وعلى الرغم من الوعود التي قطعتها الحكومات السابقة لهذه الفئة، لم يتغير حال العاملات الفلاحيات ولم يحصل أي تطور على صعيد ضمان حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما قادهن إلى اختيار طريق الاحتجاج لإيصال أصواتهن إلى السلطة.
وتظاهرت اليوم الاثين، العشرات من النساء العاملات في
قطاع الفلاحة أمام المسرح البلدي بتونس العاصمة تحت شعار "اعترفوا بنا"، للمطالبة بتحسين ظروف العمل السيئة التي يقلن إنها "لا إنسانية".
ورفعت جل النساء المشاركات في الوقفة الاحتجاجية شعارات تنادي بتأمين حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية، من قبيل "حقي في نقل آمن"، و"الضمان الاجتماعي حق العاملة الفلاحية"، و"شغل حرية كرامة وطنية"، و"نتعب أكثر نتقاضى أقل" في إشارة إلى غياب المساواة في الأجور بين النساء والرجال.
قدمت ياسمينة من منطقة جبنيانة (محافظة صفاقس) التي تبعد عن العاصمة حوالي 240 كيلومترا، لإيصال صوتها الذي تقول إنه بقي مقبورا طيلة 20 عاما قضتها في العمل في القطاع الفلاحي دون حقوق تذكر.
تقول: "لقد سئمنا الوعود المتكررة ولم نعد قادرات على تحمل المزيد من التهميش، فرؤوسنا شابت وأرجلنا تحطمت وأعمارنا انقضت دون تحصيل شيء يذكر".
وتؤكد ياسمينة أنها تتنقل يوميا إلى الضيعة الفلاحية في الجزء الخلفي من العربة صحبة عشرة عاملات أخريات تكن متراصات في مساحة لا تتجاوز مترين أو ثلاثة أمتار، مشيرة إلى أنها تواجه خطر الحوادث في كل لحظة.
ولفتت ياسمينة إلى أن جل العاملات الفلاحيات تتقاضين أجورا أقل بكثير مما يحصل عليه الرجل، مضيفة "نقضي أكثر من 9 ساعات في العمل بأجرة يومية تناهز 15 دينارا (أقل من 5 دولارات) وبعضنا أقل، بينما يتقاضى الرجل 25 دينارا (ما يقارب 8 دولارات) رغم أننا نعمل أكثر من الرجال".
وأضافت: "تجاوزت الخامسة والخمسين عاما ولا حق لي في التقاعد لأنني سأواجه الجوع والتشرد إذا ما توقفت عن العمل".
تعيل ناجية زوجها المقعد الذي يتطلب وضعه الصحي توفير أدوية ومستلزمات طبية بشكل دائم تفوق كلفتها 100 دولار في الشهر، وهي التي تتقاضى 4 دولارات يوميا تمنع أحيانا من الحصول عليها؛ لأن صاحب العمل لم يكن راضيا عن أدائها.
وتابعت: "تمارس النساء جميع أنواع الأنشطة الفلاحية بما فيها الشاقة، فلا فرق بيننا وبين الرجال سوى في الأجور، ومع ذلك لا نستسلم لتعب أجسادنا ولا لكبر أعمارنا".
وتأمل ناجية في أن يصل صوتها إلى رئيس الجمهورية وأن
يحقق المسؤولون في السلطة طلباتها التي تقول إنها ليست سوى حقوق طبيعية وبسيطة، مشيرة إلى أنها تجد أعذارا للعائلات التي تعبر البحر عبر قوارب الهجرة السرية؛ لأن بلادها لم تضمن لهم حياة لائقة.
وتؤكد منيرة بن صالحة التي قادت هذا التحرك الاحتجاجي لـ "سبوتنيك"، أن النساء العاملات في القطاع الفلاحي توفرن الأمن الغذائي لتونس ولكنهن يعانين شتى أنواع التهميش.
وأشارت بن صالحة إلى أن تحول الاحتجاج من جهوي إلى وطني هي خطوة أولى للضغط على المسؤولين من أجل الاعتراف بحقوق العاملات في قطاع الفلاحة من نقل آمن ومساواة في الأجر وتغطية اجتماعية وإلغاء الوصاية.
وذكرت أن التحركات الاحتجاجية التي قادتها العاملات الفلاحيات في الجهات بقيت معزولة، وأن توحيد أصواتهن من الممكن أن يحدث فرقا، مشيرة إلى أنها لن تتوقف عند حدود مسيرة اليوم.
بدورها، قالت الحقوقية حياة العطار المكلفة بملف العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن هؤلاء النساء تتشاركن نفس قصص التهميش والنسيان.
وأضافت: "لا بد أن تنصت السلطة لمطالب العاملات الفلاحيات وأن تسارع بوضع استراتيجية وطنية واضحة تضمن حقوق هذه الفئة وتعترف بها في أقرب الآجال".
ووفقا لأرقام رسمية، تمثل النساء 75% من اليد العاملة في القطاع الفلاحي، و90% من عمال الحصاد.