تأتي زيارة ماكرون في فترة حرجة بالنسبة للجانب الأوروبي الذي يبحث في المقام الأول عن تأمين إمدادات الطاقة، فضلا عن التوترات بين البلدين التي تسبب فيها الرئيس الفرنسي قبل فترة.
وبحسب مصادر جزائرية فإن بعض الشروط تفرضها الجزائر خلال اللقاء المرتقب، فيما يحمل ماكرون بعض المطالب، في ظل سعي كل طرف لتحقيق أكبر قدر من المصالح لبلاده، لكن موقف البلد العربي أصبح الأقوى في ظل أزمة الطاقة الراهنة.
شهدت العلاقات بين البلدين مرحلة من التوتر منذ أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، حيث استدعت الجزائر سفيرها من باريس متهمة فرنسا بالتدخل غير المقبول في شؤونها حينها.
وقالت الجزائر إنها ترد على تصريحات وصفتها بـ"غير المسؤولة"، نسبت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولم يتم نفيها.
ونقل عن الرئيس الفرنسي قوله إن الجزائر كان يحكمها "نظام سياسي عسكري" له تاريخ رسمي لا يقوم على الحقيقة بل على كراهية فرنسا، فضلا عن قرار فرنسا حينها بخفض عدد التأشيرات وطرد نحو 8000 جزائري.
بعد أيام من استدعاء السفير، أغلقت السلطات الجزائرية المجال الجوي أمام جميع الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل في إطار عملية "برخان"، ووصف رئيس الحكومة أيمن عبد الرحمن، تصريحات ماكرون "بغير المقبولة".
وقال عبد الرحمن إن "الجزائر أكبر من كل تلك التصريحات غير المقبولة"، لافتا إلى أنها تحاول المساس بعمق تاريخ الجزائر".
من ناحيته قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، إدريس عطية، إن الزيارة ترتبط بعدة شروط تفرضها الجزائر على فرنسا.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الشروط التي تفرضها الجزائر ترتبط بتشكيك إيمانويل ماكرن في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للجزائري.
وأوضح الأكاديمي الجزائري أن الشروط التي تفرضها بلاده تتمثل في المقام الأول بالتعامل بندية واحترام سيادة الجزائر.
مطالب أخرى تتعلق برفض الجزائر استعمال "منطق الأبوية" في التعامل معها، إضافة لملف "الذاكرة" بما فيه استعادة جماجم المناضلين الموجودة في "متحف الإنسان" في باريس.
ضمن شروط الجزائر ما يرتبط باستعادة الأرشيف الجزائري الموجود في فرنسا واعتراف باريس بجرائمها خلال فترة الاستعمار، بحسب الخبير.
كما تشمل الشروط أيضا عملية "جبر الضرر" وبحث تعويضات عن جرائم فرنسا والتجارب النووية، وغيرها من الأضرار التي تسببت فيها.
في المقابل تبحث فرنسا عن شراكة اقتصادية مع الجزائر، خاصة فيما يتعلق بالطاقة، والأمن الغذائي، في ظل سعي الجزائر لتحقيق "سيادة غذائية"، والاستثمار في الزراعة بشكل كبير للعودة لما كانت عليه في فترات سابقة.
ويرى الخبير أن التصدع الذي وقع في العلاقات بين الجزائر وإسبانيا دفع الدول الأوروبية للهث نحو كسب ود الجزائر والتعامل ببرغماتية، في حين أن الجزائر تتعامل وفق مبدأ "رابح- رابح"، ولن تقدم على شراكة يكون فيها الميزان لصالح أي من الدول الأوروبية.
من جهته قال الخبير الأمني أكرم خريف، إن الملفات التي حملها ماكرون بالهجرة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، والشرعيين ممن لديهم "سوابق عدلية".
أما المطلب الثاني من الجانب الفرنسي، فيتثمل في مساعدة باريس في ملف الساحل أو على الأقل تحييد روسيا، حسب قول خريف. واتفق الخبير حول الشروط الجزائرية والتي تتمثل في قضايا التاريخ واعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار، إضافة إلى الملفات الاقتصادية.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أهان بلاده ولذلك لن يقبل أي جزائري بالتواصل معه.
وأشار خلال مقابلة مع المجلة الألمانية الأسبوعية "دير شبيغل" إلى أنه لن يقوم "بالخطوة الأولى" لمحاولة تخفيف التوتر مع فرنسا بعد تصريحات رئيسها.
في مطلع العام الحالي أعلنت الجزائر أن سفيرها في فرنسا سيعود لمواصلة عمله من باريس، بعد شهرين من قرار استدعائه للتشاور على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد والسلطات الجزائرية الحالية.
وقال مؤرخون جزائريون في تصريحات سابقة لـ"سبوتنيك"، إن فرنسا فجرت نحو 17 قنبلة نووية في الجزائر، وإن الجانب الرسمي في الجزائر لم يتحرك بالشكل المطلوب تجاه القضية حتى الآن.
وأجريت التجربة الأولى في 13 فبراير/ شباط 1960 وهي المسماة بـ "اليربوع الأزرق" وكانت أول قنبلة ذرية فرنسية من البلوتونيوم بقوة تتراوح ما بين 60 و70 كيلوطن، نحو 4 أضعاف قوة قنبلة هيروشيما.
كما أن مئات آلاف الأطنان من المواد المشعة مدفونة تحت الرمال في بعض المناطق الجزائرية، لم تقم فرنسا بتطهير المناطق ولم تقم بتحمل مسؤوليتها حتى الآن، حيث تركت نحو 13 مليون لغم على الحدود ولم تقم بنزعها.