وتأتي تلك التكهنات الجديدة بعد مرور ما يقرب العام على الانتخابات المبكرة التي شهدتها البلاد في أكتوبر/تشرين أول من العام 2021.
فما الذي ينتظر العراق خلال الأيام القادمة بعد قرار المحكمة الاتحادية وكيف يمكن للبرلمان الممزق أن يحل نفسه، خصوصا بعد إعلان مقربين من الصدر على استحالة عودة النواب المستقيلين إلى البرلمان مجددا؟
بداية، يقول الأكاديمي والباحث السياسي العراقي، الدكتور شاكر كتاب: "لا أحد يستطيع التكهن بما سيقع بعد رفض القضاء حل البرلمان، والحقيقة أن القضاء لم يرفض ولم يوافق، بل أمسك بالعصا من المنتصف كي يوازن بين الأطراف ولا يثير ضغينة أحد".
قلق وترقب
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن "التيار الصدري بصدد إقامة دعاوى قضائية في الوقت الحالي ضد البرلمان، لاعتبار جلسة أداء اليمين الدستورية من النواب الجدد غير دستورية، وكذلك ضد المالكي بشأن التسريبات التي نسبت إليه، لكننا نرى أن الأجواء كلها متوترة ويشوب الوضع في العراق قلق شديد من شيء قد يقع ولا أحد يتمكن من تحديد ماهيته".
وتابع كتاب: "سيحاول الإطار التنسيقي عقد جلسة للبرلمان لتسمية رئيس الجمهورية كي يمكنه تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة، لكنني على يقين أن التيار الصدري سوف لن يسمح بذلك، وسيلجأ إلى أساليب عديدة للحيلولة دون اجتماع البرلمان، وقد تكون إحداها التظاهرات العارمة التي هي الأخرى قد تقود إلى ما لا نتوقعه اليوم لكننا نخشاه".
المشكلة سياسية
من جانبها تقول مدير مركز "بابل للدراسات المستقبلية وبناء الاستراتيجيات" في العراق، الدكتورة آلاء العزاوي: "من وجهة نظري أن المشكلة في العراق سياسية وليست قانونية، فسواء تم حل البرلمان أم لم يتم حله ستبقى الأوضاع عالقة وربما تزداد سوءا مع الوقت".
وأردفت متسائلة: "إذا ما الداعي لإجراء انتخابات مبكرة أخرى إذا كان سبب ما وصل إليه الحال هو ذات مبدأ الانتخابات المبكرة التي جرت في أكتوبر 2021، وماذا ستغير الانتخابات المبكرة الجديدة في الخارطة السياسية، وهل سيغير العراقيون رأيهم ويتركوا مقاطعة النظام السياسي القائم؟".
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "الأهم أن نتحدث.. هل البرلمان الحالي يعد مؤسسة دستورية بعد انتهاكه للمدد الدستورية واستهتاره بوضع البلد وحياة مواطنيه.. وعلى من تقع مسؤولية الفوضى التي تحدث في العراق الآن بكل أسف المجتمع الدولي ممثلًا بمبعوثة الأمين العام أو المسؤولة الأمريكية رفيعة المستوى، يصرون على حوار 20 بالمئة من العراقيين ممثلين بمجموعة أحزاب السلطة، وإهمال 80 بالمئة الأغلبية الرافضة للعملية السياسية، ولا ننسى سفارة بريطانيا التي ما فتئت تتواصل مع عدد من القوى العراقية لجمعهم مع تيار مقتدى لإشعال فوضى تحت مسمى "الثورة العراقية الكبرى"، محاولين إعادة تصدير مقتدى وتياره بشكل جديد".
المحكمة الاتحادية
وتابعت العزاوي: "من طرف آخر تحاول المحكمة الاتحادية ترك الباب مواربا لفريق مقتدى النيابي، الذي قدم استقالته في وقت سابق لتجد له مخرجا قانونيا لإعادتهم إلى البرلمان وعدم دستورية الموافقة على استقالاتهم، وإغرائهم بعدد من المكاسب الحكومية لتشكيل حكومة محاصصة جديدة، بالأخير كلهم شركاء بهذا النظام ولكل حريصون على المحافظة عليه من السقوط، لأن سقوطه يعني نهايتهم جميعا".
الشرعية الدستورية
بدوره، يقول الأمين العام المساعد في اتحاد المؤرخين العرب، الدكتور حيدر الجبوري: "عمليا فإن المحكمة الاتحادية بإعلانها سحبت الشرعية الدستورية من مجلس النواب برغم إقرارها بعدم الاختصاص من خلال قولها "إن عدم اكتمال تكوين السلطة التنفيذية برغم تجاوز كل المدد الدستورية وعدم قيام السلطة التشريعية بواجباتها الدستورية، يعد مخالفة للغاية الدستورية التي من أجلها أنشأت السلطتين"، وعليه فإن السلطتين التنفيذية والتشريعية هي منتهية الولاية، نظرا لإنتهاء مدتها الدستورية".
وأكد في حديثه لـ"سبوتنيك": "على ضرورة أن يأخذ المجتمع الدولي ممثلا بدوله ومنظماته مطالب ثورة أكتوبر بنظر الاعتبار بما فيها حل جميع السلطات التنفيذية والتشريعية، وتشكيل هيئة وطنية مستقلة ومتخصصة لإعداد قانون جديد للانتخابات، وتشكيل لجنة وطنية مستقلة "بعيدا عن أحزاب السلطة" لكتابة دستور جديد للبلاد ينتقل بها إلى النظام الرئاسي كمطلب لعموم الجمهور العراقي، وتحرير السلطة القضائية من تأثير الأحزاب وميليشياتها، لتستطيع القيام بعملها على الوجه الأمثل في محاربة الفساد وتقديم قتلة المتظاهرين والغارقين بالدم العراقي إلى القضاء".
شرعية البرلمان
أما ممثل عن اللجان الإعلامية المركزية للدفاع عن العراق، علاء الزيدي، فيقول: "السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح على الساحة السياسية، ليس ما بعد قرار المحكمة الاتحادية بعدم حل البرلمان، بل يجب أن يكون التساؤل حول مدى شرعية وقانونية هذا البرلمان الذي نتحدث عنه، ومدى تمثيله للشعب".
وتابع الزيدي: "بكل تأكيد البرلمان غير شرعي وغير قانوني ولم يمثّل الشعب العراقي، بل هو دكاكين تمثل الكتل السياسية والأحزاب التي أوجدها الاحتلال، ويعمل ممثليهم وفق ما يخدم تلك الكتل والأحزاب بعيدين كل البعد عن الشعب وطموحاته ومتطلباته".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "الحق والواقع يقول أن الشعب العراقي منذ سنوات أعلن رفضه العملية السياسية وأعلنها بقوة قبل 4 سنوات، وضحى بالشهداء والأرواح وكذلك ثوار تشرين موقفهم واضح، بعد أن رفضوا الانتخابات واقتحموا المنطقة الخضراء وقاعات البرلمان، ورغم ذلك لا يزال الاحتلال يحمي تلك المنظومات الفاسدة ويدافع عنها ويعتبرها موجودة، ليس لسبب إلا لكي يبقى العراق وخيراته مشروع نهب وسرقة تتقاسمه الدول العظمى وتبقى المليشيات بعبع للخليج ويبقى الخليج البقرة الحلوب للاستفادة من خيراته وموارده".
وكان زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، دعا اليوم الخميس، مجددا لحل البرلمان، مطالبا رئيسي الجمهورية برهم صالح، والحكومة مصطفى الكاظمي، بالبقاء والإشراف على انتخابات مبكرة.
وقال صالح محمد العراقي المعروف بوزير الصدر، عبر حسابه على موقع "تويتر" للتغريدات، إن "الكرة في ملعب الحلفاء لإنهاء معاناة الشعب"، مشيرا إلى أن "حل البرلمان ممكن بلا عودة الكتلة الصدرية ولا سيما مع وجود حلفائها في مجلس النواب وبعض المستقلين الذين للآن هم على التلّ".
وأكد أن "مسألة عودة الكتلة الصدرية إلى مجلس النواب ممنوع منعا باتا ومطلقا وتحت أي ذريعة كانت"، قائلا: "يرفض الفاسدون حكومة لا شرقية ولا غربية ذات أغلبية وطنية، ونحن نرفض حكومة توافقية رفضا قاطعا".
ودعا وزير الصدر، "الحلفاء والمستقلين إلى موقف شجاع ينهي الأزمة برمتها"، مبينا أن "الحل سيكون وطنيا بانسحاب نواب القوى السنية والكردية والمستقلين من البرلمان، على أن يبقى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على رأس حكومة لتصريف الأعمال وللإشراف على الانتخابات المبكرة أو بمعونة آخرين عراقيين أو دوليين".
وشهد العراق، الأسبوع الماضي، اشتباكات دامية راح ضحيتها أكثر من 30 قتيلا، وعدد كبير من المصابين، عقب اقتحام أنصار "التيار الصدري" عددا من المقار الحكومية في بغداد، فور إعلان زعيم التيار مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي.
وانسحب أنصار التيار الصدري من الشارع، امتثالا لتوجيهات زعيم التيار، الذي انتقد ما وصفها بـ"الثورة" والعنف الذي تخلل الاحتجاجات.
ويأتي قرار الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، باعتزال العمل السياسي، بعد أشهر من الصراع الذي خاضه التيار ضد الإطار التنسيقي "الذي يضم أحزابا وقوى شيعية"، من أجل تشكيل حكومة أغلبية، بعد فوز التيار الصدري بالأغلبية في البرلمان.