الأزمة بين المغرب وفرنسا... جمود وفتور متفاقم لهذه الأسباب

في خضم تغير خريطة العلاقات الدولية في العديد من مناطق العالم، تسود حالة من الفتور بين باريس والرباط، في ظل تساؤلات بشأن انعكاسات استمرار الوضع الراهن.
Sputnik
في ظل الفتور الممتد منذ فترة طويلة تراجعت فرنسا من المركز الأول كشريك تجاري للمغرب، لصالح إسبانيا التي تفوقت على فرنسا أخيرا، بعد أن ظلت باريس متصدرة القائمة لسنوات طويلة، بحسب الخبراء.
بوادر الفتور الحالي في العلاقات بدأت مع التحالف الثلاثي بين إسرائيل والمغرب والولايات المتحدة، تبعتها مطالب فرنسا من المملكة إعادة أبنائها من المهاجرين غير الشرعيين، حيث وصلت المفاوضات المتعلقة إلى باب مسدود في هذا الملف بعدما رفض المغرب عودة هؤلاء المهاجرين.
المغرب يؤكد مجددا رفضه استقبال الرئيس التونسي زعيم جبهة البوليساريو

حجم التبادل

منذ عام 2012 إلى عام 2019، حافظت فرنسا على المرتبة الثانية في قائمة موردي المغرب، حيث زادت الواردات من المغرب بنسبة 70.5%، والصادرات إلى المغرب بنسبة 18.3%.
بلغت حصة فرنسا في السوق المغربي 12.2%، خلف إسبانيا التي تحظى بنسبة 15.6%. وحافظت فرنسا على تصدّرها قائمة المستثمرين الأجانب في المغرب حتى 2019، ولا سيما في قطاع الخدمات.
بلغت حصة فرنسا 35% أي 10.8 مليارات يورو من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة المغربية في عام 2019. وتتصدر المغرب قائمة وجهات الاستثمارات الفرنسية في القارة الأفريقية، بنحو 950 فرعا للمنشآت الفرنسية في المغرب.
وفي أغسطس/ آب 2020، احتلت إسبانيا المرتبة الأولى من بين دول الاتحاد الأوروبي من حيث الصادرات إلى المغرب خلال النصف الأول من العام، بنسبة تمثل 35.2%، متبوعة بفرنسا بنسبة 23.2%، ثم ألمانيا بنسبة 9.5%، وإيطاليا بنسبة 8.3%، حسب ما أعلنه مكتب الاقتصاد والتجارة الإسباني.
كما تصدرت إسبانيا مؤشر الواردات من المغرب، بنسبة 40.1%، متبوعة بفرنسا بنسبة 31.3%، ثم إيطاليا بنسبة 5.8%، فهولندا بنسبة 5.1%.

عوامل إضافية

في الإطار قال بلال التليدي المحلل السياسي المغربي، إن البرود في العلاقات بين المغرب وفرنسا مستمر منذ نحو عام، مع بداية أزمة تخفيض التأشيرات للدول المغاربية.
الأمم المتحدة تنتقد استخدام المغرب وإسبانيا لـ "القوة المفرطة" مع المهاجرين
وبلغ إجمالي عدد المغاربة الذين تقدموا بطلب الحصول على تأشيرة الاتحاد الأوروبي "الشنغن" خلال العام الماضي 157 ألفا و100 شخص، وفقا لصحيفة "هسبريس" التي أشارت إلى أنه تم رفض 39 ألفا و520 طلبا وهو ما يمثل 27.6%، ما يعني أن معدل الرفض أعلى بكثير مقارنة بمتوسط معدل الرفض العالمي لطلبات تأشيرة "شنغن".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن أزمة الطاقة الحالية دفعت فرنسا للاستثمار أكثر في إعادة تعريف خط التوازن الاستراتيجي للعلاقات مع الدول المغاربية، وأنها اتجهت إلى مقايضة بين جزء من الإقرار بالمسؤولية عن "ملف الذاكرة" الجزائرية، مقابل زيادة الإمدادات الطاقة عبر إيطاليا.
ولفت إلى أن المقايضة الإقليمية تتمثل في بقاء فرنسا على خط الغموض بشأن "قضية الصحراء" مقابل تفاهمات على مستوى الملف الليبي وكذلك بشأن النفوذ الفرنسي في مالي.
وأوضح أن المغرب ينظر للسياسة الفرنسية منذ نحو سنة بأنها تبقي على الغموض والازدواجية بفعل ضغط الحاجة لإمدادات الطاقة.

تغير خريطة الحلفاء

ولفت التليدي إلى أن تغير الحلفاء بالنسبة للمغرب أدى إلى تغير في التوازنات، خاصة بعد العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، وكذلك إسبانيا، الأمر الذي شعرت معه فرنسا بأنها في مراتب متراجعة على مستوى التعاون وتراجعها كحليف استراتيجي للرباط.
ويرى أن توجه المغرب لخلق علاقات أكثر قوة مع بعض الدول الأوروبية جاء إثر الغموض الفرنسي على المستوى السياسي فيما يتعلق بقضية الصحراء.
إسبانيا والبرتغال تخططان لخفض تصدير الكهرباء إلى فرنسا
من ناحيته قال جمال بنشقرون البرلماني السابق، إن التصرفات الفرنسية غير مفهومة في الوقت الراهن، خاصة أنها من الشركاء الأساسيين للمغرب.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن فرنسا مستمرة في التضييق على التأشيرات الممنوحة للمغاربة، وأن هذا التوجه اتضح أنه قائم على مقاربة اقتصادية، وأن فرنسا ربما تسعى للحصول على خط القطار بين مراكش وأغادير، في ظل تنافس وجهات أخرى للحصول عليه.
ويرى أن فتور العلاقات بين الرباط وباريس مرتبط بقضية الصحراء، خاصة أن المغرب أكد في وقت سابق، أن الدول أصحاب المواقف الرمادية لا يمكن أن تستفيد من عمليات التفضيل الاقتصادي، وأنه لا علاقات مع دول لا تعترف بوحدة التراب المغربي.

غموض الموقف الفرنسي

وأشار إلى أن المواقف الأخيرة من جانب فرنسا غير واضحة، وأن فرنسا ربما رضخت لضغوط من دول أخرى، في حين أن باريس تعد المتضرر الأكبر نظرا لاستثماراتها الكبيرة في المغرب.
كما كانت أزمة "قضية بيغاسوس"، التي اتهم المغرب على إثرها بالتجسس على الطبقة السياسية الفرنسية، بمن فيها الرئيس الفرنسي ماكرون، ضمن محطات فتور العلاقات التي تتفاقم بشكل متسارع حسب الخبراء.
مناقشة