يعيش اللاجئون الفلسطينيون في الداخل أو في دول الشتات، أوضاعًا مأساوية، تزداد صعوبة مع قدوم فصل الشتاء، حيث الأمطار والثلوج، والبرد القارس، الذي يحاصر المنازل والمخيمات، ومياه الصرف الصحي التي تملء الأزقة والشوارع وتصل إلى غرف معيشتهم، وسط غياب الدعم دولي، وتوقف الكثير من خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا).
وفي تصريحات له مؤخرا حذر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى "الأونروا"، فيليب لازاريني، من ارتفاع معدلات الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان وغزة، كاشفا أنها وصلت إلى مستويات غير معهودة، لتصل لنحو 90 في المائة.
ملاجئ غزة.. معاناة مستمرة
وسط المياه التي تفوح منها رائحة الصرف الصحي، تقف أم العبد اللاجئة الفلسطينية في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وتظهر في الخلفية منازل يحاوطها المياه من كل جانب، بسبب الأمطار التي شهدها القطاع منذ فترة، وتشير إلى منزلها المتهالك قائلة: "الشتاء هنا مخيف، المعاناة تتضاعف في هذا الفصل، وأقف عاجزة، هل أغطي سقف المنزل بقطعة نايلون كبيرة أم أضع منشفة تحت الشبابيك لمنع دخول مياه الأمطار، أم أسد منافذ الصرف بسجاتنا البالية حتى لا تخرج مياهها علينا؟".
أم العبد، التي تعيش وسط مياه الصرف الصحي التي تحاصر منزلها بالحي الذي تسكن فيه بمخيم جباليا منذ 4 أشهر، تقول لـ "سبوتنيك"، إن صدرها يضيق ولا تستطيع التنفس بشكل طبيعي بسبب رائحة العادم المنبعثة في كل أرجاء منزلها، بمجرد أن تهطل الأمطار تتدفق المياه إلى المخيم وتغرق كل شوارعه، ولا تستطيع فتحات التصريف استيعاب كميات المياه الكبيرة التي تتجمع، بسبب ارتفاع منسوب المياه داخل المخيم، التي تتلاصق منازله، كما أن الكثير من الأسقف مصنوعة من الزينكو أو الإسبست أو الأسمنت المهترئ.
المنازل آيلة للسقوط
"عادة ما تظهر مشكلات اللاجئين الفلسطينيين عند دخول فصل الشتاء".. هكذا يرى هاني جودة منسق شبكة مناصرة لاجئي فلسطين، والذي أكد أن هذه الأزمات تتنامى بشكل كبير في ظل تراجع الدعم الدولي لمنظمة الأونروا، مضيفًا: "يبدي اللاجئون في المخيمات تخوفهم من فصل الشتاء، فكيف يمكنهم التصدي للأمطار والسيول وهم يعيشون في منازل لجوء متصدعة، مر عليها عشرات السنوات، وباتت غير ملائمة للعيش".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، منازل ومخيمات اللجوء التي أنشأتها وكالة الأونروا إبان النكبة الفلسطينية في عام 1948، لم يتم ترميمها أو صيانتها، رغم تزايد أعداد اللاجئين واكتظاظ هذه المخيمات بالسكان، ما انعكس سلبًا عليها وجعلها غير قادرة على مواجهة الطقس في فصل الشتاء، ولا تزال قوى اللاجئين الفلسطينيين تدعو الجهات المختصة لترميم البيوت المتهالكة، حي تتعرض إلى الغرق دائمًا بسبب اهتراء شبكات الصرف الصحي، وأسقف المنازل واهتراء الجدران والأبواب والشبابيك.
وأكد أن الوضع الإنساني في مخيمات اللجوء بقطاع غزة صعب للغاية، وبات جزء كبير منها بحاجة إلى إعادة تأهيل، لا سيما وأن الكثير منها مبني بشك غير هندسي، غير أنها متلاصقة بعضها ببعض، وتعاني من الزحام، ناهيك عن ارتفاع نسب الرطوبة وتعفن الجدران، حيث لا تدخل الشمس هذه المنازل، إضافة إلى تهالك شبكات الصرف والمياه.
ويرى أن "اللاجئين الفلسطينيين لا يمكن تحميلهم مسؤوليات تقصير الجهات الدولية، ووكالة الأونروا هي المعنية بهذا الأمر قانونيًا أخلاقيًا، وتقع المسؤولية على عاتق المجتمع الدولي كافة، والمؤسسات الدولية، التي ينبغي عليها التدخل لحل هذه الأزمات قبل دخول فصل الشتاء، ومراعاة تطور اللاجئين الديمغرافي والخدماتي، وتزايد أعدادهم، المخييمات الفلسطينية أكبر الشواهد الحقيقية والحية على نكبة الشعب الفلسطيني، وعلى جرائم الاحتلال بحقّه، إلى أن يعودوا إلى مدنهم وقراهم التي هجّرهم الاحتلال منها قسرًا".
جريمة إنسانية
كشف دكتور زاهر البنا، رئيس المجلس المركزي لأولياء الأمور في مدارس الأونروا بقطاع غزة، إن "هناك أكثر من 2 مليون لاجئ في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا، والأكثر فقرا في العالم، حيث يعاني 93% من سكانه ظروفا إنسانية قاهرة، وحول العدوان الإسرائيلي المتواصل والحصار حياة اللاجئين إلى جحيم، فالمخيمات هناك تشهد ازدحامًا سكانيًا خانقًا، في ظل ضيق المساحة".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الأسر في المخيمات تعيش في منازل ضيقة ومتلاصقة مع أخرى، وتمنعها الظروف الاقتصادية الصعبة من البناء والتوسع، وكثير من المنازل أسقفها من الزينكو (الصفيح) والأسبست وهذا لا يوفر للقاطنين حياة آمنة، ولا يعطي أفراد الأسرة الواحدة فرصة البناء والتوسع داخل المنزل، كما أن بيوت المخيمات مضى على بنائها وقت طويل وتحتاج بمجملها لإعادة تأهيل في الأسقف والجدران، كثير منها بحاجة للتأهيل السريع لمواجهة فصل الشتاء.
وتابع: "المأساة في المخيمات كبيرة، الناس في الدول المجاورة أو في المدن يستعدون لفصل الشتاء بتجهيز الأفران الداخلية وشراء الخشب والفحم والمسليات ليستمتعوا بفصل الشتاء، لكن في مخيمات قطاع غزة الناس تستعد لتنظيف وتكنيس أسطح المنازل وفرشها بالنايلون إن استطاعت شرائه، وإن لم تستطع تتوجه إلى المؤسسات والجمعيات ووكالة الغوث لتوفير لهم نيلون يغطوا به أسطحهم علها تقيهم من مياه الأمطار، لأن معظم الأسطح أصابها التشقق بفعل الزمن، وبفعل القصف الإسرائيلي".
وأوضح أن البنى التحتية في المخيمات سيئة جدًا، حيث أن مناهل تصريف مياه الأمطار قوتها أكبر من تحمل هذه المناهل وهذا يسبب إغلاقها ورجوع المياه إلى البيوت وغرقها وبالتالي هذه معاناة أخرى تغرق المنازل، وعادة تختلط المياه العادمة بمياه الأمطار وتدخل البيوت وتسبب كارثة صحية وبيئية كبيرة، مؤكدًا أن السكوت واستمرار تلك الحالة المتكررة كل عام جريمة إنسانية بحق المخيمات جميعهم، دون أي تحرك من الجهات المسئولة سواء الأونروا أو البلديات.
إعادة تأهيل
قال ثائر نوفل أبوعطيوي، كاتب فلسطيني من مخيمات اللجوء بقطاع غزة، إن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في القطاع التي تعاني اكتظاظا سكانيا كبيرا، وتشهد معاناة واضحة وكبيرة بفصل الشتاء جراء المنخفضات الجوية وبرودة الطقس وهطول الأمطار، حيث تعاني هذه المخيمات من مشكلة الصرف الصحي في تصريف مياه الأمطار في الشوارع العامة والفرعية، نظرًا لعدم وجود شبكات صحية مناسبة، ما يجعل مياه الأمطار يفيض منسوبها وتتجمع في الشوارع وتبقى عالقة.
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك":
بعض المناطق السكنية في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة تعاني أيضا من عدم وجود شبكات للصرف الصحي وعدم وجود بنية تحتية عمرانية بالأساس تمنع ركود المياه في شوارعها.
وأضاف: ناهيك عن أجواء البرد القارس جراء الصقيع والمنخفضات بسبب عدم صلاحية المساكن وافتقارها الشديد لأدنى شروط البيئة الصحية السليمة للعيش بسبب البناء القديم والمتهالك الذي مر عليه سنوات طويلة دون تصليح أو ترميم.
وأوضح أن هناك ضرورة لإيجاد حلول لهذة المشكلات المتكررة كل شتاء، من خلال إنشاء مصارف صحية جيدة، ذات مواصفات هندسية تتلاءم مع حجم ومنسوب سيول الأمطال والمنخفضات، وهو ما يحتاج إلى إعمار البنية التحتية، وإعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي في الشوارع العامة، وبناء المساكن التي تأوي اللاجئين في المخيمات وفق شروط بيئية وصحية سليمة، وهو ما يقع على عاتق وكالة الأونروا وتحت مسؤوليتها القانونية والإنسانية، بحسب ما نصت عليه المواثيق الدولية للأمم المتحدة
في سوريا ولبنان.. الجحيم مستعر
من غزة إلى سوريا ولبنان، يعيش اللاجئون أوضاعًا مأساوية في كل بلاد الشتات، حيث يحكى محمود الشهابي، الناشط الفلسطيني المقيم في مخيم اليرموك بسوريا، قبل أن ينتقل إلى منطقة البقيع في لبنان، بسبب الحرب السورية، ويقول: "أوضاع اللاجئين الفلسطينيين مأساوي في سوريا ولبنان، سكان المخيمات يقيمون في بؤرة جهنيمة، مبان وخيام متهالكة لا تصلح للعيش الآدمي".
ويضيف لـ"سبوتنيك":
هناك لاجئون فلسطينيون يقيمون داخل الخيم في الشمال السوري، ويطلق عليها "فلسطينيو سوريا"، لا يتلقون أي مساعدات من الأونروا، ولا تعترف بهم أي مؤسسات إغاثية، ولا يتلقون أي دعم مادي، وهم يعيشون في أوضاع مأساوية، لا يمكن وصفها، وتزداد في فصل الشتاء.
وتابع: "في خيم اللاجئين، وفي الآذقة والشوارع تجد الكابلات الكهربائية في كل مكان، والكثير من الشباب والأطفال فقدوا حياتهم صعقًا بالكهرباء، في ظل غياب عمليات إعادة التأهيل والترميم، فتجد أسقف المنازل تسقط على رؤس ساكنيها من الفلسطينيين".
وأوضح أن الوضع في لبنان صعب للغاية مثل سوريا، فالأزمة الاقتصادية الطاحنة أثرت على الفلسطينيين اللاجئين هناك، وارتفاع الأسعار يحول دون الحصول على "مازوت" للتدفئة والذي وصل سعر البرميل منه مليون ليرة لبناني، مشيرًا أن الأزمات المالية لوكالة الأونروا وتخفيض خدماتها المقدمة زادت الوضع مأساوية.
لبنان والأزمة الاقتصادية
ويرى محمد شولي مسؤول بمؤسسة شاهد الفلسطينية الحقوقية في لبنان، أن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين بلبنان في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية صعبة، حيث ارتفعت نسب الفقر والبطالة بينهم حتى لامست حاجز الـ 93%، وفقًا لإحصائية منظمة الأونروا، ما أثر على قدرات العائلات هناك في تأمين الغذاء ومتطلبات فصل الشتاء من تدفئة وملابس.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تزداد هذه المعاناة للاجئين المقيمين في المناطق المرتفعة فوق سطح البحر، في البقاع، حيث تزداد البرودة هناك أكثر من المناطق الساحلية، كما تعجز الأونروا حاليًا عن توفير لهم احتياجات الشتاء كما كان في السابق بسبب عجز التمويل، فأصبح اللاجئيون يعانون من تأمين الحد الأدنى من متطلباتهم.
وأكد أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في لبنان يزداد صعوبة في فصل الشتاء، حيث لا يستطيع العاملين في المناطق الزراعية منهم أو عمال المياومة العمل في العواصف والأمطار ما يقلل من مدخولهم الشهر، ويؤثر على قدراتهم المعيشية، كما أن البنى التحتية لهذه المخيمات ضعيفة جدًا، حيث هناك أكثر من 5 آلاف وحدة سكنية داخل 12 مخيمًا في لبنان تحتاج إلى تأهيل وترميم وإعادة بناء، بسبب الرطوبة العالية وتشقق الجدران والأسقف جراء الأمطار.
تدخل مطلوب
بدوره يرى محمود خلف، منسق اللجنة المشتركة للاجئين الفلسطينيين، إن اللاجئين يتشائمون من فصل الشتاء، نتيجة المخلفات التي يترتب على قدومه، في ظل المنازل المهدمة والمتهالكة التي تحتاج إلى تأهيل وصيانة في الكثير من المخيمات، لا سيما في المخيمات الوسطى بقطاع غزة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تفاقمت هذه المعاناة بعد أن تخلت الأونروا عن ترميم هذه المنازل، واكتفت بتوزيع كميات من ورق "النايلون"، من أجل تغطية أسطح المنازل وحمايتها من المطر، وهو ما لا يجدي نفعًا.
وأكد أن هذه الأحوال الصعبة للغاية تحتاج إلى جهد وتدخل من قبل المجتمع الدولي، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من أجل إعادة تأهيل هذه المنازل وترميمها قبل قدوم فصل الشتاء.