ورغم أن ليبيا تصنف بأن لديها خامس أكبر احتياطي للنفط في المنطقة العربية بعد السعودية والعراق والكويت والإمارات، وصلت نسبة البطالة فيها إلى نحو 19%، بينما تعيش نحو 45% من أسرها تحت خط الفقر، ويحتاج نصف سكانها تقريبا إلى مساعدات مالية لمواجهة غلاء السلع والخدمات، بحسب تصريح سابق لمدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية أحمد أبولسين.
وفي ظل هذا الوضع يعاني الشباب الليبي في رحلة بحثه عن عمل، بينما يشير بعض المراقبون إلى أن تفشي الفساد في البلاد أحد أسباب تزايد هذه الظاهرة، ويقول الشاب الليبي محمد الصرماني في حديث مع "سبوتنيك": "أنا خريج جامعي منذ عامين ولم أتحصل على عمل بالدولة حتى هذه اللحظة".
ويضيف: "أنا أفضل من غيري، لأني خريج منذ سنيتن فقط، فهناك أشخاص خريجو جامعات منذ سنوات ولم يتحصلوا على تعيينات حتى الآن أو فرص عمل".
الوضع صعب
وينتقد محمد هذا الوضع ويصفه بالـ"مزري"، مرجعا ذلك إلى أن دولته "نفطية غنية ولها عدة موارد، ولكن سوء الإدارة والوساطة والمحسوبية لعبت دور كبير في موضوع الشباب العاطلين عن العمل".
ويرى الأكاديمي فرج المجريسي المتخصص في الموارد البشرية أنه رغم "ثروات البلاد وإنتاجها المحلي من البترول والمعادن، الدولة فشلت في تمكين الشباب، وخلق فرص الإنماء والاستثمار لهم وهذا بكل تأكيد سبب وعامل من العوامل التي لها دور كبير في ارتفاع معدلات البطالة في البلاد".
ويشير المجريسي إلى ارتفاع نسبة البطالة في ليبيا التي وصلت لمعدلات 19%، مؤكدا أنه "رقم كبير مقارنة بعدد السكان".
ولفت الأكاديمي الليبي إلى أن البطالة تؤثر على الدولة بشكل عام، مشيرا إلى أنه "تعتبر ظاهرة اقتصادية تعاني منها أغلب الدول ويتأثر بها مواطنين هذه الدول".
وقال المجريسي إننا "نشهد ارتفاعا كبيرا في مؤشرات البطالة الذي يعتمد على عدة مسببات أبرزها، قلة الوظائف، انتشار الحروب، وكثرة العمالة الوافدة، الذي نعاني منه بشكل كبير في ليبيا، وإقبال الشباب ورغبتهم بالعمل في القطاع العام، وتجنبهم العمل في القطاع الخاص، وهذا يرجع لوعي الشباب تجاه هذا الموضوع".
الحرب والبطالة وجهان لعملة واحدة
ويؤكد الأكاديمي الليبي أن الحروب التي عاشتها ليبيا وحالة عدم الاستقرار في البلاد، كانت سببا مهما في زيادة معدلات البطالة.
وقال المجريسي: "لاحظنا ارتفاعا كبيرا في ظاهرة الهجرة غير الشرعية من أبناء الشعب الليبي، حيث زادت هذه النسبة بعد تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وهذا مؤشر كبير على ارتفاع معدلات البطالة في البلاد".
وأضاف: "الحرب كانت من أبرز أسباب ارتفاع معدلات البطالة، وغياب دور الحكومة في تنمية مهارات الشباب وإتاحة فرص العمل لهم في السوق الليبي".
البطالة مفرخة الإرهاب
ومع تدهور الأوضاع المعيشية وعدم توافر فرص عمل للشباب باتوا صيدا سهلا للتنظيمات الإرهابية، يقول الشاب محمد إنه "من الصعب أن تقضي حياتك اليومية بدون عمل، فأنا شاب أعمل في وظيفتين أو ثلاثة وظائف غير ثابتة، لكي أوفر مصاريفي اليومية".
ويضيف: "نحن نعاني من ارتفاع كبير في الأسعار، وبالتالي فإن تحقيق حلم المستقبل أصبح أمرا صعبا جدا، نحن عانينا من تأخير كبير في مواصلة دراستنا بسبب الحرب التي عطلت الجامعات لأكثر من عام، وهذا التأخير يضاف لسنوات العمر التي قضيناها دون عمل بعد التخرج".
ويرى المجريسي أن
"البطالة ساهمت في انخراط الشباب الليبي في التنظيمات الإرهابية نتيجة لإغرائهم بالمال".
وأضاف: "تم استغلالهم بهذه الطريقة، ومنحهم مرتبات عالية وسيارات مصفحة وسلاحا وسيطرة ونفوذا، وهذا ما يسمى بالتلاعب بعقول الشباب الذي فقدوا الاهتمام من مؤسسات الدولة، وكانوا لقمة سائغة لهذه التشكيلات الإرهابية".
ويؤكد المجريسي أن البطالة كذلك تساهم في ارتفاع معدلات الجريمة، والسرقة، والقتل، وما إلى ذلك، "لذلك من الضروري جدا أن تلعب الحكومة دورا أكبر في السيطرة على البطالة لحماية المجتمع".
خطط القضاء على البطالة
ولفت المجريسي إلى أن القضاء على البطالة يتطلب عدة نقاط؛ منها تغيير سياسات الحكومة المالية والنقدية.
وأشار إلى ضرورة العمل على قوانين العمل، وابتكار أسس جديدة في طرق التعليم، وطرق التدريس بحيث تتم تهيئة الشباب لفرص عمل يطلبها السوق الليبي والعالمي.
ولفت إلى أن الدولة قادرة على إبرام اتفاقيات وتوفير فرص عمل خارجية للشباب، مع الدول التي تحتاج لهذه الكفاءات الشبابية، ويتم ذلك عن طريق اتفاقيات دولية، وذلك بإقناع هذه الدول بإمكانيات وقدرات الشاب الليبي في سوق العمل.
وأكد المجريسي ضرورة "أن تخصص هذه الفرص للشباب الذين لم يحظوا بفرص العمل في الداخل، وتكثيف البرامج التدريبية التي تأهل وتنمي قدرات الفرد، لأن أكثر من 85% من العمالة في ليبيا موزعة على القطاع العام، وهنا يجب دعم المشاريع الخاص وتعزيز دور ريادة الأعمال، لإنشاء مشاريع صغرى وكبرى بحيث تكون مصدر دخل لهؤلاء الشباب وتوعية المجتمع بأهمية هذه المشاريع".
من جانبه يرى محمد الصرماني عدم انتظار الدولة، ويقول "أنا سعيت لمكافحة هذا الأمر وبدأت العمل بشكل خاص بعيد عن تخصصي الحقيقي ولكن يجب أن أعمل من أجل أن أكون مستقبلي".
ويضيف: "أقوم بكل هذه الأمور والدولة غائبة تماما، وبكل تأكيد لا أستطيع أن أقضي عمري ووقتي في انتظار الدولة لكي تساهم في تعييني، فلا أعتقد أنني سوف أنتظر أكثر من ذلك".