطة في السودان.
إصرار غربي
وأوضح في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن ما أعلنه المندوبون الغربيون يعني أن هناك إصرارا من الغرب على ضرورة تشكيل الحكومة المدنية في السودان كما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية وكما هو متوافق عليه بين جميع الأطراف رغم صعوبة هذا الوضع.
وتابع الخبير الاستراتيجي، أما الحكومة أو السلطة العسكرية القائمة الآن في البلاد، فعليها أن تعمل على التواصل مع جميع الأطراف وبشكل خاص مع القوى المختلفة معها بالذات مثل قوى الحرية والتغيير والشارع الذي خرج اليوم في الذكرى الثالثة لفض اعتصام القيادة العامة، تلك الجهات متشددة ورافضة الاعتراف بأدنى شرعية للبرهان والتي ترتبت على قرارات 25 أكتوبر/تشرين أول الماضي.
ومضى تاور بالقول إنه في حالة التوصل إلى اتفاق مع تلك القوى من جانب البرهان، تكون قيادة المرحلة القادمة من مجلس وزراء ومجلس تشريعي والمفوضيات المنصوص عليها، جميعها بيد أو تحت سلطة مدنية، وفق العدالة الانتقالية وفقا لما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية.
القيادة العامة
وأشار تاور إلى أنه بجانب ما سبق، هناك ضرورة لفتح تحقيق شفاف في أحداث مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، علاوة على تقديم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية والتعاون معها، كل هذا ورد في اتفاق السلام بجوبا والوثيقة الدستورية، لذا تم التنبيه بالتجاوب مع الوثيقة الدستورية الأصل، وتسليم السلطة لمجموعة مدنية متوافق عليها، بحيث تبتعد تلك الحكومة الجديدة عن المحاصصة الحزبية التي أضرت بالفترة الماضية من المرحلة الانتقالية والتي أدخلت البلاد في هذا المنعطف السيء.
ودعا الخبير العسكري الرئيس البرهان "السلطة الحالية" إلى التعجيل بعملية الإصلاح وحل الأزمة قبل شهر يوليو/تموز القادم وهو ما لم يحدث فقد يدفع الجهات والمنظمات الدولية إلى إعادة السودان إلى العصور السابقة من الحظر الاقتصادي والقوائم السلبية التي ظل فيها عقود طويلة.
وتابع بقوله: "لذا فإن قيام حكومة مدنية غير حزبية أصبحت اليوم ضرورة ملحة، لأن الجهات التشريعية الأمريكية قد أقرت قانون بمعاقبة معرقلي عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، كما أن الأمم المتحدة قد عينت البعثة الأممية المتكاملة للمساعدة في عملية الانتقال الديمقراطي، وما لم يحدث ذلك، سوف يتعرض السودان لكمية من العقوبات لا يستطيع مقاومتها".
واعتبر تاور أن ما على البرهان ومن معه "سوى تشكيل تلك الحكومة الانتقالية من كفاءات متفق ومتعارف عليها، رغم أن هناك الكثير من العقبات التي تقف في طريق تحقيق تلك الأهداف".
وأكد الخبير الاستراتيجي أن الوضع الراهن أفرز الكثير من العقبات أمام استمرار السلطة الحالية، وأمريكا تقود المسعى الحالي لتشكيل حكومة مدنية بقوة كبيرة.
أجندات أجنبية
بدوره يرى المحلل السياسي السوداني، الدكتور ربيع عبد العاطي، أن ما صرح به المبعوثون الأمميون، ما هو إلا ضغوط غربية لتنفيذ أجندات أجنبية لا مصلحة لأهل السودان بها، والحكومة المدنية التي يتحدثون عنها، هي التي يختارها الشعب بإرادته وليست التي تملى عليه دون تفويض.
وأضاف في حديثه لوكالة "سبوتنيك"، البرهان وضع نفسه بين مطرقة الشعب و تهديد الغرب، ولا مجال أمامه سوى الاستجابة لرغبة جماهير الشعب وتسريع الخطى نحو الانتخابات للخروج من هذه الورطة.
وأشار عبد العاطي إلى أنه، إن كان المبعوثون الأمميون يعنون بالحكومة المدنية الوزراء، فغالبية الوزارات اليوم على رأسها مدنيون، أما الحكومة المدنية المفوضة من الشعب فلا تأتي إلا عبر انتخابات، ولا مجال لأحزاب لا وزن لها أن تجلس على رأس الجماهير عنوة.
التفويض الشعبي
ولفت المحلل السياسي إلى أنه لا سبيل للخروج من تلك الأزمة والوضع الراهن إلا بالوصول إلى حكومة مدنية منتخبة في انتخابات مبكرة، وإذا أراد المجتمع الدولي أن يفرض جماعات مدنية بعينها رغم عدم تفويضها من الشعب، فالرأي العام لا يأبه بالعقوبات إذا كانت هي الثمن لاستقلال إرادته وحرية قراره.
وكان رئيس المجلس السيادي السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد أكد التزامه بالحوار الشامل بين الفرقاء السودانيين حتى الوصول إلى اتفاق سياسي.
ووفقا لوكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) أكد البرهان على ضرورة "توافق السودانيين على صيغة لإدارة المتبقي من الفترة الانتقالية، وذلك من خلال حوار شامل يضم الجميع، بهدف التوصل إلى رؤية مشتركة لإنجاح الفترة الانتقالية".
تأكيدات البرهان جاءت خلال استقباله الخميس الماضي وفد المبعوثين الدوليين الذي ضم المبعوث البريطاني الخاص فيليب بارهام، والمبعوث الفرنسي الخاص فريدريك كلافير، وممثل الاتحاد الأوروبي إنتي ويبر، والمبعوث الألماني ثورسنون هاتر والمبعوث النرويجي أندري ستانسين والمبعوث الأمريكي بيتر لورد.
وحول ما دار في اللقاء أكد مدير الإدارة الأوروبية بالإنابة في وزارة الخارجية السودانية السفير الرشيد البصيلي، أنه تناول "العديد من الموضوعات، في مقدمتها العملية السياسية بالبلاد والجهود المبذولة لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود".
ولفت البصيلي إلى أن اللقاء تناول كذلك "الدعم الأوروبي في المجالات الاقتصادية المتعلقة بمعاش الناس، والإسهام بصورة قوية في إحداث اختراق في العملية السياسي".
وقال إن البرهان دعا الوفد "إلى دعم وتشجيع الأحزاب السياسية وأطراف العملية السياسية في البلاد للوصول إلى توافق وطني يفضي لتشكيل حكومة لإدارة الفترة الانتقالية والوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة بنهايتها".
ويمر السودان بحالة انسداد أفق سياسي وفراغ دستوري وحكومي لما يقارب الـ6 أشهر، بعد الإجراءات التي أعلن عنها رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021 بحل الحكومة وإعلان حالة الطوارئ.