قبل نحو عام، وفي 24 أغسطس/ آب 2021، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وتبع الإجراء إعلان الجزائر في 22 سبتمبر/ أيلول إغلاق مجالها الجوي فوريا أمام كل الطائرات العسكرية والمدنية المغربية، وبررت في بيان رسمي قرارها بمواصلة الرباط "استفزازاتها وممارساتها العدائية" دون توضيح طبيعة هذه "الاستفزازات".
إغلاق الحدود
وتمر العلاقات بين البلدين منذ إغلاق الحدود عام 1994 بمراحل متباينة، ما بين التصعيد والهدوء، إلى أن وصلت لما يشبه القطيعة الكاملة بعد إلغاء مرور الغاز عبر خط المغرب العربي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد انتهاء العقد.
المبادرة التي طرحها الملك محمد السادس هذا العام يمكن أن تلقى استجابة مغايرة نظرا للظرفية الراهنة التي تسعى من خلالها الجزائر لأن تكون القمة المرتقبة هي قمة لم الشمل، خاصة أن ملف الخلاف بين البلدين كان من أبرز معوقات عقد القمة، إضافة إلى ملف عودة سوريا للجامعة العربية.
خطاب العرش
وقال العاهل المغربي في خطاب بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لعيد العرش: "إننا نتطلع، للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد لإقامة علاقات طبيعية بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك".
ودعا الملك محمد السادس، المغاربة، للتحلي بقيم حسن الجوار التي تربطهم بأشقائهم الجزائريين، مؤكدا أن ما يقال حاليا بشأن العلاقات مع الجزائر "يحز في النفس"، وذلك في إشارة إلى الحملات التي انطلقت على نطاق واسع في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول العلاقات بين الدولتين.
اليد الممدودة
من ناحيته قال المغربي محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية إن الخطاب الملكي يؤكد أن المملكة المغربية قررت ترك مرحلة المواجهة مع الجزائر بعد سنوات من الخلاف، ومتمسكة بدعمها لخيار تطوير اندماج إقليمي ذكي، من منطلق تقدير الحوار والاحترام كطرق لبناء المستقبل المشترك، وأن الأمر يتعلق بطموح 120 مليون مواطن مغاربي في اللقاء و التآزر.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أنه "لا يمكن تغيير حقيقة الجغرافيا والجوار والتاريخ الحافل بين الشعبين، وأن خطاب الملك يتعلق بتأكيد لليد الممدودة تجاه الجزائر، وكذلك أهمية الحوار، خاصة أن المرحلة التي تمر بها العلاقات الثنائية ينبغي معها تصور المستقبل بشجاعة وسعة نظر"، حسب رؤيته.
ما فائدة تكرار المبادرات
ويرى بودن أن النكسات يمكن أن تكون جزءا من رحلة العلاقات بين البلدين في مرحلة معينة، لكن إهمال الحلول أمر غير ذي جدوى، وأن التواصل بين الشعبين المغربي والجزائري لا يمكن أن ينتهي بقطع الحدود، مضيفا: "ليست المرة الأولى التي يطرح فيها الملك محمد السادس هذا الطرح، إذ اعتاد أن يتضمن خطاب العرش رسائل إلى الجزائر".
وحول أهداف تكرار الحديث يقول بودن، إن المملكة المغربية لن تمل من المبادرة البناءة، وأن المغرب يطرح مبادرة بناءة يلزمها ما يشبهها من الجزائر، لإحياء روح التضامن بين البلدين.
انعكاسات عودة العلاقات
ويرى أن التفاعل الجزائري الإيجابي ينعكس على مصلحة المنطقة المغاربية والمجموعة العربية في أفق انعقاد القمة العربية بالجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، التي ترغب الجزائر في جعلها قمة لم الشمل العربي.
واستطرد: "الخطاب الملكي خاطب العقل في الدولة الجزائرية، وتمسك بالأخوة مع الشعب الجزائري، لأن الوضع الحالي للعلاقات المغربية الجزائرية لا ينبغي أن تكون له علاقة بالماضي وبالمستقبل، ويمكن الانتقال إلى مساحة جديدة قائمة على القواسم المشتركة للتغلب على عدم اليقين وبدء الحد الأدنى من التعاون".
خطاب للداخل
فيما قال المحلل السياسي الجزائري رضوان بوهيدل، إن ما قاله الملك محمد السادس يختص به الداخل المغربي فقط.
واستبعد في حديثه لـ"سبوتنيك" أي فرصة للتقارب بين البلدين في ظل التطبيع مع "إسرائيل"، واستفزاز الجزائر والكيل بمكيالين، حسب قوله.
الباب المغلق
ويرى أن عودة العلاقات الطبيعية مستبعدة على المدى الطويل، خاصة في ظل التطبيع مع إسرائيل.
وتابع بوهيدل: "أهم شروط الجزائر لعودة العلاقات الطبيعية هو اعتذار المغرب عن الاعتداءات ضد الجزائر واعتراف بأحقية الصحراء الغربية في تقرير المصير، والعدول عن التطبيع مع "إسرائيل"، والتوقف عن دعم الحركات التي تعمل ضد الجزائر".
القمة وفرص التقارب
وفيما يتعلق بالقمة العربية المرتقبة، وما إن كانت تساهم في عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، يرى بوهيدل أن الجزائر لن تتراجع عن مواقفها الثابتة من القضايا، وأن المغرب سيشارك القمة لكن دون تنازل من الجزائر عن مواقفها.
ومن المرتقب أن تعقد القمة العربية في نوفمبر في الجزائر بمشاركة الرؤساء العرب، وهي القمة التي تسعى من خلالها الجزائر للم الشمل العربي.
وفي31 أكتوبر الماضي انتهى عقد العمل المبرم بين الجزائر والمغرب، لنقل الغاز الجزائري، عبر الأراضي المغربية، إلى إسبانيا.
وسبق الإجراء إعلان وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة، قطع بلاده علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، في أغسطس الماضي متهما الرباط بالقيام بما وصفه بـ "أعمال عدائية".