في الانتخابات الأخيرة، خسر حزب الله الأغلبية البرلمانية التي حققها هو وحلفاؤه في عام 2018، في تراجع واضح لسطوة المجموعة التي تحظى بتأييد إيران، وقد تصبح هذه الخسارة هدية للسعودية تتيح لها فرصة جديدة إعادة توطيد النفوذ في بيروت، بحسب تقرير لوكالة "رويترز".
تباعدت المسافة السياسية بين السعودية ولبنان بشكل كبير رغم جهود الرياض المضنية لتحقيق التقارب، ومع ذلك، لم تجن شيئا سوى صعود "حزب الله" وتوسع نفوذ إيران الإقليمي عبر وكلاء آخرين أكثر قربا، بحسب التقرير.
لكن الآن، يعتقد محللون أن الرياض ستناور بحذر بدلا من العودة بالكامل إلى بلد لا يزال "حزب الله" "الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني"، أقوى فصيل فيه ويملك أسلحة يتفوق بها على الجيش الوطني نفسه.
رغم أن حزب القوات اللبنانية المسيحية المتحالف مع السعودية، والذي يعد خصما رئيسيا لحزب الله يشكل أقلية في البرلمان الجديد، فإنه فاز بمقاعد جديدة، وفاز كذلك مسلمون سنة يتشاركون نفس الأفكار بمقاعد.
ومع ذلك، قال مسؤول إيراني لـ"رويترز" إن النفوذ الكبير لـ"حزب الله" في لبنان يعني أن حلفاء إيران لن يفقدوا قوتهم، مضيفا: "من السابق لأوانه القول إن هذا التصويت سيترتب عليه ضعف جماعة قوية ومؤثرة مثل حزب الله في لبنان أو ضعف موقف ايران في الشرق الأوسط".
تغيير كبير
أفرزت الانتخابات النيابية التي شهدتها لبنان في الأيام الماضية معادلات سياسية جديدة، يراها البعض قد تكون بداية التغيير المطلوب، والخروج من دوامة الأزمات.
فعلى عكس المتوقع، كانت هناك مشاركة كبيرة من قبل الناخبين السنة، رغم دعوات المقاطعة، وإعلان الحريري عدم مشاركته وتيار المستقبل في هذه الانتخابات، وكذلك جاءت النتائج لتؤكد فوز الكثير من أحزاب وقوى التغيير، التي شاركت في ما يطلق عليه "ثورة 17 تشرين"، والتي تطالب بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة.
ورغم كل هذه التغيرات المهمة، إلا أن اللافت في هذه الانتخابات، خسارة "حزب الله"، ومنافسه تحالف 14 آذار، الأغلبية في مجلس النواب، بينما أصبحت الأغلبية تعتمد على كتلة المستقلين والمجتمع المدني.
وقال مراقبون إن الانتخابات رغم وجود بعض الشوائب، كانت ديمقراطية، وجاءت لتعبر عن وجهة نظر الشارع الذي سأم الطبقة السياسية، وأراد التغيير، مؤكدين أن المجلس النيابي الجديد لا يوجد به أكثرية نيابية لأي فريق، بل مجموعة من الأقليات.
ماذا يعني هذا التغيير؟
قال السفير السعودي في لبنان وليد بخاري إن النتائج "تؤكد حتمية تغليب منطق الدولة على عبثية فوائض الدويلة المعطلة للحياة السياسية والاستقرار في لبنان"، في ما يعتقد أنها إشارة إلى "حزب الله".
تجعل النتيجة الأخيرة للانتخابات من الصعب على "حزب الله" وحلفائه توجيه جدول أعمال تشريعي يتضمن انتخاب رئيس يخلف الرئيس ميشال عون، وهو مسيحي متحالف مع حزب الله، في وقت لاحق من هذا العام.
وقال عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض، إن الانتخابات، من منظور سعودي، حسنت الوضع في لبنان لكنها لم تحل مشكلة هيمنة "حزب الله"، مضيفا أن الرياض ستتوخى الحذر ولن تقفز بسرعة إلى هذا المعترك.
على الجانب الآخر، وبالنسبة للبنان، فإن عودة دول الخليج بقيادة السعودية، ستكون ذات أهمية كبيرة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تمر به البلاد، ويعد أشد عوامل زعزعة الاستقرار فيها منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
وقال مهند حاج علي من مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط إن ربع أعضاء البرلمان الجديد أو ما يزيد عن ذلك مناهضون بشدة لـ"حزب الله" ومتحالفون مع الرياض.
وأضاف أن "الأقلية الكبيرة" داخل البرلمان الذي لا يحظى فيه أي طرف بأغلبية مطلقة سيكون لها تأثير، مشيرا إلى أن هذا "يتيح خيارات أمام السعودية. حلفاؤها في وضع أقوى مما كانوا عليه في 2018".
هل يتكرر سيناريو العراق
أثارت النتيجة كذلك مقارنات مع العراق، والذي أسفرت الانتخابات التي أجريت فيه في أكتوبر/ تشرين الأول، وسط غضب شعبي من الفقر والفساد عن أداء ضعيف للفصائل المدعومة من إيران، على حد وصف التقرير.
وحتى الآن، لا يزال العراق يعاني حالة من الشلل السياسي، وهو سيناريو يعتقد كثير من المحللين أنه بانتظار لبنان الذي يعد نظامه الطائفي انعكاسا للوضع في العراق. لكن اللبنانيين قد لا يتمكنوا من تحمل مثل هذا السيناريو مع تزايد الصعوبات والضغوط الاقتصادية.
ومع ذلك، قالت سنام وكيل، المحللة في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية البريطانية إنها لا تعتقد أن إيران ستفاجأ بالنتيجة، مضيفة: "بعد النتيجة غير المريحة للانتخابات العراقية، يتمثل التحدي الأكبر في الطريقة التي تضمن بها أن نتائج الانتخابات" تحمي مصالحها.
رغم الشد والجذب التاريخي بين الرياض من جانب وطهران والقوى الإقليمية التابعة لها من جانب آخر، تأتي هذه التغيرات في وقت تجري فيه السعودية وإيران محادثات مباشرة في محاولة لاحتواء التوتر عبر خمس جولات من المحادثات استضافها العراق حتى الآن.