شكلت مدونة الأسرة (مجموع القوانين المتعلقة بالأسرة وأحكام الزواج والطلاق وغيرها) حين صدورها في عام 2004، قفزة نوعية فيما يتعلق بالعديد من الملفات المرتبطة بالمرأة، لكن الكثير من الإشكاليات تمثل معضلة حقيقية في ظل المؤشرات الحالية.
قالت الحقوقية المغربية والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر تنظيم حقوقي غير حكومي في المغرب)، خديجة الرياضي، إن مراجعة مدونة الأسرة ليس أمرا جديدا، وأن بعض المنظمات النسائية فتحت الملف منذ نحو سنة، وبدأت في تنظيم نقاشات لتحديد المضامين التي يجب تغييرها، وإعداد استراتيجية للضغط والتعبئة.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن سن الزواج ليس المعضلة الوحيدة في مدونة الأسرة، وأنها مليئة بفصول تمييزية ضد النساء ومضامين تنتهك حقوقهن وكرامتهن.
ودللت الرياضي على ذلك بأن الأم لا تتمتع بالنيابة الشرعية على أبنائها، حتى ولو في حالة كانت مطلقة وحاضنة لأبنائها، حيث لا يحق لها اتخاذ أي قرار يهمهم، وأن أي قرار يهم الأطفال يتخذه الأب حتى وإن لم يعد يرى أبناءه، ولا يسأل عنهم ولا يعرف عنهم شيئا.
كذلك حق المرأة المسلمة في التزوج بغير المسلم، فهو حق لا تتمتع به، فيما يحق للرجل المسلم التزوج بغير المسلمة، حيث يفرض على الرجل غير المسلم أن يصبح مسلما، حتى يتزوج بالمرأة التي يريد الزواج منها، إذا كانت مغربية مسلمة.
وتابعت: "أيضا تعدد الزوجات الذي لازال لم يتم إلغاؤه، ولازال مسموحا به في القانون الحالي، في تناقض صارخ مع التزام المغرب بضمان كرامة النساء وحقوقهن داخل الأسرة".
ضمن النقاط التي ذكرتها الحقوقية المغربية أيضا، منظومة الإرث التي ترى أنها تشكل إجحافا في حق النساء، وهضما لحقوقهن الاقتصادية، وتشكل مقتضياتها مسا واضحا بحقوق النساء باعتباره تمييزا مبنيا على النوع.
ولفتت الرياضي إلى أن العديد من البنود التي جاءت بها مدونة الأسرة لم تفعل على أرض الواقع، منها مسألة سن الزواج مرة أخرى، حيث كان المفروض ألا يعطى الإذن بتزويج قاصر من طرف القاضي، إلا في حالات استثنائية، فإذا بها تصبح ممارسة شائعة، وأن معظم الطلبات تقريبا يتم قبولها من طرف المحاكم، وأصبح الرفض هو الذي يشكل الاستثناء.
وشددت على أن عدم تفعيل الفصل 16 رغم تمديد مدة تطبيقه لعدة مرات والمتعلق بتسجيل عقود الزواج، شجع على استمرار عدم تسجيل عقود الزواج.
وقالت إن إحدى النقاط التي لم تفعل تتعلق بتمكين الأم الحاضنة من بيت الزوجية، حيث لم تضع المدونة آليات لتفعيل هذا الحق.
وأشارت إلى أن النقاط الأخرى تتضمن الطلاق الاتفاقي، الذي يتحول في العديد من الحالات إلى طلاق الخلع، وكذلك إثبات النسب الذي لا يتم فيه اللجوء إلى التقنيات العلمية المتوفرة.
ومضت الحقوقية المغربية بقولها إن المدونة ـ حتى ولو فعلت كل بنودها ـ لن تحقق المساواة، خاصة أنها تتضمن العديد من الفصول التمييزية والمضامين المنتهكة لكرامة النساء.، بحسب قولها.
نقاط إيجابية تعتبرها الحقوقية المغربية أهم ما جاء في مدونة الأسرة، وانعكست بشكل إيجابي على حياة النساء، تتمثل في إلغاء الولاية على النساء عند الزواج، كذلك إلغاء واجب الطاعة الذي كان مفروضا على الزوجة تجاه زوجها بنص قانوني، وإقرار أن الأسرة تبنى تحت المسؤولية المشتركة للزوجين.
ونوهت إلى أن إصدار نص المدونة الجديدة سنة 2004، تم تحت ضغط الحركة النسائية والحقوقية، لكنه لم يكن كافيا لفرض نص متقدم متلائم مع التزامات المغرب في مجال الحقوق الإنسانية للنساء.
ودعا العاهل المغربي إلى تفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها.
ولفت ملك المغرب إلى أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها، إذ أنها تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال.